وانه لا ينطبق إلا داخل أسوار قصر باردو أي وكأنه لا يلزم مختلف مؤسسات الدولة في شيء ،ثم كرر هذا القول كتابة في ردّه على مراسلة رئيس مجلس نواب التي أعلمه فيها بنتائج جلسة منح الثقة للوزراء الجدد حيث نبّه الرئيس إلى وجود خطإ في التاريخ ثم أضاف العبارة التالية «كما يهمني أيضا إعلامكم بان النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب ليس قانونا من قوانين الدولة» بما قد يوحي ببطلان جلسة منح الثقة للوزراء الجدد أو على الأقل أنها لا تلزم الرئاسة في شيء.
صحيح أن القرارات البرلمانية تقسم عادة إلى صنفين : أعمال تشريعية ( قوانين أساسية وعادية والمصادقة على المعاهدات ..) وأعمال برلمانية كإصدار النظام الداخلي .ولكن هل يعني هذا أن الأعمال البرلمانية والنظام الداخلي خصوصا لا يعني سوى التسيير الداخلي لمجلس نواب الشعب؟ أم أن له تداخلا قويا مع تسيير دواليب الدولة بصفة أعم ؟
بداية ينبغي التذكير بأن الدستور التونسي قد تعرض في مناسبتين للنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب.المرّة الأولى في الفصل 52 في فقرته الثانية «يضبط مجلس نواب الشعب نظامه الداخلي ويصادق عليه بالأغلبية المطلقة لأعضائه» أما المرّة الثانية ففي المطة الخامسة من الفصل 120 المتعلق باختصاصات المحكمة الدستورية والتي تقوم بمراقبة دستورية «النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب الذي يعرضه عليها رئيس المجلس» .
فنحن إذن لسنا أمام «مجرد» نظام داخلي للتسيير اليومي للبرلمان ..نظام يقف عند أسوار باردو ولا يتجاوزها بل أمام عمل برلماني ينبغي أن يتسم بالدستورية وألا يتعارض مع دستور البلاد لان هذا النظام الداخلي لا ينظم فقط مختلف هياكل ولجان المجلس بل وكذلك علاقة المجلس ،كسلطة تشريعية مع سلطات أخرى ولاسيما السلطة التنفيذية .
ففي النظام الداخلي باب كامل لمراقبة العمل الحكومي وأخر للجلسات الخاصة برئيس الجمهورية واخر للحوار مع الهيئات الدستورية وغير الدستورية ثم أن تنظيم أعمال اللجان ومناقشة القوانين وخاصة قوانين المالية يضبطها فقط النظام الداخلي والأثر واضح وجلي على كل مؤسسات وهياكل الدولة،وعليه يكون القول بأن النظام الداخلي ليس قانونا من قوانين الدولة -بمعنى انه لا يسري على أحد خارج أسوار باردو- بعيد كل البعد على المجال العملي الفعلي الذي ينظمه النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب ..
بالإمكان الآن أن نعتبر أن بعض الآليات أو الفصول الواردة في هذا النظام الداخلي (كمسألة جلسة منح الثقة لوزراء جدد تم تعيينهم اثر تحوير وزاري ) مخالفة للدستور باعتبار أن الثقة تمنح لرئيس الحكومة وفق البرنامج الذي يقدمه لا للوزراء فردا فردا ولكن هذا يفترض وجود محكمة دستورية للبت في هذه المسألة ..
لقد اعتدنا على القول انه في ظل غياب المحكمة الدستورية فان رئيس الدولة هو المؤوّل الوحيد للدستور ونسينا هنا دور القاضي الإداري والمحكمة الإدارية التي بإمكانها الفصل في بعض النزاعات بين السلط وهي تتوفر على فقه قضاء دستوري ولعبت دور القاضي الدستوري أيضا ولها الشرعية والمشروعية أيضا للاضطلاع بهذا الدور حتى على سبيل الاستشارة في انتظار إرساء المحكمة الدستورية.
في الحقيقة النزاع بين قرطاج وباردو ليس دستوريا بل هو نزاع سياسي يتدثر أحيانا بلبوس الدستور لغايات في أنفس يعاقبة اليوم .