وفق مضمون المبادرة الجهة التي ستشرف على الحوار وترعاه الذي ستجد فيه النهضة نفسها مخيرة بين مقاطعته او الذهاب وحيدة دون حلفائها.
يوم الخميس الفارط ولدى كلمته اثر لقائه برئيس الجمهورية حرص نور الدين الطبوبي على ان يكون تصريحه في اتجاه وحيد. وهو التلميح الى ان رئيس الجمهورية الذي سيلتقي به في الاسبوع القادم. قبل ضمنيا بان يشرف على مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل ويرعاها وفيها دعوة إلى حوار وطني شامل.
فالطبوبي الذي قال ان لقاءه القادم مع الرئيس سيكون مخصصا لتقديم المبادرة بمضامينها وحيزها الزمني. كان يعلن صراحة ان الرئيس ماض في خيار الدعوة لحوار وطني والإشراف عليه. وهو ما قد يعلن في الاسبوع القادم بشكل رسمي.
انتظار الاعلان يعنى ان احد نقاط الحوار حسمت، وهي الجهة الداعية والمشرفة عليه. لكن البقية لازالت محل تجاذب وضبابية. اذ أن الاستئناس بما تحمله التصريحات المتناثرة هنا وهناك تفيد بان هذا الحوار المرتقب سيكون مرتهنا بمدى تقبل حركة النهضة للمشاركة فيه، وهي التي تدرك انها إذا دخلته، فستكون وحيدة مجرّدة من حلفائها.
فما هو ثابت وصريح بالعودة لتصريح نادية عكاشة مديرة ديوان رئيس الجمهورية في جلسة الاستماع بالبرلمان هذا الأسبوع ان الرئاسة ستضع شرطا اساسيا وهو استثناء قلب تونس من المشاركة في الحوار. اذ القول بان «ايدينا مفتوحة للجميع إلا الفاسدين» لا مقصد له غير الاشارة الى ان الرئاسة مستعدة للتعامل مع الجميع الا قلب تونس.
التلميح إلى رفض مشاركة قلب تونس في الحوار الوطني المزمع تنظيمه من قبل الرئاسة يضاف اليه اعتراض صريح من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل لمشاركة ائتلاف الكرامة في الحوار. هذا الرفض الشرطي قد يؤول الى اقصاء فعلي لحليفي حركة النهضة في البرلمان والحكم من المشاركة.
فرضية جد واردة مما يعنى ان حركة النهضة المعنية بالمشاركة ويعتبر تواجدها اساسي لضمان نجاح الحوار. ستكون بين خيارين اما معاداة الرئاسة والاتحاد برفض الذهاب الى الحوار دون قلب تونس وائتلاف الكرامة. او التنكر لحلفيها والذهاب بمفردها اليه وتحمل العواقب السياسية لذلك. فالنهضة التي ترغب عبر رئيسها راشد الغنوشي في ان تقود العملية السياسية جعلها تقترح اجراء حوار وطني تحت قبة البرلمان. وإذا قبلت بالمشاركة في حوار يشرف عليه الرئيس ستوجه لنفسها نيران صديقة. توتير العلاقة مع الحلفاء والاقرار بتزعم قيس سعيد للعملية السياسية.
لذلك فان الحركة وان لم تعرب بشكل واضح عن موقفها من الحوار المزمع، حرصت على ان توجه رسائل بان رئاسة الجمهورية ليست مؤسسة معارضة ولا يمكن ان تكون في صف ضد اخر ولا يجب ان تخرج من دورها التجميعي والتوحيدي للتونسيين، وغيره من العبارات الفضفاضة التي تخفي تذمرا وخشية.
خشية مردها ادراك النهضة ان الرئيس والاتحاد وأحزاب مقربة من الرئيس سينفردون بها في الحوار بعد ان تعزل عن محيطها عن حلفائها. لكنها غير قادرة على مقاطعته لانها ستعمق خلافها مع الرئاسة وتلحق به الاتحاد العام التونسي للشغل، وهما طرفان لا رغبة ولا طاقة للنهضة في التصادم معهما وهي المنشغلة بالصدام مع الدستوري الحر الذي ترتهن مشاركته بموقف النهضة، فإذا شاركت قاطع وان قاطعت شارك.
استثناء قلب تونس وائتلاف الكرامة من المشاركة، ليس الاشكالية الوحيدة لحركة النهضة فهي كباقي الفاعلين ينتظرون معرفة موقع حكومة المشيشي من هذا الحوار، هل ستكون طرفا مشاركا فيه ام ستكون على طاولته، ففي الحوارين السابقين. قرطاج 1و2 كان مصير الحكومة يناقش مع باقي التفاصيل.
في انتظار ان يكشف الاتحاد عن مضامين مبادرته وعن الجهات المعنية بالمشاركة والمستثناة يبدو ان الاستعداد ورصف اوراق اللعب سينطلق من قبل كل طرف، مشارك كان ام مقصيا مما يعنى اننا وبداية من الاسبوع المقبل قد نشهد انتقالا في الخطاب وبوادر صدامات وصراعات جديدة تهدف الى وضع قواعد للحوار او ضمان مشاركة فيه.