2020: الوباء والأزمات الحكومية

تفصلنا ساعات قليلة عن نهاية السنة الادارية 2020، سنة افتكت باستحقاق لقب الأسوإ في هذه الألفية الى حد الآن،

فهي سنة الوباء والأزمات الحكومية التي تتالت خلال الاشهر الـ12 المنقضية لتصبح ازمة اقتصادية واجتماعية وجدت البلاد نفسها امام حتمية وحيدة الانفراج او المجهول.
مع انتهاء 2019 الذي شهد ربعه الاخير انتخابات رئاسية وتشريعية، افرزت مشهدا برلمانيا وسياسيا سمته الرئيسية التناقض والتشتت. مشهد استقبل به التونسيون سنتهم الادارية الجديدة على وقع تعثر تشكيل حكومة الحبيب الجملي الذي كلف من قبل حركة النهضة في الثلث الاخير من نوفمبر ووقع تمديد اجال مشاوراته غير انه عجز عن نيل ثقة البرلمان في 11 جانفي 2020 .

عجز افضى الى سقوط حكومة الجملي المدعوم من حركة النهضة وائتلاف الكرامة اساسا مما نجم عنه انتقال المبادرة الى رئاسة الجمهورية وفق نص الدستور الذي يمنحه صلاحية تكيلف الشخصية الاقدر والتي اختار ان تكون الياس الفخفاخ، الذي قاد مشاورات على قاعدة نتائج الانتخابات الرئاسية.
مسار انطلق وشهد الكثر من التجاذباب واللغط والتلويح بالانسحاب منه على خلفية تمسك النهضة بتوسيع الحزام الحكومي وضم قلب تونس وائتلاف الكرامة، وهو ما رفضه الفخفاخ وتمسك بان يترك الكتلتين الثالثة والرابعة خارج حسابته، وهو خيار كان يتناغم مع الرئيس قيس سعيد والكتلة الديمقراطية.
تناغم اعتبرته النهضة استهدافا لها ولكنها عجزت عن ان تفرض خيار التوسيع مما قادها وفق قادتها الى اتخاذ خيار خاص بها وهو تمرير الحكومة وإسقاطها لاحقا، خيار حال دون تنزيله بسرعة دخول البلاد في الازمة الصحية وانتشار وباء الكوفيد-19 مما حتم الدخول في حجر صحي عام.
حجر استمر الى نهاية ماي الفارط، في تلك الفترة تعمقت الخلافات بين النهضة وباقي الاحزاب الداعمة للحكومة، التيار والشعب وتحيا تونس وكتلة الاصلاح، اضافة الى الصراع بين كتلة النهضة وكتلة الدستوري الحر في البرلمان، صراع اججه ترؤس راشد الغنوشي للبرلمان عبر تحالفه مع قلب تونس والائتلاف وبعض المستقلين، ليشكل تحالف برلمانيا وللمفارقة كتلتين فيه تعارضان حكومة الفخفاخ التي تشارك فيها النهضة بـ7 وزراء.
خلافات النهضة وباقي مكونات الائتلاف الحاكم تأججت اكثر مع انكشاف شبهة تضارب المصلاح التي تورط فيها الياس الفخفاخ والتي قادته في النهاية الى تقديم استقالته لرئيس الجمهورية لقطع الطريق على النهضة التي قادت تحالفها البرلماني لتقديم لائحة سحب الثقة منه.
استباق سحب الثقة بالاستقالة خيار اتخذه الفخفاخ ليعيد المبادرة الى رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي اختار مرة اخرى الشخصية الاقدر بشكل فاجأ المتابعين وهذه المرة اختار هشام المشيشي وزير الداخلية في حكومة الفخفاخ المستقيلة.
اختيار دافع عنه الرئيس الى ان اكتشف ان المكلف الذي انتقاه قد انقلب عليه وتحالف مع قلب تونس والنهضة وائتلاف الكرامة، وهو ما مثل اول هزائم لقيس سعيد في اللعبة السياسية في تنافسه مع رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، الذي التقط الصدام بين سعيد والمشيشي ليحيط بالاخير ويوفر له دعما سياسيا عبر الاغلبية البرلمانية.

