مبادرة الاتحاد للحوار الوطني : راشد الغنوشي والرغبة في ملء الفراغ

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل يوم أمس ان مبادرته لم يقع ترحيلها إلى البرلمان ولازالت بيد رئيس الجمهورية ، وان مراسلته للبرلمان بمضمونها ليس إلاّ استجابة لطلب الأخير.

وهنا يبزر اسم راشد الغنوشي رئيس المجلس الذي يعمل على تحقيق هدف رئيسي «ملء المساحات» والاعتراف به كفاعل رئيسي وأوحد في المشهد التونسي.

وفق بيان نشره الاتحاد العام التونسي للشغل، طلب رئيس البرلمان راشد الغنوشي من قادة المنظمة الحصول على نسخة من مبادرة الحوار الشامل التي تقدم بها الاتحاد منذ اسابيع الى رئيس الجمهورية قيس سعيد، وذلك ما حصل اذ مكنه الاتحاد عبر مراسلة من مضمون المبادرة وتفاصيلها.
بلاغ تضمن نفي أن يكون الاتحاد قد رحل مبادرته من رئاسة الجمهورية الى البرلمان ليكون الجهة المشرفة على الحوار، بل يعتبر ان هذا القول «تشويش على المبادرة» التي يتمسك بان الرئيس هو الجهة الوحيدة المخولة للإشراف عليها.
موقف الاتحاد ورفضه ان تقع اعادة توجه مبادرته الى البرلمان، ليس موقفا مطلقا غير قابل للتعديل وفق ما يوحي به نص البيان الذي اكتفى بنفي ما نشر دون ان يعلن عن رفض ان يكون البرلمان الجهة البديلة في حال استمر غموض الرئيس ورفضه المبطن للمبادرة بشكلها الحالي، فهو يتحسب من وصول المبادرة الى طريق مسدود مع الرئاسة لذلك اعتمد على طريق فرعي.

فالاتحاد يدرك ان عنصر الوقت ليس في صالح مبادرته التي تقدم بها منذ شهر تقريبا ولازال يستمع لذات الاجابة من الرئاسة «نعم للحوار ولكن الحوار ليس هو الهدف... ولا حوار مع الفاسدين... الحوار مرتبط بتوفر شروطه..» اجابات توفر منطقة رمادية شاسعة تربك المشهد اكثر مما هو عليه.
هذا هو الوضع الذي باتت عليه مبادرة الاتحاد وهو وضع يحسن رئيس البرلمان راشد الغنوشي التحرك فيه و«اللعب». اذ ان رئيس البرلمان الذي حاول ان يعيد توجيه الحوار من قصر قرطاج الى باردو في مناسبات عدة وجعله حوارا تحت قبة البرلمان وتحت اشرافه، وقد جد في تأخر حسم الرئاسة فرصة لافتكاك المبادرة من جديد.اذ ان صمت الرئيس وعدم وضوح موقفه وطلبه لمهلة للتفكير والحسم (انظر مقال دنيا حفصة) توفر هامشا للمناورة وكسر الارتباط بين الرئيس والاتحاد، وهو ما يعمل البرلمان عليه منذ فترة وما خطاب رئيسه راشد الغنوشي ومدحه لمنظمة الشغالين الا جزء منه. فالغنوشي يعتبر الاتحاد شريكا للبرلمان في ادارة الشأن العام وله دور هام ومحوري في البلاد.

شراكة يرغب البرلمان في عقدها مع اتحاد الشغل وما يحول دون تحقيقها الى حد الان هي العلاقة بين المنظمة والرئاسة، عقبة كان من الصعب تجاوزها لولا توفر هذا الهامش والمساحة الناجمين عن تأخر الرّد. مساحة عمل راشد الغنوشي على ملئها بعرض غير مباشر ومبطن حمله طلبه بالحصول على نسخة من المبادرة.
طلب يدرك رئيس المجلس -مهما كان شكل الاستجابة له- سيكون حلقة وصل جديدة مع الاتحاد الذي قد يجد في البرلمان عزاءه إذا رفضت الرئاسة الاشراف على الحوار، او ان يقدم للاتحاد خدمة بان يضغط اكثر على سعيد بشكل غير مباشر، وهنا يحقق البرلمان ورئيسه كسبا ايضا وان كان مؤجلا يتجسد في كسر الحاجز والانطلاق في العمل المشترك بينه وبين الاتحاد.

رغبة البرلمان وأساسا راشد الغنوشي هي استغلال هذا الوضع لجذب الاتحاد وان تدريجيا الى صفه، وهو شرط اساسي لتحقيق الغاية النهائية والرئيسية له، وهو ان يقع الاقرار والاعتراف الصريح والضمني بان الفاعل الرئيسي والوحيد في المشهد ورجل الدولة ..الخ هو راشد الغنوشي رئيس البرلمان.
هدف لن يتحقق إذا لم يعترف له الاتحاد بهذا الدور، وعليه فان الغنوشي يسعى لافتكاكه بأشكال مختلفة تلتقى في نقطة اساسية هي مغازلة الاتحاد بهدف كسر الارتباط بينه وبين سعيد، ارتباط تعتبره النهضة اخر الحصون المنعية للرئاسة، الذي يحول دون ان تسحب كل اوراق اللعب والقدرة على المبادرة من يد الرئيس.

اذ تعتبر النهضة ان اقوى حلفاء الرئيس هو الاتحاد وكسر هذا التحالف سيجعل سعيد معزولا وغير قادر على التاثير في المشهد حتى وان كانت له صلاحيات دستورية. لذلك كان طلب الحصول على النسخة يحتوي ضمنيا على تلميح بان البرلمان «جاهز للخدمة» ان طلب الاتحاد ذلك فقط.
الانتظار وتصيد الاخطاء هو ما يقوم به رئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي يستفيد من كل ثغرت تتوفر له٫ ويبدو انه سيستفيد من لقاء الرئيس بمحمد عبو امس٫ والقراءات المختلفة للقاء

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115