رئيس الحكومة وإدارته للأزمة السياسية ولملف الإصلاحات الكبرى: السعي إلى شراء ودّ الاتحاد لضمان البقاء

يبدو ان كل خطوة خطاها رئيس الحكومة هشام المشيشي خلال الاسابيع الفارطة. كان لها مسار وهدف ونهاية واحدة. ثبته في قصر الحكومة بالقصبة

مع ربح المساحات امام رئيس الجمهورية لذلك فلا يضره ان يقدم ما يمكنه تقديمه لكسب حلفاء او تحديد خصوم محتملين حتى وان كان في ذلك دفع بالامور الى المجهول وتعميق الازمة المالية للبلاد.
منذ ان احتدم الصراع بين هشام المشيشي وحزامه البرلماني مع رئاسة الجمهورية كان جليا ان رئيس الحكومة يتبع نهجا بعينه في تحركه. فالرجل حرص على ان لا يقع ابعاده من الصورة منذ البداية وحرص على ان يفتك لنفسه هامشا للمناورة ليضمن القدرة على تحديد حلول الازمة بما لا يضره.
لذلك كانت خطواته متتابعة متناسقة خاصة إذا تعلق الامر بشراء الود. فالرجل لم يتخلف عن ابرام اتفاقات لها جوانب مالية مع قطاعات ومنظمات، ستكلف خزينة الدولة حوالي 2 مليار دينار، ليرتفع عجزها الى اكثر من 20 مليار وكانت حكومته تعتزم وفق قانون ماليتها ان تقترض قبل الارتفاع 12 مليار دينار من السوق المالية الدولية لسد العجز. لكن احتدام الازمة السياسية وما فرضه على الرجل وحكومته من ضغط دفعه الى ان يتخذ خطوات أراد من خلالها ان يضمن ود قطاعات ونقابات او على الاقل ان يامن من غضبها او اصطفافها في صف الرئيس، الذي بات يطالب باستقالته بعد تطورات ازمة التحوير الوزاري.
هذه الأزمة كانت تندرج بدورها ضمن مسار المشيشي لضمان مكانه في المشهد بتعزيز تحالفه مع الاغلبية البرلمانية ومنحها حقائب في حكومته التي قال عنها انها احتفظت بفلسفة المشاورات، وهي حكومة كفاءات غير متحزبة. وعديدة هي المحطات التي كشف من خلالها المشيشي ان هاجسه الراهن هو ضمان حماية لحكومته وقد ينظر لاحقا في باقي التفاصيل.
ولعل اخرها ما صدر عنه امس في زيارته الى ولاية زغوان، اذ قال المشيشي في تصريحات صحفية ان حكومته «بصدد العمل على مشروع قانون مالية تكميلي لسنة 2021». و الذي تعهدت بان تقدمه للمجلس قبل نهاية شهر مارس الجاري وفيه سيتضخ عمق الازمة المالية اكثر.
لم يكن هذا اللافت في كلمة المشيشي بل حفاظه على نهجه في محاولة كسب حلفاء من المنظمات الوطنية او ضمان حيادهم على الاقل. اذ ان المشيشي وهو يشير الى ان حكومته منشغلة بالعمل على الاصلاحات الاقتصادية مع الشركاء الاجتماعيين شدد على انه لا مجال للتفويت في المؤسسات العمومية. اذ يقول المشيشي ان حكومته بصدد عقد جلسات مع الشركاء الاجتماعيين للعمل جنبا لجنب على وضع تصور لاصلاح المؤسسات العمومية التي يقول عنها انها من اهم عناصر الاصلاح الاقتصادي لذلك فان التفويت فيها- اي المؤسسات العمومية- غير مطروح. بل ان حكومته تعمل من اجل اصلاح هذه المؤسسات حالة بحالة وفق الاتفاق الذي ابرمته مع اتحاد الشغل.
