في مكتوب وجهه سعيد إلى المشيشي حول التحوير الوزاري وتجاهل الدستور: «حكومة على المقاس..وانتقلنا من الحزب الواحد إلى مجموعة فاسدة واحدة»

يبدو أن توتر العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية باق ويشتد ولا تزال أزمة أداء اليمين الدستورية متواصلة بل وتسير في اتجاه الانغلاق،

وتقابل خطوة يتم اتخاذها خطوة تصعيدية، حيث رفض رئيس الجمهورية قيس سعيد تقديم توضيحات حول أسماء الوزراء المعنيين بالاحتراز ردّ عليه رئيس الحكومة هشام المشيشي بقرارات «استفزازية» تتمثل في إعفاء الوزراء المعنيين بالتحوير الوزاري المصادق عليه من قبل البرلمان منذ 20 يوما باستثناء وزير الصحة فوزي المهدي وتعيين وزراء بالنيابة لتعمل حكومة هشام المشيشي بعد الـ5 إعفاءات الأخيرة بـ8 وزراء بالنيابة منهما وزيران في وزارتين سياديتين وهما الداخلية والعدل، وقد ردّ عليه سعيد بمكتوب بخط يده تحدث فيه عن اخلالات التحوير الوزاري الذي راعى الانتقال الديمقراطي في ظاهره فقط ولكن في باطنه انتقال من الحزب الواحد إلى مجموعة فاسدة واحدة.
وجّه رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى رئيس الحكومة هشام المشيشي كتابا يتعلّق بالجوانب القانونية للتحوير الوزاري وخاصة بتجاهل بعض أحكام الدستور. كما تضمن هذا الكتاب وفق رئاسة الجمهورية تذكيرا بجملة من المبادئ المتعلقة بضرورة أن تكون السلطة السياسية في تونس معبرة عن الإرادة الحقيقية للشعب. وقد أكّد رئيس الجمهورية بالخصوص على أن اليمين لا تقاس بمقاييس الإجراءات الشكلية أو الجوهرية، بل بالالتزام بما ورد في نص القسم وبالآثار التي ستُرتب عنه لا في الحياة الدنيا فقط ولكن حين يقف من أدّاها بين يدي أعدل العادلين.
لم يقع احترام الفصل 92 من الدستور
8 أسباب ذكرها رئيس الجمهورية في المكتوب الذي وجهه أمس إلى رئيس الحكومة حول رفضه أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد منها أنه لم يقع احترام الفصل 92 من الدستور والذي يقتضي مداولة مجلس الوزراء بخصوص إحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتاب الدولة واعتبر أن التداول لا يمكن أن يكون اثر الإعلان عن التحوير بل قبله وإلا فلا معنى ولا فائدة أو جدوى منه إلى جانب ذلك فإنه كان من المفروض إعلام رئيس الجمهورية بانعقاد مجلس الوزراء وبجدول أعماله لأنه هو الذي يترأسه وجوبا في عدد من الحالات متى ارتأى الحضور ورئاسة الاجتماع في حالات أخرى ومن الأسباب التي تحدث عنها سعيد في المكتوب الموجه إلى المشيشي أن الدستور لم يقتض عرض أي تحوير وزاري على مجلس نواب الشعب لنيل الثقة وما ورد بالفصل 144 من النظام الداخلي إجراء لا يلزم إلا من وضعه لأن الأنظمة الداخلية هي داخلية في كل المجالس النيابية في العالم وليست قوانين من قوانين الدولة.
الأداء لم يكن هو المقياس..
وفق رئيس الجمهورية فإن التحوير الوزاري تجاهل الفصل 46 من الدستور الذي يفرض تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي مختلف المجالات، هذا واعتبر رئيس الدولة أنه كان من المفترض أن يعرض ترشح كاتبة الدولة لدوى وزير الشباب والرياضة والإدماج المهني في ذات السياق الذي اخترتم الذهاب بل والإصرار عليه، فقد تمت إعادة هيكلة الحكومة وشملت إعادة الهيكلة هذه الوزارة المذكورة التي تغير اختصاصها بعد إنشاء وزارة جديدة للتكوين المهني والاقتصاد الاجتماعي والتضامني. كما أكد سعيد أن العديد من الوزراء لم يتمكنوا حتى من اختيار رؤساء لدواوينهم فكيف تمّ تقويم الأداء وقد منعوا أو وضعت كل العقبات أمامهم حتى لا يؤدوا وظائفهم على الوجه المطلوب، وشدد على أنه لا يخال أن أحدا لم يكن على اطلاع بأن الأداء لم يكن هو المقياس بل الاتفاق على هذا التحوير منذ البداية حتى تكون الحكومة حكومة على المقاس.
