الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق حكيم بن حمودة لـ«المغرب»: حانت ساعة الإعلان عن حالة الطوارئ كرد قانوني ومؤسساتي وسياسي لمجابهة كافة الأخطار التي تهدد الأمن القومي

• كل مؤسسات الدولة مطالبة بتفادي سيناريو إعادة الجدولة وهو ما يعني وبطريقة دبلوماسية إفلاس الدولة وعدم قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها

دق مجلس ادارة البنك المركزي ناقوس الانذار في بيانه الذي اصدره اثر انعقاد اجتماعه للنظر في مشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020 وما يطرحه من إشكاليات على مستوى الحاجيات الإضافية للتمويل ما ينتظر البلاد من امكانية اختلال التوازن الخارجي وتدهور قيمة الدينار بفعل أثر المزاحمة المحتمل لتمويل القطاع الخاص «effet d’éviction» والتداعيات السلبية على التوازنات الاقتصادية وهو ما بينه الخبر المالي والاقتصادي والوزير الاسبق حكيم بن حمودة في هذا الحوار الخاص بـ«المغرب» مؤكدا على أهمية إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية واهدافها واليات تنفيذها.
• أخفى بيان البنك المركزي الذي صدرمؤخرا الكثير من الحدة والتخوف وانذر بخطر كبير حيث اشار الى ان تكثيف اللجوء إلى التمويل الداخلي الذي سيصل إلى 14,3 مليار دينار في مشروع قانون المالية التعديلي مقابل 2,4 مليار دينار حسب قانون المالية الأصلي، مما ستكون له تداعيات سلبية على التوازنات الاقتصادية كيف تقيمون ذلك ؟
لم يكن بيان البنك المركزي مفاجئا بل كان متوقعا ولئن كنت شخصيا من اول المدافعين عن السياسات غير التقليدية فقد اكدت على ضرورة ايجاد التوازن بين السياسات غير التقليدية والواقع الاقتصادي، واعتقد ان هذا التوازن مفروض حاليا ويجب العمل على إيجاده. وبالنسبة للعناصر التي اشار اليها البنك المركزي في قراءته لمستوى الطلب الحكومي للتمويل الداخلي فاعتقد حسب تقديري انه سيخلق اولا ضغطا كبيرا على مستوى البنوك والمؤسات الاقتصادية وثانيا ستكون له انعكاسات على التوازنات الكلية في ما يتعلق بالتضخم وقيمة العملة وكنت احبذ ان تناى كل من الحكومة والبنك المركزي عن الخلافات والاختلافات في الرؤى وعدم عرضها على المللإ وكان من المفروض ان يتم التعاطي معها بشكل عقلاني وباكثر تنسيق بين الجهتين قبل الاعلان على القرارات والمواقف وكان من باب اولى واحرى الاعلان عن مواقف أكثر تناسقا بينهما وتجاوز الخلافات التي ستعقد المواقف اكثر.
• ألا ترون أن الصورة التي سوقتها كل من الحكومة والبنك المركزي من خلال الاختلاف في وجهة النظر واتخاذ القرار صورة محبطة في جزء كبير منها ومن شانها ان تزيد في قلق المتابعين وحيرة الرأي العام ؟
من الطبيعي ان يكون للاختلاف في وجهات النظر والتضارب في المواقف بين المؤسستين وكشف ذلك أمام الراي العام انعكاسات سلبية على صورة البلاد ومن شانه ان يعمق الاحباط لدى الرأي العام وبصورة أخطـر وأكبـر سيكون له تاثير سلبي جــدا عــلى موقـف تونس وصورتهــــا في الخارج وخاصة في السوق المالية ولدى مؤسسسات التمويل ووكالات الترقيم والمستثمرين ومن الممكن ان تضيف الكثير من الضبابية والتذبذب في موقف تونس في ما يتعلق بقراءة الوضع الاقتصادي وخاصة مستوى التنسيق بين هرم السلطة على المستوى الاقتصادي والبنك المركزي وهي مسالة كبيرة جدا وهامة وجب اخذها بعين الاعتبار وفي رأي يجب ومن منطق المسؤولية الوطنية تجاوز هذه الخلافات واعادة النظر في مشروع قانون المالية الذي يعتبر سبب الخلاف الرئيسي والدور الذي من الممكن ان يلعبه البنك المركزي في تنشيط وتمويل الاقتصاد الوطني بالاضافة الى تفادي الخلافات العلنية التي لن تزيد الوضع الا تعقيدا
• في النهاية نحن امام خلاف تاريخي بين كل من الحكومة التي تطالب البنك المركزي بالتدخل في تمويل الميزانية والبنك الذي يبدى تخوفا من هذا القرار في رفض غير معلن صراحة؟
جاء تدخل البنك المركزي في الاقتصاد في اطار الاصلاحات التي فرضت حوكمة جديدة للاقتصاد العالمي والتي انطلقت مع بداية التسعينات والتي أسست لتحول كبير على اعتبار أنه و قبل هذا التاريخ كان عدد البنوك التي لديها استقلالية مالية محدودا جدا وبالاساس البنك الفيديرالي الامريكي، وقد اصبحت مسالة استقلالية البنك المركزي وعدم تمويله المباشر لميزانيات الدول وبعبارة اوضح تحييد البنك المركزي مسالة اساسية كان اول من طبقها البنك المركزي الأوروبي.
