سبر آراء نوايا التصويت لشهر فيفري 2021 الذي تعده مؤسسة سيغما كونساي بالتعاون مع جريدة «المغرب» يأتينا بالجديد النوعي لا على مستوى موازين القوى العامة ولكن على ما يمكن أن نستشفه من بعض الدواعي العامة والعميقة في آن لمحددات نوايا التصويت عند جزء هام من التونسيين فهنالك خيط رابط يجمع بين التشريعية والرئاسية ويفسر إلى حدّ بعيد الاختلافات الظاهرة في الأرقام وهو وجود خط فرز واضح – وإن كانت دوافعه متعددة – وهو نوع من «التصويت المفيد» ضدّ الإسلام السياسي عموما وحركة النهضة خصوصا ..تصويت مفيد تستفيد من نقيضه جزئيا حركة النهضة في التشريعية لتبقى على وجودها ضمن ثنائي الطليعة مع الدستوري الحرّ..
لاشك أن هنالك قراءة سوسيولوجية لكل عملية سبر آراء لنوايا التصويت من حيث معرفة السلوك الانتخابي لمختلف شرائح المجتمع ولكن في هذه المرّة بالذات هناك معان هامة تتجاوز بكثير النمذجة السوسيولوجية لهذا السلوك .
• في العزوف ما بين التشريعية والرئاسية
%67 من المستجوبين لا يدلون بنوايا تصويتهم في التشريعية مقابل %41.4 فقط في الرئاسية والحال أن السؤال في الوضعيتين تلقائي وانه بالإمكان التصويت لحزب لم يولد بعد (كحزب الصافي سعيد أو حزب قيس سعيد على سبيل المثال) فلِمَ هذا الفارق الضخم؟ ولِمَ لمْ يُدْل أكثر من ربع التونسيين برأيهم في الرئاسية ويحجمون عن إبداء أي رأي في التشريعية ؟
لا يفسر هذا الفارق فقط بشخصية الرئيس الحالي قيس سعيد لأنه بالإمكان لمن ينوي التصويت له في الرئاسية أن يقول عندما يتعلق الأمر بالتشريعية أنني سأصوت لحزب الرئيس قيس سعيد ..التفسير في اعتقادنا لهذا الفارق الهام في نوايا التصويت هو تردي صورة البرلمان والمنظومة الحزبية بشكل عام وكأننا بجزء هام من التونسيين يقول : لا يعنيني البرلمان وصراعات الأحزاب فيه أنا أريد انتخاب رئيس دولة من خارج منظومة الأحزاب،فقط لا غير ..حتى وإن قلنا له بان حياته مرتبطة أساس بالمؤسسة التشريعية ولكن هذه الحجة تبقى دون كبير فاعلية عند ربع المستجوبين .
-في التشريعية : الدستوري الحرّ دوما فوق ثلث نوايا التصويت: لو قارنا أرقام فيفري الجاري بشهر جانفي الفارط لرأينا تراجعا نسبيا للدستوري الحرّ بخمس نقاط مقابل ربح النهضة لنقطة وحيدة ليكون الوضع الحالي كالتالي : الدستوري الحرّ بـ%36.1 وحركة النهضة بـ%16.8 ولكن لابد من تنسيب مثل هذه الخسائر أو المرابيح بدءا بالأخذ بعين الاعتبار لهامش الخطإ إذ الأصح أن نقول أن نتيجة الدستوري الحر في شهر جانفي الفارط هي بين %39 و%43 وأنها أصبحت في شهر فيفري بين %34 و%38 بما يعني أن الفارق بين الاثنين قد يكون اقل بكثير ممّا تشير إليه الأرقام المجردة .
الأساسي هنا هو أن الدستوري الحرّ قد أحدث فارقا هاما مع حركة النهضة منذ أشهر عديدة بحوالي 20 نقطة وان هذا الفارق مازال على حاله اليوم.