هذه الاشارات الصريحة بان الحكومة لن تذهب في خيارات يعارضها ألاتحاد وهي التفويت في عدد من المؤسسات العمومية ضمن خطة اصلاح شاملة. وأنّ الحكومة لا ترغب اليوم في ان تكون في مواجهة مفتوحة مع اتحاد الشغل الذي يقود الجهود مع منظمة الاعراف لحل الازمة السياسية. بل ما ترغب فيه الحكومة وتطمح اليه هو ان يكون الاتحاد محايدا في صراعها مع القصر وان لا يمارس ضغطا عليها او على حزامها البرلماني ليعجل برحيلها بعد ان طالب الرئيس بذلك.
رغبة تجد ما يغذيها في الغضب المكتوم لدى اتحاد الشغل من استمرار صمت الرئاسة على مبادرته وعدم الانطلاق في تنزيلها، اضافة إلى عدم تجاوب الرئاسة مع محاولات المنظمة التوسط ووجود ارضية مشتركة بينه وبين المشيشي بهدف تجاوز الازمة السياسية الحالية والذهاب الى حوار وطني لا يعارض الاتحاد ان تكون الحكومة ومستقبلها ضمن ملفات الحوار.
لهذا يحرص المشيشي على ان يقترب من الاتحاد اكثر، فهو يرى ان المنظمة لا تزال اقرب لقصر قرطاج منها اليه. لذلك فهو حريص على ان يكون الاتحاد محايدا على امل ان ينجح حزامة البرلماني في ضمان بقائه.
هنا يغفل المشيشي عن حقائق عدة. اولها ان الحكومة تتجه لاقتراض 18 مليار دينار لتعبئة مواردها المالية، وهذا المبلغ يبدو انه مرشح للارتفاع ليتجاوز 20 مليار دينار نتيجة سياسات الحكومة اضافة الى مراجعة التوقعات والفرضيات التي قام عليها قانون مالية 2021.
الحجم الكبير للاقتراض، والذي من ضمنه اقتراض حوالي 6 مليار دينار من السوق الداخلية. يضع حكومة المشيشي امام حتمية وحيدة وهي الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي يكون بوابتها للعبور الى السوق المالية العالمية، لتعبئة مواردها. ودون هذا الاتفاق ستجد الدولة التونسية صعوبة في ايجاد جهة مقرضة وان وجدت ستكون نسب الفائدة مرتفعة ومدة السداد محدودة وهي عملية غير امنة ونتائجها ستكون سلبية.
لذلك فلا خيار غير الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وهنا تبرز اشكالية المشيشي الذي انشغل بتجنب غضب الاتحاد لاعتبارات سياسية تتعلق بالصراع مع القصر وغفل عن ان صندوق النقد يضع شروطا صريحة لابرام اي اتفاق مع تونس وهي التحكم في كتلة الاجور وتخفيض نفقات الدعم واصلاح المؤسسات العمومية.
ولئن كان الصندوق لا يطلب صراحة بالتفويت في المؤسسات العمومية إلا أنه يحث الحكومة على ان توجه نفقاتها لمجالات اخرى غير المنشات العمومية. والقصد ان يقع التفويت في بعضها خاصة التي تنشط في قطاعات تنافسية وغير استراتيجية.
وهنا تتجسد اشكالية المشيشي فهو ملتزم مع الاتحاد بان لا يقع التفويت وان لا يقع المساس بالأجور وان لا يقع التراجع عن تسوية الوضعيات او وقف الانتدابات وهذا يعنى ان كتلة الاجور سترتفع. اضافة الى عدم التفويت في المؤسسات العمومية. وهو ما يجعله محاصرا بين الاتحاد وصندوق النقد الذي سيصدر قريبا تقريره الذي يتضمن توصيات لعدة دول منها تونس .
إذا ارضى المشيشي الاتحاد لفظه صندوق النقد وإذا طبق ما يطالبه به الصندوق اغضب الاتحاد الذي لن يدخر جهدا ضده. بشكل ما اوقع المشيشي نفسه في حقل رمال متحركة. اي خطوة يقدم عليها تعمق مأساته اكثر وتعجل بغرقه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115