وتأتي الزيارة بعد أقل من شهر من زيارة أدّاها الرئيس سعيد الى ليبيا، في مؤشر الى إعادة نسق الحركية الدبلوماسية واللقاءات الرسمية وذلك بعد موجة كوفيد التي أثرّت كثيرا على العمل الدبلوماسي وأصابته بالجمود . وسيكون الملف الليبي في مقدمة الملفات المطروحة في لقاء سعيد – السيسي خاصة بعد التحولات الأخيرة الهامة التي طرأت على هذا الملف والانفراج نحو تسوية الأزمة، والتي لعبت فيها دول الجوار الليبي -خاصة تونس ومصر- دورا إيجابيا .
وكان في استقبال الرئيس قيس سعيد بمطار القاهرة الرئيس عبد الفتاح السيسي وأوضح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بانه سيتم عقد لقاء قمة مصرية تونسية اليوم السبت بقصر الاتحادية ومن المقرر ان تتناول التباحث حول عدد من القضايا الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المتبادل، وكذلك سبل تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون المشترك في كافة المجالات، خاصة على المستوى الامني والاقتصادي والاستثماري».
علاقات متينة
وترتبط تونس ومصر بعلاقات متينة قوية وتاريخية وحضارية وثيقة تعززت في أكثر من مرحلة ، فقد ساندت مصر حركات التحرر في دول المغرب العربي ومن بينها تونس، وكذلك أمر الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بإرسال كتيبة الى مصر في حرب أكتوبر كانت تتألف من 1200 جندي استقرّوا في منطقة «دلتا النيل»، لمساندة القوات المصرية المتقدمة في عمق سيناء.
وخلال العشرية الأخيرة وبسب التحولات التي عاشتها المنطقة في خضم ما يسمى بـ«الربيع العربي» دخلت العلاقات في مرحلة من المد والجزر والفتور بسبب مواقف الطبقة الحاكمة في تونس آنذاك خاصة حركة النهضة من الإطاحة بنظام حكم الاخوان برئاسة محمد مرسي . وبعد فترة من الجفاء ، بدأ الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بمد الجسور مجددا مع القاهرة ويبدو ان الرئيس قيس سعيد يسير في الطريق نفسه باتجاه تعزيز العلاقات مع دولة شقيقة بشكل يؤمن مصلحة البلدين . لذلك فان هذه الزيارة تحظى بأهمية كبيرة في مستوى التقارب المصري التونسي خاصة ان هناك تحديات عديدة مشتركة بين البلدين داخليا وخارجيا . فالمنطقة تدخل اليوم في مناخ من المصالحات الإقليمية بعد مرحلة الاصطفاف السياسي ولعبة المحاور ، لذلك من الأهمية بمكان ان تكون الدبلوماسية التونسية حاضرة في مختلف المحطات لتعزيز دورها الخارجي والإقليمي .
دلالات ورسائل عديدة
ويرى البعض بأن هذه الزيارة تحمل رمزية كبيرة وأن لها دلالات ورسائل داخلية وخارجية بالنظر لما يمثله نظام السيسي من عداء لحركة الاخوان. وتقول الخبيرة والمستشارة الإعلامية المصرية عزة فؤاد لـ«المغرب» انه بعد نجاح ثورة 30 جوان وتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد السلطة في 2014، أخذ يسعى إلى تطوير العلاقات المصرية العربية والإقليمية والدولية، لذا شهدت العلاقات المصرية – التونسية تطورًا كبيرًا ففي أكتوبر 2019، وقد هنأ الرئيس عبد الفتاح السيسي الشعبَ التونسي بانتهاء الانتخابات الرئاسية، وانتخاب قيس سعيد رئيسًا للجمهورية، ونُشِرَتْ التهنئة على الحساب الرسمي للرئيس على منصة تويتر، وكان نصها هو «أتقدم بخالص التهنئة للشعب التونسي الشقيق على تنفيذ الاستحقاق الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية متمنيًا للرئيس المنتخب قيس سعيد التوفيق والسداد لما فيه صالح تونس وشعبها العظيم ومتطلعًا نحو المزيد من التعاون البناء بين بلدينا في كافة المجالات وتكوين رؤية مشتركة لحل مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك».
وتضيف محدثتنا :«في مارس 2019، زار الرئيس عبد الفتاح السيسي تونس للمشاركة في أعمال الدورة العادية الثلاثين للقمة العربية، والتي ناقشت عدة موضوعات؛ أهمها ملف هضبة الجولان السورية المحتلة، والتطورات الفلسطينية، والملف الليبي، وغيرها». وفي نوفمبر 2017، استقبل الرئيس السيسي بالقاهرة رئيسَ الحكومة التونسية يوسف الشاهد، وقد شهد اللقاء استعراضًا لمجمل العلاقات الثنائية؛ واتفق الجانبان على أهمية العمل على تطوير التعاون بين البلدين خاصةً على الصعيد الاقتصادي، وتعزيز التبادل التجاري؛ بما يرقى إلى مستوى العلاقات المتميزة بين البلدين».
وقالت بان العلاقات بين البلدين شهدت تقاربًا خلال السنوات الأربع الأخيرة، كما شهدت تواصلًا وتنسيقًا في العديد من الملفات، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب، والقضية الفلسطينية. وقد اهتمت الدولتان بتطورات الأزمة الليبية باعتبارهما دولتي جوار».
وتضيف محدثتنا :«العلاقات التونسية المصرية تشهد تناغما، والرئيس السيسي يحرص على استقرار دول شمال إفريقيا والتعاون مع تونس وهناك اهتمام مشترك بين الرئيسين لاستقرار أفريقيا». وقالت: «ان حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل لـ 60 مليون دولار» ومن المتوقع أن تشهد العلاقات طفرة حقيقية في العلاقات التجارية تستند على أسس اقتصادية وتشريعية قوية بين الجانبين، حيث توجد العديد من الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين مصر وتونس، أهمها اتفاقية تيسير التبادل التجاري بين مصر والدول العربية (منطقة التجارة العربية الكبرى).
وتضيف المستشارة الإعلامية السابقة في سفارة مصر بتونس بالقول :«على هامش الزيارة أعلن إبراهيم العربي رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية والافريقية، البدء في إعادة تفعيل الغرفة الاقتصادية التونسية المصرية كخطوة أولى لتنمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وحول مقترحات تنمية العلاقات الاقتصادية قال العربى إن تنفيذ مقترح إنشاء بنك مصري - تونسي مشترك لتوفير التسهيلات اللازمة للمعاملات التجارية والمالية بين البلدين، لمساعدة وتشجيع رجال الأعمال والمستثمرين من الجانبين وإنشاء خط ملاحي لتسهيل حركة التبادل التجاري . وهذه الخطوات هي أحد أهم المقترحات التي ستحدث تنمية حقيقية للعلاقات التجارية بين البلدين.
وقال العربي انه تم بحث مضاعفة العلاقات الاقتصادية المشتركة وإدخال منتجات جديدة لقائمة التجارة البينية بين تونس ومصر.
يشار الى ان أهم الصادرات المصرية إلى تونس تتمثل في المنتجات البترولية، والأقمشة القطنية، والسلع الغذائية، والحديد والصلب، والأجهزة الكهربائية، والمصنوعات البلاستكية والزجاجية، بينما تتمثل أهم الصادرات التونسية إلى مصر في المنتجات الكيميائية، ولوازم السيارات والجرارات، والمنتجات الورقية، والأجهزة الكهربائية، والمنتجات الخزفية.