عدوى الكامور : الحكومة عدوة نجاحها

لم يكن الأمر يتطلب الكثير من التبصر والفطنة لادراك ان ما بات يعرف بـ«اتفاق الكامور2.0» سيطلق موجة عدوى الاحتجاجات

في البلاد بذات الاساليب وذات المطالب، التشغيل اولا والتنمية ان وجدت لاحقا. ولتحقيق ذلك يجب الضغط على الدولة ولا شيء افضل من «غلق الفانة» لضمان انتباه الحكومة.
من يتابع المشهد التونسي وخاصة الاحتجاجات المطلبية يلاحظ أن الأمر متوقع فقد عشنا طيلة السنوات العشر على وقع ما يمكن اعتباره انتقال/ تقليد/مشاركة /تجارب/ اجبار الدولة على التفاوض والاستجابة للمطالب التي تصدر سواء عن الجهات او القطاعات العمومية او المهن الخاصة ...الخ، اذ اسّس لمقاربة تفاوضية تقوم على مبدإ «مغالبة» الدولة لافتكاك مكاسب فئوية او قطاعية او جهوية.
هذا الأمر ثابت حتى وان وقع تجنب الافصاح الصريح عنه، فهذا التمشي ينتهج بهدف تحسين شروط التفاوض مع الدولة / الحكومة بشأن مطالب تتشعب وتتنوع. واول المدركين للامر هي الحكومة، سواء الحالية أو الحكومات السابقة لها، لذلك كان التعامل مع التحركات والاحتجاجات المطالبية يخضع لمنطق تقليص الاثر المترتب عنه. اي عدم الاستجابة لضغط المتطرف لتجنب ان يقع استنساخ الامر ، وهو ما قاد الكثير من المفاوضات/ الحوارات بين الحكومة والطرف المحتج ، باستثناء الاتحاد العام التونسي للشغل. الى ان جدت احتجاجات الكامور في 2016 ، التي أوجدت لنفسها ورقة ضغط وازنة وهي الاعتصام في مناطق الانتاج وتعطيله او كما هو شعار «غلق الفانة» الذي كان بمثابة تطور لنهج غلق الطريق وتعطيل نقل المواد المستخرجة او العملة كما في ملف الفسفاط، وهي الية استخدمت منذ 2011 ووقع استنساخها في الكثير من الجهات ولازالت الى حد اليوم.

هذا التذكير يهدف أساسا إلى استعادة الاحداث والتطورات التي قادت اليوم الى الوضع المحتقن، وكيف بات غلق وسائل الانتاج أو مناطقها وغلق الطرقات، من ادوات الاحتجاج والضغط على الحكومات لتحقيق المطالب المرفوعة، وكيفةاستنساخ اقصى اشكال الاحتجاج واعادة تنفيذيها إذا وقع النظر اليها على انها نموذج ناجح.
وهو ما نعيش اليوم على وقعه، محاولات لاستنساخ «الكامور» وشكل الاحتجاج الذي يذهب الى الاقصى في مغالبة الدولة وتعطيل عمليات الانتاج، مواد اولية او ببترولية طرقات اضرابات عامة... الخ، والمحرك في هذا هو ظن المحتجين او من يؤطرونهم انهم بهذا قادرون ان يضغطوا على الدولة واجبار الحكومة على تحقيق مطالبهم لنجد تحركات احتجاجية في القصرين والقيروان وباجة وقفصة ومدن في اقليم تونس الكبرى، انطلقت اثر الاعلان عن حل ملف الكامور وكشف الاتفاق الذي توصل اليه وفد حكومي مع ممثلين عن جهة تطاوين، وللأسف دفع إلى ذلك رئيس الحكومة بفشل خطابه الاتصالي وعدم قدرة حكومته على تسويق ناجح لا للاتفاق بل للمسار الذي افضى اليه.
عجز تقاطع مع خطاب يحذر او يروج للاتفاق على انه انهيار للدولة التي باتت مستضعفة في الارض وبإمكان الجميع أن يطؤوها ، وما حدث في الكامور ليس إلا دليلا لذلك، في ظل غياب خطاب من الحكومة ، باستثناء محاولات رئيس الوفد الحكومي في الكامور، لشرح الاتفاق ونهج العمل وتغير الاعتقاد بان الدولة تستجيب تحت الضغط.
اعتقاد يحرك اليوم من يرفع مطالب بالتنمية والتشغيل وتحسين البنية التحتية ووقف الضيم وتحسين الحياة وغيرها من النقاط التي رفعت طوال السنوات العشر واكتسبت مشروعيتها واحقيتها، فمنذ 2011 كان التعامل مع التحركات الاحتجاجية بالكثير من التقديس والطهورية التي تنزه المحتج ومطالبه عن الخطإ وتمنحه كل الحق، في اطار تكريس صورة «الدولة المارقة/ الظالمة» التي وقع النفخ فيها طوال السنوات الفارطة جنبا الى جنب مع صورة الدولة الغنية المحكومة من قبل لصوص.
صورة ذهنية وقع حفرها في العقل الجمعي للتونسيين تقوم على ان البلاد غنية ولها مقدرات مالية هامة وضخمة يمكنها إذا وزعت ان تضمن الثراء لكل التونسيين، لكنها منهوبة من «المجهولين» الذين تحميهم مراكز الحكم والحكومة رأسا، وعليه لضمان نصيب من الثروة يتمثل في وظيفة واجر في القطاع العام وجب الضغط وتعطيل الانتاج. هذه هي الصورة التي علقت وتشجع على دولة الريع والتكاسل الجمعي.
دولة اضمحلت فيها ثقافة العمل والإنتاج وحلت محلها ثقافة تقوم على القبلية والقطاعية والمغالبة والبحث عن الربح السريع و التذاكي في تجاوز القانون ومناقضة المنطق، وما يغذى هذا ارتباك الفاعلين السياسيين وخاصة من يمسكون بمقالد الحكم، وضعف الحكومات المتعاقبة وعجزها عن التحلي بالشجاعة والانطلاق في الاصلاح الفعلي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115