تونس بين عيد الاستقلال و عيد الثورة

بقلم: فاضل
موسى
بمناسبة احتفالنا بالذكرى الخامسة والستين لعيد الاستقلال المتزامن مع الذكرى العاشرة للثورة، رأيت من المناسب التذكير

بالنقاش المتعلق بموقع الاستقلال ومكانته في تاريخ تونس الحديث ورمزيته وصيغة إقراره في الدستور الجديد.

وأرغب في تقديم شهادة على النقاش الذي دار داخل الهيئة المشتركة لتنسيق وصياغة الدستور الجديد، بالعلاقة مع اللجان التأسيسية، حول الإعراض عن إدراج كلمة «الاستقلال» في توطئة المسودة الأولى للدستور المؤرخة في 22ديسمبر 2012، في المجلس الوطني التأسيسي. للتذكير كانت صياغة الفقرة الأولى للتوطئة كالآتي : »نحن نواب الشعب التونسي أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، اعتزازا بنضالات شعبنا واستجابة لأهداف الثورة التي توجت ملحمة التحرر من الاستعمار والاستبداد، وحققت انتصارا لإرادته الحرة.. «وكانت النية آنذاك متجهة نحو طمس دولة الاستقلال والدولة الوطنية وإقرار أن تاريخ تونس يبدأ مع الثورة. وتم الاعتراض على هذه الصياغة وما توحي به والإصرار على إقحام معطى الاستقلال في التوطئة. وبعد نقاشات طويلة وحادة تم التوافق على تغيير صياغة الفقرة الأولى للتوطئة، في المسودة الثانية لأفريل 2013، بعد الضغط من الكتلة الديمقراطية بالأساس على الذين لا يعترفون باستقلال تونس في 20 مارس 1956 وأن تونس نشأت بعد الثورة في تقديرهم. هكذا أصبحت الفقرة الأولى على شكلها الحالي: «نحن نواب الشعب

التونسي أعضاء المجلس الوطني التأسيسي اعتزازا بنضال شعبنا من أجل الاستقلال وبناء الدولة والتخلص من الاستبداد استجابة لإرادته الحرة وتحقيقا لأهداف ثورة الحرية والكرامة ثورة 17 ديسمبر 2010/ 14 جانفي 2011..».

وتواصلت محاولة تقزيم دولة الاستقلال في التقرير العام للدستور، و ترسيخ فكرة أن تونس نشأت مع الثورة، وإنكار كل انجاز سابق، والاكتفاء بإبراز الجانب السلبي. فعند تلاوة التقرير ألعام وبعد التذكير بدستور قرطاج، ودستور 1861، جاء دور دستور الاستقلال دستورغرة جوان 1959 ، وورد في شأنه ما يلي » وبعد أن دخل الدستور1959] [ حيز النفاذ وتم تركيز المؤسسات انطلقت آلة التعديل من أجل مزيد تسخير النص الدستوري لتأبيد الحكم الفردي والحيلولة دون أي تداول سلمي على السلطة.» والملاحظ أنه تم تجاهل كل عمل مجد لدولة الاستقلال. إلا أنه تم إيقاف التلاوة فورا من طرف أحد النواب مطالبا بشدة بإدخال الجانب الإيجابي الذي قامت به هذه الدولة، وغادر القاعة في حالة انفعال تكاد تكون هستيرية وتركها لهم. وتم إشعاره بعد حين أنه وقع التدارك والإضافة في التقرير العام للدستور جملة لكسر التشويه بدولة الاستقلال، لتصبح الصياغة كالآتي » ... وبعد أن دخل الدستور1959] [ حيز النفاذ، وتم تركيز المؤسسات وشهدت البلاد تقدما على المستوى التعليمي والصحي والاجتماعي عموما، انطلقت آلة التعديل من أجل مزيد تسخير النص الدستوري لتأبيد الحكم الفردي..».

هكذا كانت الأجواء التي سادت أعمال المجلس التأسيسي في ذلك التاريخ، صراع أول حول هوية الدولة و أصلها ومفصلها، وصراع ثان حول الكيان ووجودية الدولة الوطنية والاعتراف والإبقاء على مكاسبها التقدمية والحداثية الايجابية العديدة. وفي النهاية رجع الدر إلى معدنه ولم يتمكن بعضهم من وضع تصورهم وفهموا بأن شعب تونس الذي نزل مرة أولى إلى الشارع في ثورة الحرية والكرامة ثورة 17 ديسمبر 2010/ 14 جانفي 2011 ، ونزل من جديد مرة ثانية في اعتصام الرحيل من 26 جويلية إلى 24 أكتوبر 2013 متشبثا بالدولة الوطنية الديمقراطية الحقيقية وبتاريخ تونس التليد والعميق في القدم وبما قامت به دولة الاستقلال وآلاف التونسيين في تنمية البلاد وتطويرها، ووفاء لشهدائها الأبرار الذين سقطوا من أجل استقلالها. ومن المفارقات العجيبة خيبة الأمل التي نلاحظها اليوم لدى الشعب ونزول نجم الثورة لإفرازاتها لنواب جعلوا من المجلس حلبة صراع وبلطجة في ظل حصانة برلمانية تستخدم حسب الاحتياجات الظرفية، وصعود نجم المذكرين بخصال دولة الاستقلال. وفي الحقيقة فإن قدر تونس هو الاعتزاز بكل من عيد الثورة وعيد الاستقلال.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115