وزير الخارجية عثمان الجرندي في ندوة صحفية : ترؤس تونس لمجلس الأمن خطوة هامة تضع الدبلوماسية التونسية أمام استحقاقات كبرى

استعرض وزير الخارجية عثمان الجرندي في ندوة صحفية مضيقة بمقر وزارة الخارجية أمس حصيلة الدبلوماسية التونسية خلال عام 2020 ،

كما أبرز مختلف التحديات والاستحقاقات القادمة أمام تونس في علاقة بسياساتها الخارجية كما كشف عن أبرز ملامح برنامج عمل تونس خلال ترؤسها لمجلس الأمن ابتداء من شهر جانفي عام 2021 . ويعد ترؤس تونس لمجلس الأمن حدثا هاما يضع بلادنا أمام أولويات ومسائل هامة لإنجازها ومعالجتها في هذا الظرف الصعب الذي يمرّ به العالم في خضم جائحة كورونا التي عمّقت من الأزمات الدولية وأرخت بظلالها على العالم برمته .

وأشار الجرندي الى انه وقع انتخاب تونس لعضوية مجلس الأمن بالنسبة لسنتي 2020 و2021 تمثيلا للمجموعة الافريقية باعتبار ان تقسيم المجموعات في الأمم المتحدة يستند الى الجغرافيا ولا الى التجمعات السياسية. مذكّرا بان عمل تونس يمتد الى القضايا المطروحة في مختلف أصقاع العالم لمعالجة بعض الإخلالات والنزاعات والتوترات التي قد تتواجد هنا وهناك .

استحقاقات كبرى في مجلس الأمن
واستعرض الوزير ملخص الأنشطة الدبلوماسية في سنة 2020 بالقول :«في عام 2020 كانت هناك استحقاقات كبرى مطروحة على مجلس الأمن الذي لديه عادة 80 بندا قارا في روزنامة عمله إضافة الى الاستحقاقات الأخرى . وقال ان كل دولة تترأس مجلس الأمن تجد نفسها أمام استحقاقات محددة مسبقا من قبل الأمانة العامة للمنتظم الأممي لتعالجها ضمن رئاستها في مجلس الأمن .» وأشار الجرندي الى ان أهم تحد واجه الدبلوماسية التونسية اعتماد القرار رقم 2532 المتعلق بجائحة كورونا والذي حظي بإجماع أعضاء مجلس الأمن بعد مداولات عسيرة ومطولة وأخذت الوقت الكافي. والقرار الذي تمّ اعتماده كان باقتراح تونس المسودة الأولى التي أعدت للقرار كانت من اعداد رئيس الجمهورية نفسه لانه لديه اطلاعا على القانون الدولي والدستوري والإنساني. وقد طرح هذا الاشكال بوصف جائحة كورونا خطرا استجدّ في العالم بأسره ووجدت المجموعة الدولية نفسها أمام عجز عام لفهم هذا الفيروس وكيفية مواجهته. فالجائحة هي خطر داهم يهدد الأمن والسلم الدوليين لذلك استوجبت معالجة هذه الجائحة بمنطلق انساني يقوم على التعاون بين مختلف دول العالم . وهذه الفكرة الأساسية التي انطلق منها الرئيس قيس سعيد لسنّ هذا القرار والمسودة الأولى التي شرعنا في التحاور بشأنها ولاقت استحسانا كبيرا من الدول». وأضاف: «انها المرة الأولى التي نعتبر فيها ان فيروسا يمكن أن يهدد السلم والأمن الدوليين وانه اذا لم نتمكن من معالجة تفاعلاته قد يؤسس الى أزمات بين الدول وداخلها فالجانب الانساني كان حاضرا في هذا

