رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي: التسويق لصورة «الزعيم/الأب» خطوة في اتجاه قرطاج ؟

طوال ساعة ونيف من الزمن سعى راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب إلى ان يسوق صورة جديدة لنفسه ،

وهي صورة الزعيم الوطني/ الأب الذي تحتاج إليه البلاد لتحقيق الاستقرار والازدهار والذي سيكون من الصعب ان يتحقق دونه فهو اللاعب الاول في المشهد السياسي وفي قلب الحكم الذي لا يستقيم دونه.

تحدث رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي في حواره الذي بث ليلة الاحد الماضي على القناة الوطنية الاولى، من اجل هدف وحيد وهو ترك انطباع جديد عنه لدى المستمع اليه، من خلال اجابته عن الاسئلة التي انطلقت بالوضع الوبائي في البلاد وانتهت بفتح ملف حركة النهضة والخلاف الداخلي فيها.
انطباع يقوم على اننا ازاء رجل دولة من طينة «القدماء» او المؤسسين لدولة الاستقلال، فالرجل حرص على ان يسوق خطابا عقلانيا بعيد عن التشنج او الغضب واستهداف أي طرف، حرص تجلى في تقييمه لعمل مجلس النواب الذي اعتبر انه ادى مهامه رغم الظروف الصعبة التي مر بها في السنة البرلمانية الاولى وفي ما يمر به في سنته الثانية.

هذا البرلمان حرص الغنوشي على ان يعدل من صورته لدى التونسيين، فهو مؤسسة تقوم بدورها ولم تتوقف عن ذلك وهو المؤسسة السيادية الوحيدة في البلاد التي خفضت ميزانتيها بنقطتين على خلفية الازمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وهو ايضا المؤسسة التي وغم انها تعمل تحت ضغط الكاميرا لا انها قامت بدورها وواجباتها التشريعية والرقابية، وهنا قدم ارقاما عن عدد الجلسات العامة وعدد المداخلات وساعاتها والقوانين التي صودق عليها او التي نوقشت في اللجان.

برلمان يرى الغنوشي ان التعامل ما حدث فيه شهد الكثير من التهويل، والقصد هنا الخلافات التي جدت صلبه بين نواب من مختلف الكتل، اختلافات يقول الرجل انها طبيعية وان كانت تنحرف نحو العنف اللفظي احينا، ولكن هذا طبيعي فالبرلمانات ذات طبيعة تجعلها مكانا للتجاذب والاختلاف في الانظمة الديمقراطية، والبرلمان التونسي لم يشذ عن ذلك وهو في طريقه الى الهدوء وادارة الخلاف صلبه.

خلافات يقول الغنوشي انها ستعالج في اروقة البرلمان الذي حرص تلميحا او تصريحا على ابراز انه السلطة الاولى في البلاد وان النظام السياسي التونسي يمنح الكثير من الصلاحيات إلى البرلمان إلى الحكومة اكثر من منحها إلى الرئاسة، ولذلك فان البرلمان التونسي سيسعى إلى معالجة نقائص عمله في العهدة السابقة ويعيد ضبط نسق الحياة السياسية. وذلك بالسعى الى استكمال المحكمة الدستورية وفق ما أكد عليه، باعتبار ان تركيزها باتت ضروريا لاستكمال مسار مؤسسات الحكم في البلاد، وهنا لم يغب عن الرجل أن يستبق السؤال عن سبب الحرص، ليعلن ان المحكمة الدستورية ليست اداة موجهة ضد أي طرف بل هي مؤسسة تقوم بذاتها ودورها التحكيم بين مؤسسات الدولة في حال الخلاف.

تشمل الاولويات القانون الانتخابي الذي يعتبره الغنوشي احد اسباب ازمة الحكم في تونس باعتباره أفضى إلى مشهد برلماني مشتت، وعليه يجب مراجعة القانون بهدف الحد من التشتت وضمان وصول احزاب بمقدورها ان تحكم وان تختار رئيس حكومة وتتحمل مسؤولية الحكم، او ان تختار المعارضة وتكون قوية للعب هذا الدور بشكل جيد.

ارساء المحكمة الدستورية وتعديل القانون الانتخابي اعتبر الغنوشي ان زمانهما قد حان وهذا ما يستوجب البحث عن توافق بين الفاعلين والاحزاب لتنزيل الاستحقاق على ارض الواقع شرط التوافق وقد سعى الغنوشي عبر هذا الحوار عن رسم صورة الزعيم الوطني القادر على التجميع والتوحيد، فهو احد الشريكين الذين حققا التوافق على المشهد السياسي التونسي وكان- التوافق- كلمة السر في نجاح الانتقال الديمقراطي في تونس.

توافق يقول الغنوشي انه المؤسس الوحيد المتبقى له، باعتبار ان شريكه فيه الرئيس السابق الباجي قائد السبسي رحل، وعليه يلمح الرجل الى انه في انتظار شريك لتنزيل التوافق على الارض من جديد، شريك يعبر عن فلسفة التوافق وهي المصالحة بين منظومة الثورة ومنظومة ما قبل الثورة، التي يشترط انها تنضوي تحت الدستور فباتت من ابناء الثورة.

توافق قال انه اساسي لاستكمال المصالحة الشاملة وعدم الاكتفاء بمبادرة المصالحة التي تقدم بها الرئيس قيس سعيد باعتبارها تركز على الجانب المالي لا على الملفات، التي تحتاج وفق الغنوشي إلى معالجتها وطي صفحتها لبناء المستقبل معا. مصالحة اقال انه انتدب محمد الغرياني وكلفه بمهمة مستشار على اعتبار انه اخر امين عام للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل وهو ما يجعله يمثل «اخر رمز» للمنظومة السابقة.

تنقل الغنوشي بين الملفات وحمل معه كلمة التوافق والبحث عن ترسيخ صورة الزعيم الوطني الذي يتوجه إلى مستمعيه على انهم ابناؤه، فالرجل خاطب التونسيين بأبنائي وبناتي، كما حرص على ان ينفى أي صدام بينه وبين أي طرف او جهة في البلاد، وأنه متفتح متسامح يعى دور رجل الدولة ومهامه، وهو كرئيس للبرلمان يحرص على ان يكون ذاك الرجل.

صورة جديدة مجملة ومعدلة لتثبت في ذهن المتلقى ان راشد الغنوشي لم يعد زعيم حركة النهضة فقط بل أصبح زعيما وطنيا، وهنا وان ابدى الرجل امتعاضة من الحديث عن الشأن الحزبي في مقر البرلمان الا انه ولاستكمال بناء الصورة الجديدة، حرص على ان يكون رده واضحا، اذ لا نية له ان يترشح لعهدة ثالثة في رئاسة النهضة.

غياب النية عن الاستمرار كرئيس لحركة النهضة بعد مؤتمر الـ11 يريد من خلاله الغنوشي كف الضرر الذي طاله نتيجة الخلاف الداخلي في النهضة والذي قدمه في صورة المتمسك بالمنصب وان اقتضى الامر تدمير الحركة، ليتخلص الرجل كما ظن من هذه الصورة عليه بأن يعلن عن نيته فك الارتباط. ليكون الامر عنصرا من عناصر بناء صورة الزعيم الوطني القادر على التجميع والتوحيد، المترفع عن الصغائر والمناصب وهو صورة سيستمر العمل على ترسيخها في المستقبل القريب والمتوسط، اذ يبدو ان الغنوشي وان اعرب عن ان الحديث عن الاستحقاق الرئاسي في 2024 سابق لاوانه فقد ترك الابواب مفتوحة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115