والتعلم من مؤسسي هذه الدولة وما بذلوه من نضال لتجسيم كل معاني التحرر والإنعتاق من الاستعمار ..
معارك كبيرة خاضها الدبلوماسيون الاوائل وصناع الدولة في مقدمتهم الحبيب بورقيبة والمنجي سليم ومحمد المصمودي والحبيب الشطي ..وغيرهم من اجل ترسيخ قيم الاستقلال ضمن معاهدات ووثائق باتت الجزء الاهم من تاريخ دولتنا الحديث.
60 عاما من سياسة قائمة على الليبرالية وحماية السيادة الوطنية في اطار علاقات حسن الجوار..هي اهم ما ميز الدبلوماسية التونسية من مبادئ ..ولعل اهمية الندوة التي انعقدت مساء اول امس بحضور رئيس الحكومة الحبيب الصيد وعدد من سفراء الدول العربية والأجنبية هو الجمع بين الاجيال الثلاثة للدبلوماسيين التونسيين، للمصالحة مع الماضي واخذ العبرة والتعلم من صناع الدولة الاوائل .. ليحمل الجيل الجديد المشعل ويواصل المسيرة. ولعل اهم رسالة اراد رئيس الدولة توجيهها للأجيال الجديدة تحت قبة قصر قرطاج هي الاطلاع على تاريخ الوطن والتعلم من صانعيه ومحرريه ..
«الانظمة والحكومات والرجال يمضون والدولة تبقى» .. هذا ما اكده الرئيس قائد السبسي في مستهل هذه الندوة باعثا ، بذلك باكثر من رسالة للداخل والخارج ، مفادها ان تونس دولة عريقة بُناتها رجال وطنيون واصحاب نخوة. وانه بالرغم من كل العثرات التي شهدتها دبلوماسيتنا في عهد الترويكا وخلال مسيرة انتقالها الديمقراطي الصعب، فانها باقية وستتعافى مما ألم بها من صفعات ووهن خلال السنوات الماضية.. في هذا السياق اكد الدبلوماسي الاسبق احمد ونيس في تصريح لـ«المغرب» ان الدبلوماسية التونسية قطعت مع ماضيها العريق ومع ثوابتها طيلة فترة الترويكا وتجلى ذلك بالأزمات التي شهدتها البلاد في تلك الفترة لكنها بدأت -بحسب قوله- تتعافى مع استلام المنجي الحامدي والطيب البكوش المهام الخارجية».
نشأة الدبلوماسية التونسية
لقد قدم ونيس -وهو الدبلوماسي المخضرم- اول امس شهادة ثرية ووثيقة هامة حول تاريخ دبلوماسيتنا ونشأتها، مستعرضا اهم المراحل التي مرت بها السياسة الخارجية. منذ تشكل اولى اركانها في عهد الباي وحتى الاستقلال فقال :«يوم 3 ماي هو يوم استثنائي في تاريخ البلاد ومعه بدأت مرحلة جديدة. حيث اعلن الحبيب بورقيبة عن بعث وزارة الخارجية اسما ووظيفة في حكومة الاستقلال الاولى وتجسيم المؤسسة في صلب هياكل الدولة بمكوناتها الاربعة، ديوان الوزير والكتابة العامة والإدارة المركزية والمصالح الخارجية، وتعيين الكاتب العام (الوزير) وثم استكمال المصالح الخارجية بتعيين السفراء الاوائل في 25 جوان 1956».
واوضح ان 3 ماي يحمل رمزية خاصة تتمثل في إعادة وزارة الخارجية والدفاع الوطني الى السيادة التونسية وقد كانتا قد احيلتا الى سلطة الحماية الفرنسية بعد امضاء معاهدة باردو. واوضح ان نشأة الدبلوماسية التونسية تعود الى سنة 1837 وهي سنة تعيين اول وزير للخارجية التونسية وهو يوسف راسو الذي كان مستشارا للباي حسين الثاني منذ عام 1824 وواصل مع الباي مصطفى . ولما تولى الحكم احمد باي قرر تعيينه وزيرا للشؤون الخارجية ومارس مهامه طيلة 23 سنة الى حين اعتلاء الصادق باي العرش سنة 1859 .
واشار ونيس الى ان اصدار دستور عهد الامان سنة 58 18 واقرار حقوق جديدة معترف بها للجاليات الاجنبية في تونس. ..كل هذا حدا بالصادق باي الى مراجعة دور وزارة امور الخارجية كما جاء في النص فاصبحت وزارة بموجب امر مؤرخ في 27 فيفري 1860 ولم تعد وظيفة متمثلة في شخص الوزير بل مؤسسة ضمن دواليب الدولة ذات صلاحيات محددة . وقرر كذلك الصادق باي تعيين احمد البكوش وزيرا جديدا للخارجية برتبة جنرال وشغل الجنرال البكوش هذا المنصب 21 سنة تحت اشراف الوزير الاكبر الى تاريخ معاهدة باردو حيث اصدر الصادق باي بتاريخ 9 جوان 1881 امرا بإحالة صلاحيات الامور الخارجية الى الوزير المفوض الفرنسي المقيم بتونس بموجب نظام الحماية. واضاف ونيس:«بعد إنهاء العمل بمعاهدة باردو في 20 مارس 1956 حق للدولة التونسية استعادة صلاحياتها كاملة وحق اصدار الامر بتاريخ 3 ماي 1956 الموقع من قبل الامين باي والحبيب بورقيبة الوزير الاكبر ووزير الشؤون الخارجية . وقال ان العلاقات الخارجية اكتسبت اهمية متزايدة خصوصا بعد مؤتمر فيينا سنة 1815 واحتدام التسابق
الاستعماري بين الاقطاب الاوربية في اتجاه افريقيا واسيا . واردف ونيس بالقول :«فيما يتعلق بتونس تعددت البعثات الدبلوماسية والقنصلية وبلغت 20 في سنة 1850. كما تم تشكيل بعثات ....