القرار . وحاولنا قدر الإمكان اخراج القرار من أي سياق وتناحر سياسي بين مختف الأطراف الدولية لنفسر لهم ان المسؤولية جماعية ولا يمكن لأية دولة مهما عظم شأنها ان تعالج بنفسها هذه المعضلة. وتوصلنا في آخر المطاف بعد تعثر شديد في فترة ما الى استصدار مشروع قرار أصبح لاحقا مشروعا تونسيا فرنسيا بعد اقتراح فرنسا الانضمام الى هذا المقترح لدعمه بوصفها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن. وتمّ القبول بهذا المشروع واصبح مشروعا متكاملا قبلت به كل الأطراف الدولية . والأهم من ذلك انه اصبح مرجعية يرجع اليها في سنّ القرارات المتعلقة بالأمن والسلم ومعالجة التوترات التي تحصل هنا وهناك . وتمّ الأخذ به بعين الاعتبار في علاقة بالقضايا المتعلقة بالفئات الهشة التي تعاني من ويلات الحروب والأزمات وهي عرضة أكثر من غيرها الى جائحة كورونا ولا يمكن ان تصل اليها أسباب العلاج للتوقي من الجائحة» . واعتبر الجرندي إصدار هذا القرار في مجلس الأمن انجازا كبيرا جدا وهي أول خطوة قامت بها الدبلوماسية التونسية في مجلس الامن في عام 2020 تلتها خطوات أخرى حول مختلف القضايا المطروحة على مجلس الامن خاصة القضية الفلسطينية وصفقة القرن». مشيرا الى انه تمت معالجة هذه القضية بكل أريحية وكان هناك تشنج كبير جدا في معالجتها وتواصل رئيس الجمهورية قيس سعيد مباشرة بالرئيس مجمود عباس في هذا الشأن وتمّ التوافق على حتمية إرجاع مسار التفاوض مع بقية الأعضاء في مجلس الأمن الى سياقه العادي عبر حلقات الانتماء وهي المجموعة العربية والإسلامية والافريقية التي عادة ما تساند هذه القرارات التي نتقدم بها لمساندة القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية لتحظى بإجماع كبير في المنتظم الأممي .

وأشار الجرندي إلى انه خلال ديسمبر الجاري اعتمدت جميع القرارات المتعلقة بفلسطين والقدس بالإجماع في الجمعية العامة التي تعتبر الضمير الذي يمثل المجموعة الدولية . وقال ان كل القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية مثل مسألة القدس واللاجئين والمستوطنات والقدس الشرقية والجولان كلها حظيت بإجماع عادي ولم يتغير أي شيء في هذا المضمار . اما بالنسبة لصفقة القرن فأوضح الجرندي ان مجلس الامن والجمعية العامة اتفقا على ارجاء البتّ في الموضوع لكي لا يحصل اصطدام غير مرغوب فيه بالإضافة الى مختلف المحاور المطروحة على مجلس الأمن العادية والتي تبنتها تونس بكل حرفية وبكل مهنية وبالرجوع الى ثوابت الدبلوماسية التونسية التي ترتكز عليها السياسية الخارجية واوضح الجرندي انها ثوابت عامة وهي الثوابت نفسها الموجودة في ميثاق الأمم المتحدة وتتعلق بالدفاع عن قضايا الحق والشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني والبحث عن مخرجات سلمية للنزاعات التي قد تطرح» .

وأضاف :«نتعامل مع القضايا الإنسانية من منطلقات وأهداف تقوم على إحلال الأمن كما كان الأمر بالنسبة للنزاع في ليبيا . واجندتنا الوحيدة هي ان تسترجع ليبيا أمنها وتصبح عنصرا فاعلا في المنطقة التي باتت تشهد العديد من التوترات كما في الساحل الافريقي. وتوصلنا الى حوار ليبي عقد في تونس وهو يعتبر تتويجا لمختف السياقات المنبثقة عن مؤتمر برلين ، وتمحور بالأساس حول كيفية النأي بليبيا عن الصراعات وكيفية معالجة ما أفسدته بعض المصالح الضيقة بين الليبيين لكي تعود ليبيا الى سالف عهدها لنساهم معا في إحلال الامن في منطقتنا وخارجها».

