رئيس حزب قلب تونس، الصادرة بشأنه بطاقة ايداع بالسجن، وهو الحليف الاساسي لحركة النهضة. لكن ما كشف في بداية هذا الاسبوع محاولة صياغة مروية جديدة في المشهد بهدف قلب التوازنات وإعادة تشكيل خارطة تحالفات جديدة .
يوم امس عقدت كتلة قلب تونس بالبرلمان ندوة صحفية لتعلن فيها عن تفاصيل ملف نبيل القروي، رئيس الحزب الذي اودع السجن يوم الخميس الفارط على خلفية شبهة تبيض الاموال في قضية رفعتها منظمة «انا يقظ».
تفاصيل تولى عياض اللومي القيادي بالحزب ورئيس لجنة المالية السابق كشفها واولها ان «الملف» يتضمن «قرينة البراءة « للقروي كما ان ايقاف رئيس الحزب وإيداعه السجن ليس ادانة ، في انتظار صدور الحكم القضائي البات والنهائي، وهنا يقع التشديد على ضرورة ان يتمتع نبيل القروي بمحاكمة عادلة.
محاكمة عادلة هي ما يطالب به فريق دفاع القروي، من بينهم عياض اللومي كخبير محاسب في الفريق والذي وجد ان افضل طريقة للدفاع عن القروي هي الهجوم وبناء مروية جديدة في الملف ، مروية قضائية وأخرى سياسية.
فلئن كانت المروية القضائية والقانونية في طور الصياغة فان المروية السياسية حددت وانطلقت عملية تنزيلها، وعناصر هذه المروية التي باتت مشتركة لدى قلب تونس وحلفائه، هي ان القروي ضحية للعبة سياسية يراد منها ان يقع تشويه الحزب وابتزازه سياسيا. والتشويه هنا يتمثل في نشر معطيات عن ملف القضية مغلوطة بهدف ترسيخ صورة الفاسد عن القروي.
استراتيجية تقوم على جعل القروي ضحية بسبب خياراته ومواقفه السياسية، هي ذاتها التي وقع الجوء إليها في 2019 تاريخ الايقاف الاول للقروي، الذي قدم على انه انتقام سياسي واستهداف من يوسف الشاهد لنبيل باعتباره منافسه الابرز كذلك حركة النهضة التي نالها نصيب من الاتهام بتحرك القضاء لاستهداف القروي وقلب تونس.
لكن في 2020 ولئن حافظت المروية على عنصر المؤامرة وجعل القروي ضحية فانه طرأ تغيير على اللاعبين وادوارهم فمن يستهدف القروي ليس تحيا تونس والحكومة، بل المعارضة وأساسا الكتلة الديمقراطية ورئاسة الجمهورية بشكل اقل.
استهداف يقع «اثباته» بتسرب نتائج التقرير الخبراء وخاصة رقم 143 مليون دينار، الذي قدم على انه حجم المبالغ المالية التي يشتبه في ان القروي قام بتبييضها وهو ما نفاه اللومي امس وهو يشدد على ان تقرير الاختبار المالي تضمن اخطاء ترتقي إلى» التزوير المادي والمعنوي والتدليس».
تدليس يستوجب وفق اللومي ملاحقة الخبراء الذين صاغوا التقرير ويشير الى ان الحزب قرر «تقديم قضايا بالخبراء للمساءلة التأديبية» مع ترك الباب مفتوحا للمساءلة القضائية، كما ان نبيل القروي سيطالب بالتدقيق في الاختبار. وهنا يعلن اللومي ان الهدف الخفي من ملاحقة القروي هو ان يخضع لـ«محاكمة سياسية وشعبية» مثله مثل حزبه «قلب تونس».
هذه المروية تهدف الى توفير هامش ووقت لرسم خطة دفاع عن القروي تضمن «براءته» اولا وثانيا تعزيز موقعه في المشهد السياسي التونسي، لا يمكن أن تنجح إذا لم ينخرط فيها الحلفاء، وهو ما تم اذ انخرطت حركة النهضة في المروية بطريقتها الخاصة التي تركت الجانب القضائي واهتمت بالبعد السياسي.
