على النهضة في التشريعية فالأول يحرز على حوالي ضعف نوايا التصويت للثاني بصفة شبه متسمرة،أما في الرئاسية فالأولوية دوما لقيس سعيد ولكن دون التأكد من الفوز منذ الدور الأول في حين تتقدم عبير موسي على بقية المتنافسين مستأثرة بالمرتبة الثانية دون أن تتمكن ،إلى حدّ الآن، من خلق فارق واسع مع ملاحقيها .
تعكس عمليات سبر آراء نوايا التصويت المتعاقبة واقعا ملموسا قويا : استقطاب ثنائي حاد بين الدستوري الحرّ والحركة الإسلامية، وهذه الوضعية ميزت الساحة السياسية التونسية منذ سنة 2012 وإن اختلف منافسو حركة النهضة على امتداد هذا العقد .
اللافت للنظر في سبر راء نوايا التصويت في التشريعية لهذا الشهر أننا في وضعية تشبه إلى حدّ كبير ما كان عليه وضع البلاد قبيل انتخابات 2014،الفرق الوحيد هو أن النداء التاريخي قد تم تعويضه اليوم أساسا بالدستوري الحر وبدرجة أقل بكثير بقلب تونس فهذان الحزبان يجمعان مع بعض - اليوم أكثر - من نصف نوايا التصويت (%38.5 للدستوري الحرّ و%11.8 لقلب تونس ) ولو جمعنا معهما كل نوايا التصويت التي تتوزع على ما يسمى بالعائلة الوسطية الديمقراطية لوجدنا أن هوى التونسي هو في حدود %60 لهذه العائلة مقابل حوالي %40 تتقاسمها التيارات الراديكالية من اسلاموية ويسارية وشعبوية،وهذا هو وضع البلاد على امتداد كل هذه السنوات رغم اختلاف العناوين وتعمق الصراعات كذلك .
يمكننا القول الآن إن حزب عبير موسي (الدستوري الحرّ) قد ربح رهانه السياسي وبصفة جلية،فهو لم يتمكن فقط من إحداث التوازن الضدّي مع حركة النهضة بل يتفوق عليها بوضوح ويضع نفسه في موقع المنتصر بالقوة في الانتخابات التشريعية القادمة .
%38.5 من نوايا التصويت وفق الجسم الانتخابي الحالي ومع الأخذ بعين الاعتبار نسبة العزوف أو عدم التعبير عن نية ايجابية للتصويت والتي تصل في هذا الشهر إلى %58.8،تعطينا نسبة الدستوري الحرّ 1.123441 صوتا اي دون النداء التاريخي بقليل في 2014 وفي المقابل تحصل حركة النهضة على 594.264 صوتا أي في حدود ما حصلت عليه في انتخابات 2019 لو احتسبنا هامش الخطإ .
• في السوسيولوجيا الانتخابية لقطبي الصراع:
عندما نقارن السوسيولوجيا الانتخابية لربيع 2021 بما كانت عليه أيام احتداد الاستقطاب الثنائي بين النداء والنهضة سنوات 2013 و2014 نجد عدة نقاط مشتركة خاصة على مستوى التوزيع الجغرافي للتصويت .
يتقدم الحزب الدستوري الحرّ في جلّ جهات البلاد على حركة النهضة وخاصة في الشمال والوسط وتتجاوز النسبة بينه وبين الحركة الإسلامية واحدا على ثلاثة في كل من تونس الكبرى (تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) وكذلك في ولايات الوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية) بينما تكون هذه النسبة في حدود الضعف في ولايات الشمال الشرقي (بنزرت وزغوان ونابل) وكذلك الشمال الغربي (باجة وجندوبة والكاف وسليانة) ثم يتراجع في ولاية صفاقس (%31.2 للدستوري الحرّ مقابل %25.9 للنهضة) ويتعادل هذا القطبان في الجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي ) في حين تعود الغلبة للحركة الإسلامية في الوسط الغربي (سيدي بوزيد والقصرين والقيروان) خاصة في الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين ).
ولكن الفارق الأساسي بين وضعيات ما قبل 2014 واليوم هو في العنصر الجندري اذ كان التصويت النسائي كثيفا للنداء في حين أن الرجال مازالوا يشكلون أغلبية ،ولو نسبية، في التصويت للدستوري الحرّ (%40.8 من الرجال الذين يدلون بنوايا تصويتهم و%35.9 من النساء ) .
يبدو أن حزب قلب تونس هو الذي ورث التصويت النسائي للنداء التاريخ ففي حين يعلن %6.4 من الرجال أنهم سيصوتون لقلب تونس ترتفع هذه النسبة إلى %18.4 عند النساء.
نفس هذا «التكامل» السوسيولوجي نلاحظه بين هذين الحزبين عندما يتعلق الأمر بالوسط الاجتماعي،فالتصويت للدستوري الحرّ هو أساسا في الطبقة المرفهة والطبقة الوسطى العليا،بينما يكاد ينحصر التصويت لقلب تونس في الطبقات الشعبية ،مقابل نوع من التوازن الاجتماعي عند القاعدة الانتخابية للحركة الإسلامية .
