رئيس الحكومة وإعفاء وزير الداخلية : التقت كل الأسباب لتصب في مصلحة المشيشي

دون شرح او تقديم اسباب اعلن رئيس الحكومة هشام المشيشي عن «اعفاء» وزير الداخلية امس من مهامه وتوليه شخصيا الاشراف

على الوزارة قرار اعلن عنه في بلاغ من ثلاث جمل وهي «قرر رئيس الحكومة هشام المشيشي إعفاء توفيق شرف الدين وزير الداخلية من مهامه على ان يتولى رئيس الحكومة الإشراف على وزارة الداخلية بالنيابة في انتظار تعيين وزير داخلية جديد».
اقالة دون شرح اسباب من رئاسة الحكومة لا تبررها الاحداث الجارية، تركت مساحة من الغموض في ظل صمت المؤسسات الرسمية وغياب أسباب مباشرة للإقالة التي قدمت بصيغة ملطفة وأطلق عليها «اعفاء من مهام».

اعفاء سبقته أحداث لا تشرح أسبابها بشكل مباشر ولكنها قد تكون من العناصر التي ادت اليها وقد جاءت الاقالة بعد تصريحات متكررة للمشيشي قال فيها انه بصدد تقييم اداء اعضاء حكومته، كما انه لمح منذ ايام عن بنيته تغيير وزير الداخلية إضافة إلى اجتماع رئيس الحكومة في اكثر من مناسبة بقصر الحكومة مع قيادات امنية.
التقييم الذي يشير اليه المشيشي قد لا يكون في صالح توفيق شرف الدين وكيفية اشرافه على وزارة الداخلية ومسكه للملفات في علاقة بالوضع الامني العام، ولكنه لا يرتقي إلى أن يكون السبب المباشر والأصلي للإعفاء الذي جد عقب حادثة اطلاق نار قام به عون امن في ولاية المنستير وأسفر عن اصابة مواطنين رفضا الامتثال لامر الوقوف.
هذه الحادثة لا تفسر بمفردها الإعفاء الذي حصل بعد ساعات من صدور أكثر من 30 برقية من وزير الداخلية المقال توفيق شرف الدين بإعفاء قيادات وإطارات أمنية من بينها رئيس المكتب الامني بسفارة تونس بباريس الازهر محمد اللونقو.
تغييرات عدة قام بها وزير الداخلية تبعها اعفاؤه من قبل رئيس الحكومة الذي لم يشرح الأسباب واكتفى بالصمت الذي يعزز هواجس تأثير الحزام السياسي الداعم للحكومة الذي يعتبر ان وزير الداخلية المقال من الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية قيس سعيد وهذا لم يكن خافيا على أحد مع حصول انتقادات استهدفت الوزير من قبل احزاب الحزام السياسي والبرلماني للحكومة واعتبار انه «فشل» في مهمته.
ليس هذا السبب الوحيد للإقالة، خاصة وان الاقالة اتت بعد اقل من اسبوع على زيارة رئيس الجمهورية الى وزارة الداخلية في في الليلة الفاصلية بين الخميس والجمعة الماضيين، ليلية 31 ديسمبر2019. زيارة لم تكن السبب المباشر للإقالة ولكنها حملت معها اسبابا قد تشرح الاسراع باقالة الوزير الذي كان ناشطا في الحملة الانتخابية لرئيس الجمهورية قيس سعيد.

وأثناء لقاء الرئيس مع الوزير والقيادات الأمنية ذكر بصفته الدستورية «القائد الاعلى للقوات المسلحة الأمنية» ويبدو أن ذلك قد عجل برحيل الوزير.
فقيس سعيد شدد على ان الدستور يقول انه قائد اعلى للقوات المسلحة الأمنية والعسكرية، فهو قائدها الاعلى بنص الدستور.
كلمات القاها رئيس الجمهورية على مسامع اطارت من وزارة الداخلية في الوقت الذي كان فيه رئيس الحكومة في زيارة خاصة الى فرنسا التي سافر اليها مساء الخميس الفارط وعاد منها يوم السبت الفارط.
اقالة سبقتها احداث عدة وتقييم لاداء الوزير ومدى إلمامه بالملفات الامنية في جوانبها التقنية، لكنها لا تكفي لشرح الاقالة التي يبدو انها لا تستهدف الوزير لشخصه وانما لقربه من الرئيس اي انها موجهة بشكل مباشر الى رئيس الجمهورية.
اذ يبدو ان المشيشي الذي استمع الى كلمات قيس سعيد اراد ان يرسم الحدود بين قصر قرطاج والقصبة، وان يعلن عن مجال نفوذه بالرد المباشر على كلمات الرئيس انه القائد الاعلى للقوات الامنية باقالة الوزير والاشراف بنفسه على الوزارة لتكون تحت سلطته المباشرة.
خطوة يبدو ان اعلان رئيس الجمهورية بأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة يقتصر على المؤسسة العسكرية ولا يمتد ليشمل القوات الأمنية التي باتت تحت اشراف المشيشي الذي اعلن انه هو «القائد العام للقوات الامنية» في خطوة جديدة لاعلان المشيشي عن نفسه.
فرئيس الحكومة ومنذ فترة يبحث عن تحديد مربعه الخاص ومجاله وربما في هذا الاطار كان اعفاء وزير الداخلية رسالة مزدوجة، التقليل من تاثير الرئاسة على الحكومة بابعاد احد الوزراء المحسوبين عليها وثانيا الاعلان ان الشان الداخلي من مشمولات المشيشي، سواء في الجانب الامني او الاقتصادي والاجتماعي.
رسالة بدورها توحي بان الرجل يؤكد يوما بعد يوم اصطفافه خلف البرلمان وأغلبيته التي تضم حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، ائتلاف يتقاطع معه المشيشي في نقطة رسم الحدود امام قصر قرطاج في خطوة لتهيئة الارضية لتنزيل تحوير وزاري تلتقي فيه رغبات المشيشي برغبات حزامه البرلماني.
تحوير يقول عنه المشيشي انه منفصل عن الحوار الوطني الذي تدعو اليه الرئاسة واتحاد الشغل، اي ان الحكومة ومصيرها لن يكونا من بنود الحوار وان الحوار في واد وتحويره الوزاري المرتقب في واد اخر.
فصل بين المسارات ليس الا حركة لافتكاك المساحات واستغلال الصراع بين القصر وباردو لتحقيق ذلك والامساك الفعلي بالحكم ومقاليده من قبل المشيشي الذي يتبع بشكل او اخر خطى رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد الذي تحرك بخطوات متثاقلة ليكون الرجل الاول في المشهد التونسي في اخر عهدته.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115