عبر معارك «استنزاف» تعمل جاهدة على ان تجعل منها العنوان الرئيسي ومحدد الفرز السياسي في بلاد تمشى الهوينا الى الهاوية مع تفاقم ازماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
يوم امس اعلن الحزب الحر الدستوري عن اعتصام جديد اطلق عليه اسم «الغضب»، وهذه المرة تنديدا بغياب النواب عن الجلسة العامة المخصصة لمناقشة لائحة تقدمت بها كتلة الحزب والتي حملت عنوان مشروع لائحة تهدف إلى إصدار البرلمان تنديدا بالإرهاب ودعوة الحكومة لتجفيف منابعه وتفكيك منظومة تمويله وحل التنظيمات السياسية والجمعياتية الداعمة للعنف والفكر الظلامي المتظرف.
لائحة تغيبت جل الكتل عن الجلسة المخصصة لها مما ادى الى رفع وتاجيل الجلسة لعدم اكتمال النصاب في مرة اولى ولاحقا وانتظار نصف ساعة لعقدها بالثلث الذي لم يكن متوفرا في قاعة المجلس مما ادى الى رفع الجلسة وإسقاط اللائحة.
حدث تلقفته رئيسة الدستوري الحر وكتلته لتعلن انه دليل جديد على تحالف الجميع باستثنائها وحزبها مع الاسلام السياسي واذرعته والتنظيم الدولي للإخوان المسليمين، وان هذا يجعلها ترفع من درجة استعدادها وتنقل اعتصامها امام مقر فرع اتحاد العلماء المسلمين من اعتصام ضد الاتحاد وفرعه الى اعتصام لإنقاذ تونس.
تونس التي تعتبرها عبير موسى اخذت منعرجا تاريخيا سببه ما جد في جلسة أمس وتستوجب من رئيسة الحزب الدستوري ان تعلن المعركة على الجميع، والجميع هنا تفتح قوسها لتضم الاحزاب والمنظمات والجمعيات وكل من لم يتخندق خلفها فهو اليا في صف الاخوان وحليف لهم.
هذا الاستقطاب هو ما عملت عبير موسى على خلقه وتوفير كل مناخات ازدهاره وهو ما تحقق لها ووفر شعبية لها ولحزبها جعلته يتصدر نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية بفارق يصل الى 20 % عن حركة النهضة التي تأتي في المرتبة الثانية، شعبية تحققت بتصدر الدستوري الحر للمشهد السياسي على انه القوة السياسية الوحيدة المعارضة للنهضة والأشد معارضة.
مشهد سياسي اثثته عبير موسى وحزبها منذ بداية العهدة البرلمانية الحالية وفق استراتيجية يمكن ان تختزل بتصيد اي مناسبة او حدث لإبراز التباين بين الدستوري الحر والنهضة اولا وثانيا بجعل كل مكونات المشهد السياسي والبرلماني في صورة المهادن او الحليف للنهضة والإسلام السياسي وذلك إذا وقع رفض الاصطفاف خلف عبير موسى والإقرار لها بتزعم المشهد وقيادته.
تزعم ترغب عبير في ان تكتسبه بفرضه على الاحزاب والكتل البرلمانية واخيرا على الاتحاد العام التونسي للشغل، بجعل المعركة مع النهضة «حكرا» لها لا يجوز ان يقع خوضها الا خلف رايتها، والهدف هنا هو ان تخلق حالة استقطاب ثنائية تختزل المشهد السياسي كما في 2014 بين قوتين سياسيتين النهضة وخصمها، في السابق النداء واليوم هو عبير موسى.
لذلك ايا كان الحدث وأيا كانت التفاصيل يسارع الدستوري الحر لجعله منصة وقاعدة لهجوم جديد على النهضة وجر البرلمان خلفه ليرهنه بيده الى غاية تحقيق مطالبه ، في تمش تكرر كثيرا خلال سنة قدم فيها الحزب ثلاث لوائح كلها تتعلق بشكل او بأخر بمعركته مع النهضة التي يصنفها كإخوان.
معركة حققت لموسى وحزبها شعبية وقاعدة انتخابية وهو ما جعلها تتمسك بها اكثر وتواصل العمل بها لإقرار كلي ونهائي لانقسام المشهد البرلماني والسياسي الى فريقين الاول تقوده عبير والثاني النهضة ولا مكان لطرف ثالث بينهما، وهو ما تعتبره اساسيا للنجاح وضمان استمرار الزخم من حولها.
هذه استراتيجية الحزب الباحث عن بلوغ الانتخابات القادمة في ظل ازمات متعددة يحمل مسؤوليتها لحركة النهضة وكل الاطراف السياسية الاخرى ويستثنى نفسه منها باعتباره «المقاتل الوحيد» ضد الاخونة وتدمير الدولة منذ 2011 وضد الجميع ممن تشدد على ان «سيدهم الشيخ».
طبقة سياسية بأكملها عادتها عبير موسى وجعلتها بين خيارين اما الاصطفاف خلفها او خلف النهضة بعد ان نجحت نسبيا في ان تنحت هذه الفكرة في اذهان عدد هام من التونسيين ساعدتها في ذلك الازمة السياسية الراهنة وترؤس راشد الغنوشي للبرلمان مما خلف انطباعا عاما لدى التونسيين ان البرلمان ورئيسه هما اصل الازمة وعليه ازدادت شعبية الدستوري الحر.
حزب كل ما يقدمه هو عداؤه للنهضة والإسلام السياسيين وخطاب يعزز الاستقطاب في ظل وجود حاجة لدى «خزان انتخابي» يستهويه هذا الخطاب، يحقق تقدما نسبيا في نوايا التصويت شهرا بعد شهر كلما استمر تواجد النهضة في الحكم واستمرت الازمة السياسية والاقتصادية التي شكلت انطباعا عاما لدى التونسيين بان الثورة وما افرزته سبب فيه.
تقدم نسبي للدستوري الحر في التشريعية سيستمر الى ان يمسك الحزب بالحكم، ونظريا قد يستقر دون 40 % الا إذا جدت مفاجأة كبرى. لكنه يظل امام حتمية التجدد وتوسيع افاقه. فما قد يكون مهددا لتواصل تقدم عبير موسى في نوايا التصويت هو عجزها عن التطور وان تنجح في تشكيل جبهة خلفها تقودها ضد حركة النهضة.
جبهة جل مكوناتها من احزاب تعيش ازمة بطبيعتها فهي امام معضلة غياب القاعدة الانتخابية وانحسار سوق «لا للنهضة ولا للدستوري الحر» الذي لم تنجح اي حركة سياسية في ان تتزعمه وتجمع خلفها قاعدة شعبية وانتخابية كبيرة. مما يعنى انها ستكون امام حتمية تخفيف عدائها للنهضة او الدستوري الحر، للتموقع في المشهد والأغلب انها قد تتجه لتخفيف العداء عن الثاني، وانتظار نضج الدستوري الحر وانتقاله من العدائية الى التعقل لتشكيل جبهة.
معارك الاستنزاف وخطاب الاستقطاب للحزب الحر الدستوري : استراتيجية لخمس سنوات.... هل تنجح ؟؟؟
- بقلم حسان العيادي
- 09:16 16/12/2020
- 1236 عدد المشاهدات
من الجلي والواضح ان الحزب الدستوري ورئيسته عبير موسى قد حددوا استراتيجيتهم منذ فوزهم بالانتخابات والتي هدفها إحياء الاستقطاب بينها وبين النهضة