مع اقتراب الذكرى الـ10 للثورة.. توسع رقعة الاحتجاجات : غضب الشارع وصمت القصور

بيدو ان «شتاء» الحكومة حل قبل موعده، اذ لن ننتظر شهر جانفي لنشهد ارتفاع منسوب الاحتجاجات الاجتماعية ، فقد انطلق الامر وبات كنيران تستعر

في ما خلفه صيف امتد لـعشر سنوات فما ترك غير اليابس لتلتهمه النيران بعد عشر سنوات من الثورة .

اضراب عام في باجة وغلق كلى لمرافق الحياة في الولاية، احتجاجات في قفصة واقتحام لمقر الولاية . اعتصام في قابس، وفي الصخيرة من ولاية صفاقس والشعار موحد، التنمية والتشغيل.هذا بعض من أحداث يوم امس في تونس التي تعيش منذ ايام على وقع تصاعد وتيرة الاحتجاجات التي امتدت لتشمل جهات عدة.
احتجاجات اندلعت اثر فض ملف الكامور والإعلان عن حزمة إجراءات الاتفاق والتي توصل اليها وفد حكومي ووفد من الجهة، لكن أسيء تقديمها للعموم لتسوق على ان الدولة تمتلك ما توزعه وهي في حاجة الى الضغط عليها بالاحتجاج.

خطأ اتصالي وقعت فيه حكومة المشيشي كان كفيلا بان يوقد شرارة الاحتجاجات في مختلف الجهات بالبلاد، خاصة الولايات الاكثر فقرا والمصنفة كمناطق ذات اولوية تنموية، وان تتطور من احتجاج سلمي الى ارتهان مرافق الحياة ومنع الانتاج وإيقاف نقل البضائع.

احتجاجات وان اختلفت مناطقها فإنها تلتقى في نقاط بعينها، التصور العام الذي يقود المحتجين ومطالبهم أولا والثاني تعاطى الحكومة معها. فجل الاحتجاجات التي باتت وتيرة انتشارها متسارعة تشترك في تقاسم المحتجين لفكرة ان الدولة «غنية» وأنها غير عادلة في توزيع ثروتها، هذه الدولة لا تستجيب للمطالب الا إذا مورس عليها الضغط.
هذه صورة الدولة التي علقت في المخيال الشعبي، غذتها خطابات الاحزاب وخاصة التيارات الشعبوية التي قدمت الامر وكان تونس بلد غني يحكم من قبل «غير الاكفاء» الموالين للوبيات الفساد، مع احزاب انغمست في صراعاتها الثانوية عوضا عن معالجة الازمات المتراكمة طيلة عقد من الزمن.

ازمات تفاقمت وتراكمت دون معالجة فعلية ادت في النهاية الى وضع مركب جدا، يمكن ان يختزل في صورة قاتمة، وهي بلاد تعيش ازمة دون قيادة. وغياب القيادة لا يتعلق بمؤسسات الحكم فقط، بل بالمشهد السياسي العام الذي يكشف عن نسب عدم تفاؤل التونسيين بالاوضاع العامة وعدم رضاهم عن الطبقة السياسية وانعدام ثقتهم فيها وعن مدى استفحال الازمة.

ازمة تتفرع لازمات سياسية واقتصادية واجتماعية ومالية، هيأت الاوضاع لتكون الاحتجاجات المطلبية بهذا الزخم الذي كان «اتفاق الكامور» أحد عوامل تسريعه لا غير. فالمناخ العام يكشف ان البلاد على مشارف شتاء ساخن يقترن بالذكرى العاشرة للثورة.

شتاء قدمت الحكومة موعده لا غير بتخبطها وخطابها الذي دفع المحتجين خاصة من الشباب العاطل الى الشارع للمطالبة بالشغل، وهنا يرغب كل المحتجين في ان يقع انتدابهم في الوظيفة العمومية او القطاع العام. هذا بالإضافة إلى بعض المطالب التنموية التي تنحصر في توفير المرافق الصحية او البنية التحتية بالأساس.
مطالب تجد الحكومة نفسها عاجزة تجاهها كعجزها عن تحديد سياستها تجاه انتقال الاحتجاجات من طابعها السلمي الى ما باتت عليه، فهي وايا كانت خياراتها ستتحمل تبعاته بمفردها حتى وان اوصى الرئيس قيس سعيد بتطبيق القانون ضد من يغلق الطريق ويمنع حركة السلع والبضائع خاصة الحياتية في لقائه امس برئيسها هشام المشيشي.

عجز ليس مرده -فقط- ضعف الحكومة الذي بان في معالجة الازمات وادارتها بل هو عجز موروث عن الحكومات السابقة وهو ايضا عجز مرحل من الاحزاب الى الحكومة التي وجدت نفسها مع حزام سياسي يدعمها باحتشام ولكنه يساند الاحتجاجات، كما هو الحال مع حركة النهضة التي اصدر رئيسها بيانا دعا فيه للحوار والتهدئة ورفض التصعيد بعد ساعات من مشاركة قيادات نهضاوية بجهة باجة في فعليات الاضراب العام وساندته.

اي ان حكومة المشيشي ستكون بمفردها بعد ان اوقعت نفسها بنفسها في الازمة حينما عجز رئيسها عن بلورة سياسة وتصور واضحين لكيفية قيادته البلاد وادارة شؤون الحكم باعتباره الرجل «الاول» في الجهاز التنفيذي واكتفى بلعب دور الاداري الباحث عن اطفاء الحرائق متى اندلعت وحينما تندلع جميعها متزامنة يتجمد في مكانه ويصبح غير قادر على الحركة.

اليوم تعيش البلاد على وقع احتجاجات لا يبدو انها ستخمد قريبا في ظل الضبابية التي تحيط بكل شيء، ولم يعد هناك من مخرج غير الحلول الشجاعة التي تاخرت عشر سنوات.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115