فمروية النهضة تقوم على «التشكيك» غير المباشر، اذ هي تربط بين ملف القروي ومحاولات خصومها لإعادة صياغة المشهد السياسي وهنا يلتقي قلب تونس والنهضة في تحديد هوية الخصوم وهما الكتلة الديمقراطية بشكل مباشر والرئاسة بطريقة غير مباشرة.
التقاء يؤكده قادة الحركة في اطلالتهم الاعلامية التي تلتقي في نقاط مشتركة اولاها الاشارة الى ان ايداع القروي السجن تزامن مع سياقات سياسية «غير بريئة»، وان اطرافا سياسية تسعى لتغير المشهد بأساليب غير اخلاقية واستغلال ملف القروي في ذلك مستشهدة بتدوينات او تصريحات لفاعليين سياسيين لتشير الى صحة استنتاجاتها.
هذه المروية تستوجب من حركة النهضة ان تلقي ببذور الشك في صدر من يستمع لخطابها فهي لا تقول بشكل صريح انه وقع الضغط على القضاء لتحريك الملف بل تقول انها «تتمنى أن لا تكون هناك ضغوطا وخلفيات سياسية وراء ملف نبيل القروي واصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقه»، كما توحي بان بعض الفاعلين السياسيين يريدون استغلال الملف بهدف الضغط على قلب تونس وكسر تحالفه مع النهضة تمهيدا لاسقاط الحكومة وتغير التوازنات البرلمانية.
هذا جزء من المشهد يكشف عن انتقال الاغلبية البرلمانية من تخفيف وطأة ايداع القروي السجن الى مرحلة عكس الهجوم لمنع اي تداعيات ممكنة تنطلق من تفكك كتلة قلب تونس وتزعزع تماسكها اولا وثانيا الى سحب ورقة الضغط السياسي من يد الخصوم بجعلهم «متهمين» بحبك مؤامرة على الاغلبية واستهداف البلاد.
غير ان هذه المروية لا تكفي لفرض «حقائق» الاغلبية ومساعى اعادة تشكيل المشهد وتحالفاته في ظل عدم اليقين من نهاية الملف القضائي والاهم في ظل تحالف مناهض يضم الكثيرين ولكن بالأساس يجمع بين الرئاسة واتحاد الشغل والكتلة الديمقراطية.
تحالف يراد له ان ينتهى ليستقر الامر بيد الاغلبية البرلمانية الحاكمة ولو بشكل مؤقت، وهذا غير ممكن إذا لم يقع اقناع الاتحاد بالانسحاب من التحالف او على الاقل كسر ارتباطه برئاسة الجمهورية. مسعى تؤكده محاولات حركة النهضة والبرلمان اقناع الاتحاد بتغيير وجهة مبادرته من قصر قرطاج الى باردو، خاصة في هذا السياق الذي تلمح النهضة الى انه غير بريء. ولكن محاولات الاقناع دون البحث عن توتير العلاقة لا يمكن ان تنجح حتى وان استندت على تاخر رد الرئاسة لذلك وجب البحث عن ارباك العلاقة بشكل كلي.
بحث تكشفه اخبار زائفة ومحاولات لدق اسفين بين القصر والنقابين من ذلك ترويج عبر صحفات على شبكات التواصل مقربة من حركة النهضة والأغلبية البرلمانية عن عزم الرئاسة انهاء التفرغ النقابي بامر رئاسي.
على خلفية ايداع نبيل القروي في السجن : الأغلبية البرلمانية ومرويّة المؤامرة والبحث عن توازنات جديدة
- بقلم حسان العيادي
- 09:04 29/12/2020
- 1684 عدد المشاهدات
النظر الى المشهد السياسي التونسي خلال الايام الفارطة كفيل بكشف تداعيات شبهة «تبيض الاموال» التي تلاحق نبيل القروي