ونلاحظ كذلك شيئا مماثلا لهذا عندما يتعلق الأمر بالسنّ،فالتصويت للدستوري الحرّ يتصاعد طراد مع السنّ من ضعيف عند الشباب (%12.8) إلى شبه مهيمن عند من تجاوزوا الستين (%57) في حين نلاحظ غلبة الكهول على التصويت النهضوي وتراجعه عند قلب تونس مقابل ارتفاع نسبي لنوايا التصويت بالنسبة لهذا الحزب عند الشباب والشيوخ على حدّ سواء .
وفي المستوى المعرفي تتنامى نوايا التصويت للدستوري الحرّ بارتفاع المستوى التعليمي في حين يقع العكس تماما لقلب تونس أما عند النهضة فلا نكاد نجد فوراق تذكر .
كل هذه المعطيات السوسيولوجية تبيّن أن نوايا التصويت للدستوري الحرّ كما كان الشأن بالنسبة للنداء التاريخي،تتجاوز بكثير هوية الحزب وشخصية زعيمته فنحن أمام فئات اجتماعية ترتاب كثيرا من الإسلاميين إن لم تكن تعاديهم وهي تعتبر أن فترة حكمهم المباشر أو بالوكالة فترة كارثية ولابد أن تنتهي ولذلك ترى هذه الفئات في حزب عبير موسي الجهة السياسية الأكثر الأقدر والأكثر إصرارا على تحقيق هذا الهدف .
• والآخرون ..
ما يلفت النظر في هذه الدفعة من سبر آراء نوايا التصويت صمود «قلب تونس» رغم كل المشاكل التي تعترضه وخاصة تلك المتعلقة بالملف القضائي لرئيسه،ولكن قلب تونس لم يغب عن الأرض ومازالت له قاعدة انتخابية مهمة نسبيا (%11.8 من نوايا التصويت بما يعادل 343116 صوتا) .
في المقابل لا نجد حزبا آخر يتجاوز %5 ولكن بدأنا نلمس شيئا جديدا /قديما بصدد البروز وهو الرغبة في التصويت لحزب لا يوجد بعد ،سوء أكان حزب قيس سعيد (%3.1) أو حزب الصافي سعيد (%2.9) وهذه الرغبة تفيد بوجود مكان ما لحزب شعبوي شريطة أن يوجد الإطار التنظيمي القادر على التعبئة وعلى تلبية هذه الرغبة .
•نوايا التصويت في الرئاسية :
سعيد وموسي في الدور الثاني
تتأرجح نوايا التصويت في الرئاسية لقيس سعيد من شهر إلى آخر فهو تارة ينزل ليقارب %40 وتارة أخرى يناهز %60 دون أن يكون لذلك تفسير بنيوي واضح،وهذا يعني أن هنالك قاعدة صلبة – إلى حد الآن – تصوت لقيس سعيد بغض النظر عن السياقات الحدثية وأخرى تصويتها متأرجح مناسباتي .
ورغم أن قيس سعيد لا يبلغ هذه المرة الأغلبية المطلقة (%45.2 فقط ) لكنه يظل في الحقيقة دون منافسة جدية إذ يبتعد على صاحبة المرتبة الثانية عبير موسي بثلاثين نقطة،ولو ترجمنا هذه النسب إلى أصوات لوجدنا أن هنالك 1898814 صوتا لقيس سعيد مقابل 610.535 لعبير موسي .ولعل الرهان الأساسي لزعيمة الدستوري الحرّ اليوم هو أن تعمق الفارق مع ملاحقيها المباشرين : نبيل القروي (%11.1) والصافي سعيد (%9.9) وان تعمل على الانتقال من زعيمة حزب مشاكسة وذات طاقة جبارة إلى رئيسة دولة بالقوة أي إلى التماهي مع الضرورة الذهنية العامة التي تعتمل في مخيال التونسيين حول مواصفات صاحب قرطاج ولكن الصراع القادم بين رئيس الجمهورية الحالي ورئيسة الدستوري الحرّ له ساحة معركة أخرى تتمثل في من هو الأقدر على هزم الإسلام السياسي دون استعادة المنظمة القديمة لا في أشخاصها بل في رمزيتها،وهذا ما يبدو وانه يعيق اليوم الاكتساح الذي تخطط له عبير موسي للوصول إلى السلطة بصفة كاملة فهي لا تريد الاكتفاء بالفوز النسبي في التشريعية بل تسعى إلى تحقيق ما نجح فيه الراحل قائد السبسي في الانتخابات العامة لسنة 2014.
المواعيد الانتخابية العامة مازالت بعيدة ولاشك والمفاجآت واردة وبقوة ولا يمكن اليوم أن يدعي أحد انه ربح الانتخابات بمجرد تصدر ظرفي لعملية نوايا التصويت ..ولكن الأكيد أن هنالك أحزابا وشخصيات قد خسرتها منذ الآن ..
الجذاذة التقنية للدراسة:
• العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 1997 تونسيا تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
• تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
• طريقة جمع البيانات: بالهاتـــف
CATI) Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
• نسبة الخطأ القصوى: %2،2.
• تاريخ الدراسة: من 3 إلى 8 أفريل 2021