اغلبية تماسكت مع حكومة المشيشي اكثر مما كانت عليه منذ2019، وانتقلت من التعثر والانتكاسات الى تقاسم النفوذ والحكم، بعد ان نجحت في تغيير الاغلبية الحاكمة التي ظلت الكتلة الوحيدة المستقرة فيها، هي حركة النهضة سواء في حكومة الجملي التي سقطت او في حكومة الفخاخ التي استقالت او في حكومة المشيشي المتعثرة حاليا.
اغلبية تغيرت طوال السنة ومعها تغيرت الخارطة السياسية وكات ان تغير الخارطة البرلمانية اثر التحالف غير الرسمي بين كتل مختلفة في البرلمان دفعت إلى لائحة سحب الثقة من راشد الغنوشي من رئاسة المجلس، وهو انذار تلقفته الحركة لتعزز تماسك اغلبيتها.
سنة شهدت الهزات والازمات، والصراعات، صراع المجلس والرئاسة، صراعات صلب المؤسسة التشريعية وعنف مارسه نواب ضد زملاء لهم، بعد ان مارس بعضهم العنف ضد التونسيين وصنفهم بخطاب عنصري يقسهم بشكل غير صريح لمؤمنين اخيار وكفرة فجار.
سنة كشفت ان البرلمان التونسي مؤسسة متأزمة، نقلت ازمتها الى المشهد العام فمع الاقتراب من الثلث الاخير من السنة تصاعدت اصوات تطالب بحل البرلمان على خلفية الزلات التي وقع فيها، اصوات استغلت اخطاء الاغلبية البرلمانية والتعثرات لتطالب بحله ومنح الرئاسة كل الصلاحيات.

سنة الازمات الحكومية وتغيير الاغلبية والصراعات بين الاحزاب لم تنته الا وقد حملت معها تطورا جديدا يتمثل في تقديم الاتحاد العام التونسي للشغل لمبادرة حوار وطني تهدف الى الخروج من الازمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والى مراجعة المنظومة السياسية والانتخابية لاحقا لوضع حد لعوامل الازمة وعطالة المؤسسات.
مبادرة قدمت رسميا في نهاية نوفمبر الفارط لرئاسة الجمهورية التي لم تقدم موقفا رسميا الى الان من المبادرة، التي كان يأمل ان تخفف من التوتر السياسي في البلاد وايجاد مخارج منها، لكن الاحداث حملت ما قد يعمق الازمة، وهو ايداع نبيل القروي السجن على خلفية شبهة تبيض الاموال.
ملف غذى الصراع والصدام بين الاغلبية البرلمانية ومعارضيها وفتح الباب لنقل الازمة الى السنة القادمة مع اغراق حكومة المشيشي في الرمال المتحركة اكثر، فخلال هذه السنة وخاصة النصف الثاني منها كانت حكومة الاخير الغائب الابرز عن المشهد والتاثير فيه.
حكومة اججت دون قصد منها التحركات الاحتجاجية والشعبية ضدها ووضعت نفسها رهينة للأطراف المتصارعة في المشهد بعد ان اختار رئيسها ان يصطف في صف الاغلبية البرلمانية التي باتت حملا ثقيلا على الحكومة داخليا وخارجيا.
سنة 2020 سنة الازمات والوباء بامتياز ولكنها سنة اعادة تشكيل المشهد السياسي والحزبي التونسي ايضا، سنة سترحل للاحقتها «ملفات» ستحدد طريقة معالجتها وكيفية الخروج منها خلال الاشهر الثلاثة الاولى فكيف ستكون سنة 2021.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115