في المقابل تستقر حركة النهضة عند حوالي سدس الناخبين وهي وإن كانت تضررت كثيرا بالصعود القوي لفكرة التصويت المفيد ضدّها واعتبار جزء هام من الناخبين (ما فوق الثلث وما دون النصف) أن الدستوري الحرّ هو وحده الحزب القادر على هزم النهضة في البرلمان إلا أن صمودها النسبي يفسر أيضا بنوع من التصويت المفيد ضدّ الدستوري الحرّ وما يمثله من رمزية لا فقط في الساحة الإسلامية بل وأيضا على تخومها والأرجح أن هذه الآلية (التصويت المفيد) ستشتغل بأقصى قوة لها مع اقتراب الانتخابات وفي كلا الاتجاهين كذلك ..
• في السوسيولوجيا الانتخابية
رغم تحولات المشهد السياسي فإن السوسيولوجيا الانتخابية تبقى ،في عمومها مستقرة إلى حدّ ما ،فنقاط قوة حركة النهضة هي دوما في ولايات الجنوب،وخاصة الشرقي منها (قابس وتطاوين ومدنين) وعند الرجال وفي الطبقات الوسطى كما أن قاعدتها الانتخابية رغم تراجعها المستمر من انتخابات إلى أخرى تبقى مع ذلك الأكثر وفاء .
أما البنية السوسيولوجية للدستوري الحرّ فهي شبيهة إلى حدّ ما بالنداء التاريخي إذ نجد أن نقاط قوتها في تونس الكبرى وولايات الوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية) وكذلك في الشمال الشرقي (بنزرت ونابل وزغوان) وهي كذلك من الطبقات المرفهة وعند الذين تجاوزوا الستين ولكن الفارق الجوهري بين الدستوري الحرّ ونداء تونس في 2014 هو التصويت الجندري إذ كانت النساء تمثلن أغلبية القاعدة الانتخابية الندائية بينما العكس هو السائد عند الدستوري الرّ رغم انه الحزب الوحيد الذي تقوده امرأة.فهو صاحب المرتبة الثالثة بـ%10.7 من نوايا التصويت المعلنة .
على عكس بعض التوقعات حزب قلب تونس لم يندثر بل نجده يحدث بعض الاختراق في صفوف الشباب علاوة على مواقع قوته الكلاسيكية في الشمال الغربي وعند الطبقات الشعبية .
• عدد المقاعد الافتراضية في البرلمان
لو تمت الانتخابات التشريعية غدا بنفس نظام الاقتراع وباعتبار دوائر داخل الجمهورية فقط (199 مقعدا) فإن الاتجاهات العامة لسبر الآراء هذا قد تفضي إلى ما بين 60 و70 مقعدا للدستوري الحرّ وما بين 35 و45 مقعدا لحركة النهضة وحوالي 20 مقعدا لقلب تونس وفي حدود 15 مقعدا لكل من ائتلاف الكرامة والتيار الديمقراطي .
وقد يتساءل بعضهم لِمَ يحقق الدستوري الحرّ أكثر من ضعف أصوات النهضة ولا يُترجم هذا في مقاعد المجلس والجواب هو أن تواجد الدستوري الحرّ ليس متساويا في مختلف الجهات،وهو يفوز بمقاعد في الجهات الساحلية بكثافة تصويت فائقة ودون الاعتماد على اكبر البقايا على عكس بقية الأحزاب الأخرى..ونلاحظ في هذه الدورة الانتخابية الحالية أن الدستوري الحرّ هو الحزب الثالث من حيث عدد الأصوات ولكنه الخامس من حيث عدد النواب.