اليمين ليس مجرد إجراء شكلي..
هذا ورد سعيد على الادعاء بتعطيل سير المرافق العمومية، وأكد أن مؤسسات الدولة تعمل وإذا عرف بعضها تعثرا فهو نتيجة للمحاولات اليائسة والمستمرة بهدف توظيفها حتى تكون في خدمة جهات بعينها، إلى جانب الإصرار على نفس السياسات التي أدت إلى الانفجار الثوري غير المسبوق. وأضاف الرئيس أن اليمين ليس مجرد إجراء شكلي بل الأهم هو محتواه والآثار التي يجب أن تترتب عنه، قائلا «فمن يقسم بلله العظيم ويضع يده اليمنى على المصحف الكريم لن يحاسب في الحياة الدنيا فقط بل سيقف بين يديه سبحانه وتعالى ليسأل عما فعل ولن يحمل معه يوم الحساب لافتة القضاء ولا المراجع القانونية ولا فتاوي من فتحوا دور إفتاء بل سيحمل معه أفعاله، وستشهد على الجميع ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يفعلون، فلينظر حتى من قصر نظره في الإيمان ومحتواها قبل النظر في المواكب والمناصب ولا يخاف مالها وعقباها». وشدد على أنه على العهد الذي عاهد الشعب عليه وأنه لن يقبل بالحنث في اليمين التي أداها ولن يقبل أيضا بخرق أحكام الدستور.
الأسماء غير مجهولة
وبخصوص عدد من الأعضاء المقترحين، قال سعيد في ذات المكتوب إن الأسماء غير مجهولة وقد سبق وأن أعلمه بها أي رئيس الحكومة مباشرة بناء على تقارير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وأما عن الأفعال المنسوبة إليهم «لا يمكن أيضا أن تجهلوها ولديكم كما لدي تفاصيل التفاصيل حولها..وتابع قوله «ما أشدّ مصائبنا وأثقل وقعها حين يريد الكثيرون إيهامنا بأننا لا نزال في طور انتقال يصفونه بالديمقراطي، فهو في ظاهره فقط كذلك وفي باطنه انتقال من الحزب الواحد إلى مجوعة فاسدة واحدة.»
8 وزارات بالنيابة
تعيش البلاد على وقع مفارقات عدة من بينها احتدام الصراع بين رئيسي الجمهورية والحكومة مقابل تفكك الحكومة التي فقدت 8 من أعضائها ورئيسها في ذات الوقت يشرف على تسيير وزارة الداخلية، وإن لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبق وأن عرفناها مع حكومة يوسف الشاهد، 8 وزارات يتم حاليا تسييرها بالنيابة بعد إقالة الوزراء، وقد انطلقت رحلة الإعفاءات والتعيين بالنيابة مع إقالة وزير الثقافة ثمّ الشؤون المحلية والبيئة فوزير الداخلية إلى حدود يوم أمس بإعفاء 5 وزراء وهم وزراء العدل والصناعة والطاقة والمناجم والشباب والرياضة والإدماج المهني وأملاك الدولة والشؤون العقارية والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، والرقم كان يمكن أن يكون أكثر لو تمّ إعفاء وزير الصحة ولكن بسبب حساسية ودقة الوضع الوبائي في البلاد خير رئيس الحكومة الإبقاء عليه وعدم تسيير الوزارة بالنيابة في انتظار ما يمكنه أن تحمله الساعات القادمة من تطورات أخرى أو على الأصح من مفاجآت جديدة، علما وأن رئيس الحكومة قد سبق له أن قرر منذ أسبوع إعفاء ثريا الجريبي في خطة وزيرة لدى رئيس الحكومة مكلفة بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني، فرحلة الإعفاءات والإقالات لن تنتهي في حكومة المشيشي.
المفاجآت لن تنته والساعات القادمة قد نشهد أحداثا أخرى خاصة بعد المكتوب الذي وجهه قيس سعيد إلى هشام المشيشي والذي عبر فيه بوضوح عن أسباب رفضه للتحوير الوزاري، الأزمة باقية وتشتد في انتظار القرارات التي سيتخذها رئيس الحكومة بعد مكتوب الرئيس.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115