أهم بنود جدول الأعمال
كما تطرق وزير الخارجية الى أهم بنود جدول الاعمال الذي ينتظر تونس في ترؤسها لمجلس الامن بداية من جانفي 2021 وقال: «يوم 4 جانفي ستكون هناك جلسة خاصة في مجلس الأمن للتحاور مع بقية الأعضاء حول المخرجات التي سوف يتم تناولها والمسائل المطروحة علينا اثناء رئاستنا لمجلس الأمن . وبعد ذلك سيحصل نقاش يعتمد اثره المشروع ليصبح علنيا. واثناء رئاستنا لمجلس الأمن قد تطرح مسائل أخرى مستجدة، ومن حق اية دولة ان تطرح اية مسألة مستعجلة . ونحن جاهزون لأننا ندرك المخرجات الموجودة على الساحة الدولية والقضايا التي قد تطرح للبحث على مجلس الأمن اثناء رئاستنا». ومن أهم البنود المطروحة أيضا «سوريا والملف الكيمائي» وقال الجرندي ان موقف تونس واضح ويقوم بالأساس

على ضرورة احترام كل المعاهدات الدولية فيما يخصّ الأسلحة الكيميائية والنووية الا فيما يتعلق بالاستعمالات السلمية وفي جميع مجالات الطب والفلاحة . وقال ان تونس تشجع على انخراط سوريا في المسار السلمي وتسترجع مكانتها بين الدول خاصة ان الشعب السوري عانى كثيرا . وأعرب عن امله في أن تسترجع سوريا عافيتها وتكون هناك مباحثات سلمية على غرار الحوار الليبي لإحلال السلام . وبيّن الجرندي ان يوم 6 جانفي سيكون هناك محور هام جدا من المحاور التي سوف تقدمها تونس للنقاش في صلب مجلس الأمن وهي مسألة تحديات تحقيق وبناء السلام في الوضعيات الهشة، مبينا بأن رئيس الجمهورية سيدير النقاش صلب مجلس الأمن بطريقة «الفرتيول كونفرنس» بحضور أمين عام الأمم المتحدة وستكون جلسة مفتوحة». وقال وزير الخارجية انه من المهم مراقبة إحلال السلام في العالم حتى لا تنشط الأزمات من جديد لأنه الحل الوحيد المطروح لان الأوضاع هشة وتتطلب ان تكون هناك مراقبة أممية مباشرة مع معالجة الأسباب التي تؤدي لتفجر الصراعات».

كما أكد الجرندي ان من بين المسائل المطروحة على جدول الاعمال مسألة الإرهاب التي امتدت لعديد الدول والذي تعددت أوجهه مثل الإرهاب المباشر او إرهاب المرتزقة والميليشيات او إرهاب تبييض الأموال والاتجار بالبشر وغيرها .

وفي ردهّ على سؤال «المغرب» في ما يتعلق بتونس وموقفها من التطبيع، اكد وزير الخارجية بأن تونس لن تخضع لأية ضغوطات للتطبيع مبينا بان رئيس الجمهورية أكد ذلك عديد المرات وأضاف :«في تونس نشتغل على مرجعية دولية تتعلق بالشرعية الدولية ومقوماتها لنكون في مأمن من كل التجاذبات . وقال ان أي قرار لا يتلاءم مع الشرعية الدولية ويجعلنا نخرج عن مسارها لا نقبل به في سياستنا الخارجية وعبرنا عن موقفنا بكل وضوح وصراحة، ومادام الشعب الفلسطيني وقيادته لم يتم تشريكهما في أي مسار من المسارات المقترحة حاليا فإننا لا نستطيع ان نكون أكثر فلسطينية من الفلسطينيين أنفسهم وكل الدول الأخرى لها حرية أخذ القرارات التي تناسبها وتناسب مصالحها ونحن لسنا في أي اشكال مع أية دولة أخرى انتهجت منهجا يخالف منهجنا ونحن نتشرف بالشرعية الدولية وما اعتدنا على مساندته من مقومات القانون الدولي» وّبين الجرندي ان هذه هي المقومات تُصاغ على أساسها المواقف الدولية والخارجية لتونس .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115