حركة النهضة والعودة إلى مقولات النشأة: الخوف من الاحتجاجات يحيي المليشيات

اللذين اعلنا ان حركتهما دعت «أبنائها» الى مؤازرة مجهود وحدات الامن على الميدان ضد «التخريب والعنف».

مساء الاربعاء الفارط اطل رئيس مجلس شورى النهضة عبد الكريم الهاروني في قناة الزيتونة لتقديم موقف حركته من الاحتجاجات والاشتباكات الاخيرة بين شباب الاحياء الشعبية وقوات الامن وكيفية تقييمها لها وقد اختارت الحركة ان تصطف ضدها على مستوى الخطاب وعلى مستوى الفعل.
ويسجل في خطاب النهضة حضور وصم جزء من التحركات بانها «شغب» و«تخريب» و«اجرام» لتبين النهضة حركات «غير بريئة» حتى وان كانت تتفهم الغضب لدى الشباب والتونسيين، موقف عبر عنه في بيانات النهضة وتصريحات قادتها ولكن الجديد ما اعلنه الهاروني من ان «ابناء النهضة في الميدان لحماية التونسيين».
النزول إلى الشارع لحماية المنشآت والممتلكات من قبل ابناء النهضة هو ما كشفه الهاروني رئيس مجلس شوراها الذي ذهب الى القول بان الحركة بمقدورها ان تحشد الالاف من ابنائها للتصدي للتخريب والعنف في مؤازرة لقوات الامن.

تصريح كان كافيا لوحده بإدانة حركة النهضة ويكشف انها في طريقها للاستعانة بـ«مليشيات» وينبش في ذاكرة التونسيين ليعيد صور روابط حماية الثورة وممارساتها العنيفة ضد معارضي الترويكا بين 2012 و2014، والاعتداءات التي نجم عنها مقتل لطفي نقض في تطاوين 2013 والاعتداء على محتجين بشارع الحبيب بورقيبة بتاريخ 9 افريل 2012.

هذه الدعوة لاحياء «المليشيات» لم تكن حكرا على الهاروني فـ«أخوه» في الحركة محمد القوماني عضو مجلس النواب عن النهضة كرر الدعوة في اطلالته بالقناة الوطنية في ذات اليوم ليقول ما قاله رئيس مجلس الشورى بل ويؤكد ان واجب ابناء النهضة ان يحموا تونس باعتبارهم قوات مدنية تدعم قوات الامن. وهي تعبير ملطف عن «المليشيات».
«مليشيات» استدعتها النهضة لمجابهة التحركات الليلية ، على غرار ما جد في بعض المناطق من البلاد، يكشف ان ما صدر عن القياديين في الحركة ليس مواقف فردية او وقع فهمها بشكل خاطئ بل هي خيار سياسي اتته حركة النهضة ووقع مناقشته في اوساط قيادات الصف الاول وهذا ما كشفه تصريحا الهاروني والقوماني من دعوة ابناء الحركة للتشكل في مجموعات والنزول للشارع ما ينفي أي امكانية للتبرير أو التعديل والقول انه اجتهاد او موقف شخصي.

بل هو خيار حزبي يبحث عن احياء المليشيات وهذا لا يكشف فقط عن عجز النهضة عن تجاوز «موروث» النشأة الذي يعتمد العنف لفرض خيارات او تغير مشهد اضافة الى تشكيل اجهزة مختصة امنية او استخبارتية تنشط في السر او العلن. كما يكشف عن ان الحركة تستبطن خوفا من التحركات والاحتجاجات وتعتبرها تهديدا لها.
تهديد تبصره النهضة بدرجة اوضح من الجميع، اذ انها تعتبر التحركات الليلة في الاحياء الشعبية التي تنحصر فيها المواجهة بين الغاضبين وقوات الامن على اعتبار ان هذه القوات تمثل من منظور الغاضبين السلطة، ولا يهم من هو في السلطة ومن يمسك بها.

أي ان الغاضبين في هذه المرحلة لازالوا في طور الصدام مع «الحزام» الاول وهو الامني لا يهمهم من يوجه اليه الاوامر او من يحدد السياسات همهم هو الصدام مع الجهاز الامني كتعبير عن حنق وغضب وادانة للدولة التي يحصرونها في الدور والإطار الذي حاصرتهم فيه أي الجانب الامني.
لكن رغم هذا تشعر النهضة بالتهديد رغم انها لم تكن مستهدفة بشكل مباشر او غير مباشر في الاشتباكات الليلة في الاحياء الشعبية، اذ لم ترفع ضدها شعارات ولم يقع التوجه الى مقراتها او أي من مؤشرات انتقال المواجهات الى استهداف لها.

قراءة لم يسعف العقل السياسي النهضاوي في استخلصها او على الاقل جزء هام منها لم يسعفه الامر وتعامل معها على انها جزء من مؤامرة اقليمية او خطر يستهدف وجودها، لذلك فقد انجرفت بفعل الخوف والارتباك الى «ردود الفعل» الاولى التي مازالت عالقة في ثنايا عقلها وتمثل جوهر فكرها وعملها السياسي.

ردود تتضمن انزال «مليشيات» او امن موازي لفرض الامن ودحر الاحتجاجات، وهذا يفاقم من مأزق الحركة التي تعمل الان على احتواء الازمة عبر محاولات لقيادات منها على تقديم مواقف مخالفة مثل عبد اللطيف المكي الذي قال امس في تدوينة له ان حركته تعترف بحق التظاهر والإحتجاج السلمي الذي لن يكون محل جدل أو تردد أو مراجعة.
اعتراف بحق التظاهر والتخلي عن الشيطنة ليس فقط ما قام به المكي لاحتواء تداعيات خطاب رئيس مجلس الشورى بل أنه اعلن كذلك ان الحركة يقتصر دورها على ان تساند سياسيا ومعنويا و برلمانيا أجهزة إنفاذ القانون ضد كل اصناف انتهاك القانون اما معاضدة قوات الامن ميدانيا فهو مرفوض باعتبار ان «هذا العمل حكر على الدولة دون اي شريك».
خطاب وان كان يبحث عن القول بان ما اتاه الهاروني والقوماني ليس موقفا ملزما للنهضة والنهضاويين الا انه يكشف عن ما خلفته الاحتجاجات النهارية والاشتباكات من ارتباك وما احيته من هواجس لدى النهضة من حشرها في الزاوية خاصة بعد ان مررت الرئاسة عن قصد شعارات حل البرلمان.

انزلاق قادة من حركة النهضة الى الدعوة للعنف بين التونسيين تحت شعار «حماية الدولة» او حماية الممتلكات هو منعرج جديد في الازمة التي يبدو ان الفاعلين السياسيين فيه بدل العمل على تقديم اجابات عملية للخروج منها يقومون بإشعال فتيلها اكثر .