سبر آراء نوايا التصويت في التشريعية والرئاسية لشهر مارس الجاري يؤكد على التوازنات السياسية العامة التي تشكلت منذ أواسط السنة الفارطة،بل ويضخمها إلى حدّ كبير إذ تتجاوز نوايا التصويت للدستوري الحرّ حاجز %40 (%43.6) بينما تراوح النهضة مكانها دون سقف %20 (%18.4) في حين تتراجع كل الأحزاب الأخرى بل وتكاد تخرج من كل ديناميكية ايجابية حتى لو كانت جزئية ..
في الرئاسية ورغم تراجعه الطفيف يواصل قيس سعيد التحليق عاليا وهو ،نظريا،يفوز منذ الدور بـ%53.3.
ولكن الهام في هذا الشهر هو ازدياد وضوح اختيار المستجوبين وتراجع عدم المصرحين في التشريعية بعشر نقاط كاملة (من %67 في فيفري إلى %57 في مارس).
ابرز ما في نتائج نوايا التصويت في التشريعية هو نزول نسبة غير المصرحين بنوايا تصويتهم تحت %60(%57 تحديدا) وذلك لأول مرة منذ بداية سنة 2020 من جهة وتعمق الفارق الفاصل بين صاحب الريادة الدستوري الحرّ وصاحب المرتبة الثانية حركة النهضة بـ25 نقطة كاملة، إذ حقق الدستوري الحر رقما قياسيا جديدا في النسبة بـ%43.6 وفي العدد المطلق للمصوتين كذلك بحوالي 1.400.000 صوتا بينما كانت الحركة الإسلامية في حدود ما أنجزته في تشريعيات 2019 بـ%18.4 من نسبة نوايا التصويت وبزهاء 580.000 صوتا افتراضيا ..
• إستراتيجية رابحة
في ظرف أشهر معدودات ربح الحزب الدستوري الحرّ في أكثر من واجهة إذ برهن لكل من يخشون من تغول النهضة خاصة بعد وصول رئيسها راشد الغنوشي إلى سدّة البرلمان أن حزب عبير موسي هو وحده القادر لا فقط على إحداث التوازن مع الحركة الإسلامية بل على هزمها وتقليص حضورها في المشهد السياسي ،كما انه فرض نفسه داخل البرلمان وخارجه خاصة وأظهر انه الحزب الأقدر على حشد الشارع وصاحب الجاذبية الأولى لا فقط في العائلة الدستورية بل في كل القوى التي تصنف نفسها وسطية وحداثية ..
الاستقطاب الثنائي ليس شرا في حدّ ذاته، بل هو بمعنى من المعاني من مكونات الديمقراطية التمثيلية ومن شروط إمكان قيام التداول السلمي على السلطة،ولكن عندما يكون المحور الأساسي للاستقطاب هو الهوية والتنافر العدائي عندها يمكن أن يؤدي الاستقطاب إلى الصدام وان يعيق بذلك – جزئيا أو كليا – المسار الديمقراطي المترنّح في بلادنا ..
• الدستوري الحرّ يتفوق في الغالبية الساحقة للجهات والفئات
تسمح لنا أهمية العينة (2007 أشخاص) بمعرفة دقيقة إلى حدّ بعيد للسلوك الانتخابي للجهات ولمختلف الفئات حيث نجد أن الدستوري الحرّ يتفوق على الحركة الإسلامية في الغالبية الساحقة لهذه الجهات والفئات .
تفوق حزب عبير موسي واضح وقوي في كل جهات البلاد من الشمال إلى الوسط مرورا بتونس الكبرى ولم تبق للنهضة سوى ولايات الجنوب بشرقيها وغربيها ولكن حتى هنا فالدستوري الحرّ قد اقترب كثيرا من الحركة الإسلامية إلى حدّ تهديدها في خزانها الانتخابي الأساسي.
الفئة الوحيدة التي تتقدم فيها النهضة نسبيا على الدستوري الحرّ هي الشباب (18 - 25 سنة) وفي المقابل يحقق الدستوري الحرّ نتائج كبيرة جدّا عند من تجاوزوا الستين (%65) و%54 عند الطبقة المرفهة،كما يتقدم على النهضة بوضوح عند الجنسين معا وفي كل المستويات التعليمية .
• ...والبقية ؟
لم يترك هذا الاستقطاب الثنائي شيئا يذكر لبقية الأحزاب،فحزب قلب تونس صاحب المرتبة الثانية في تشريعية 2019 يكاد يتوارى عن الأنظار رغم حصوله على المرتبة الثالثة ولكن نسبة نوايا التصويت التي يحصل عليها (%7.8) لا تخول له البتة المنافسة الجدية مع قطبي الصراع،كما أن التيار الديمقراطي الرابع على مستوى عدد الأصوات في 2019 والثالث على مستوى عدد النواب لم يتمكن من تحقيق القفزة النوعية التي كان يحلم بها وبقي في مستويات ضعيفة من نوايا التصويت (%4.8) رغم مرتبته الرابعة فيما يختتم ائتلاف الكرامة خماسي الطليعة بـ%4.3 ويبدو انه بصدد خسارة معركة تمثيلية الإسلام السياسي في المشهد الحالي ..
• قيس سعيد دون منافس
في الرئاسية يبقى صاحب قرطاج الحالي دون منافس جدي بعد حوالي سنة وخمسة أشهر من بداية عهدته الانتخابية إذ حصل على %53.3 من نوايا التصويت بينما لم يحرز صاحب المرتبة الثانية،عبير موسي ،إلا على %13.1 تم نجد ثنائيا متقاربا : نبيل القروي بـ%8.4 و الصافي سعيد بـ%7.1 ويختم الرئيس السابق المنصف المرزوقي خماسي الطليعة بـ%2.6 من نوايا التصويت فقط ..
الملاحظ هنا أننا لا نجد أية شخصية نهضوية قادرة على المنافسة في هذا السباق فالإسلامي الأكثر شعبية،عبد اللطيف المكي وزير الصحة السابق،يأتي في المرتبة السادسة بـ%1.9 من نوايا التصويت .
• الموقف من الإسلام السياسي هو عنصر الفرز الأساسي
نلاحظ مرّة أخرى أن عنصر الفرز الأساسي في التشريعية والرئاسية – وإن بدرجة اقل – يبقى الموقف من الإسلام السياسي خاصة ومن منظومة الحكم التي سيطرت خلال هذه العشرية عامة .
والتونسي هنا لا يضع بيضه في سلة واحدة ،فهو يراهن على الدستوري الحرّ في التشريعية وعلى قيس سعيد في الرئاسية وكأنه لا يريد انتصارا كاسحا لقوة واحدة في الرئاسية والتشريعية معا ..
مازالت تفصلنا ،نظريا،حوالي ثلاث سنوات ونصف السنة عن الانتخابات العامة القادمة،ولكن الأزمة السياسية الخانقة التي تكاد تعصف بالبلاد اليوم قد تعجل في التشريعية ربّما،وإذا تحققت الاتجاهات العامة التي تشير إليها عمليات سبر آراء نوايا التصويت ستكون البلاد مقبلة على تغيير جذري جديد في موازين القوى السياسية ..ولكن التاريخ لم يكتب بعد..فكما جاءتنا انتخابات 2019 بمفاجآت غير منتظرة فقد يكون الأمر كذلك في الاستحقاقات القادمة.
الجذاذة التقنية للدراسة
• العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 2007 تونسيا تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
• تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
• طريقة جمع البيانات: بالهاتـــف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
• نسبة الخطأ القصوى: %2.2
• تاريخ الدراسة: من 6 إلى 9 مارس 2021