في الرئاسية:
قيس سعيد يستفيد من صراعه مع النهضة
في شهر واحد انتقل قيس سعيد من %40.8 من نوايا التصويت إلى %57 ولكنه لم يكتف بهذا فقط إذ تراجعت كذلك نسبة غير المصرحين بنوايا تصويتهم في جانفي الفارط من %53.2 إلى %41.4 في فيفري الحالي.أي أن الرئيس قيس سعيد انتقل من %19.1 من مجموع الجسم الانتخابي في جانفي أي ما يعادل تقريبا مليون وستمائة ألف صوت إلى %33.4 في فيفري وهو ما يناهز مليونين وثمانمائة ألف صوت ..أي تقريبا كل من صوت له في الدور الثاني في رئاسيات 2019.
ما الذي يفسر هذه القفزة العملاقة بكل المقاييس ؟
العنصر المادي الوحيد الذي جدّ خلال هذا الشهر هو أزمة التحوير الوزاري والصراع المفتوح بين قيس سعيد من جهة وهشام المشيشي وخاصة حزامه السياسي،اي حركة النهضة وحلفائها من جهة أخرى ..
أي أن ما جلب حوالي مليون ومائتي ألف صوت افتراضي إضافي لقيس سعيد هو صراعه العلني مع حركة النهضة أي راشد الغنوشي في نهاية المطاف .
فكما اشتغل «التصويت المفيد» لفائدة الدستوري الحرّ في نوايا التصويت اشتغل نفس هذا التصويت المفيد الذي يستهدف حركة النهضة وزعيمها في الرئاسية واستفاد منه فقط قيس سعيد باعتباره الأقدر على وضع النهضة في الزاوية عندما يتعلق الأمر برئاسة الجمهورية.
هذا هو العامل الكيفي الهام في سبر آراء نوايا التصويت في الرئاسية لشهر فيفري الجاري وسوف نراقب معا تطور هذا العامل في الأشهر القادمة وهل انه حافظ على حيويته أم لا ..
المفارقة هنا أن عبير موسي زعيمة الحزب الدستوري الحرّ والعنوان السياسي الأبرز للتصدي لحركة النهضة قد تضررت من هذا «التصويت المفيد» ضد الإسلام السياسي في الرئاسية بدلا من أن تستفيد منه فتراجعت في شهر واحد من المرتبة الثانية بـ%15.9 من نوايا التصويت إلى المرتبة الرابعة %6.9 فقط فاسحة المجال للصافي سعيد ليحتل لوحده المرتبة الثانية بـ%9.9 من نوايا التصويت المصرح بها ثم لنبيل القروي بـ%9.1 بينما يختتم الرئيس السابق المنصف المرزوقي خماسي الطليعة بـ%2.6 من نوايا التصويت .
يبدو أن هنالك تلازما طرديا بين احتداد الصراع السياسي بين حركة النهضة وخصومها في مختلف مؤسسات الدولة وبين نوايا تصويت جزء هام من التونسيين الذين يريدون إنهاء دور الإسلام السياسي في مؤسسات الحكم عبر واسطتين مختلفتين إيديولوجيا وسياسيا : الدستوري الحر في التشريعية وقيس سعيد في الرئاسية ،وكأننا بصدد استعادة مناخات انتخابات 2014 ولكن بصورة أكثر عدائية ..
والسؤال الهام هنا : هل نحن أمام معطى ظرفي زائل أم معطى سيستمر إلى اليوم الحسم الانتخابي ؟
قد نجد الإجابات الأولية في عمليات سبر آراء نوايا التصويت القادمة ..
الجذاذة التقنية للدراسة:
• العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 2009 تونسيا تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
• تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
• طريقة جمع البيانات: بالهاتـــف
CATI) Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
• نسبة الخطأ القصوى: %2،2
• تاريخ الدراسة: من 9 إلى 13 فيفري 2021
خطّ الفرز الأساسي: معاداة الإسلام السياسي
- بقلم زياد كريشان
- 10:38 16/02/2021
- 2606 عدد المشاهدات
في التشريعية: تقدم كبير للدستوري الحرّ رغم تراجعه الطفيف
في الرئاسية: قيس سعيّد يربح 16 نقطة في شهر واحد