لقد أصبح اخراج المؤسسة المشرفة على السياسة النقدية وتمويل الاقتصاد من دائرة التاثير السياسي بما معناه تحييد البنك المركزي واستقلاليته على القرار السياسي ومنذ بداية التسعينات القاعدة التي واجهت نقدا شديدا من قبل عديد القوى السياسية التي اعتبرت أن استقلالية البنك المركزي بمثابة الخروج عن القرار الديمقراطي من منطلق ضرورة تعاطي وتدخل المسؤولين في الدولة ممن تم انتخابهم في السياسة النقدية التي وعدوا بها ناخبيهم غير ان التوافق الذي هيمن على السياسات الاقتصادية يفرض حياد البنك المركزي في استقلاليته وعدم تدخله في تمويل الميزانية وكانت تلك القاعدة التي يصاحبها استثناء في فترات الازمات الكبرى مثل فترة الازمة الاقتصادية العالمية سنة 2008 و2009 حيث كانت جميع البنوك المركزية في العالم وعلى راسها البنك المركزي الاوروبي الاكثر تشبثا بهذا الحياد وبالقاعدة الاورتودوكسية دورا كبيرا في تمويل الاقتصاد وحمايته من الازمة وقد أصبح الوضع اليوم مشابها من حيث توفر الاستثناء وهو الازمة الصحية وحتى المؤسسات المالية الكبرى طالبت البنوك المركزية بالتدخل لتمويل الاقتصاد لكن في حدود المستويات التي تسمح بها الاقتصاديات .
والسياسات التي يتم وضعها في الاستثناءات هي ما يعبر عنها بالسياسات غير التقليدية التي تدفع البنوك الى التدخل المباشر لتمويل الاقتصاد وقد قامت بعض البلدان بتعديلات على هذه القواعد مثل مصر والمغرب التي ادخلت ما يسمى بتسهيلات الصندوق اي تمويل البنك للدولة مباشرة من خلال شراء سندات يتم تحديدها في مستوى معين لا يمكن تجاوزه مثلا تحديد بين 5 و 10 ٪ من المداخيل الجبائية للسنة المنقضية وبالتالي تحديدها وتقنينها .
وهنا لابد ان نشير الى ان البنك المركزي يقوم بدوره في التدخل لتمويل الدولة منذ بداية الازمة من خلال جملة الاجراءات التي تم الإعلان عنها منذ شهر افريل وفي تقدير البنك المركزي فان ما طالبت به الحكومة يتجاوز حدود تدخله وهذا القرار هو قرار مجلس ادارة البنك المركزي والمفارقة الكبرى ان الحكومة ممثلة في مجلس الادارة من خلال وزارتي المالية و التعاون الدولي والذي كان قراره ان مستوى التمويل الذي طلبته الدولة لا يستقيم ويتجاوز قدرة المركزي على التمويل ثم انه وعلى فرض دخول الدولة بطلب سندات ضخم فانه سيتم على حساب المؤسسات الخاصة وتمويل الاقتصاد والقطاع الخاص ككل وهذه الازمة التي نحن ازاءها بين مؤسستين هامتين في الدولة كانت متوقعه وتتطلب حالة طوارئ اقتصادية .
وبالنسبة إلى مسألة تدخل البنك المركزي في تمويل الخزينة اريد ان اشير الى انه ليس هناك تمويل مباشر من البنك المركزي للدولة في تونس بل هي عملية تتم عن طريق شراء لسندات الخزينة لفائدة الدولة من قبل البنوك والمؤسسات المالية وهذه العملية اثارت كثيرا من الجدل والنقد منذ ثلاث سنوات حيث استسهلت بعض البنوك هذه العملية وأصبحت تخير شراء سندات الدولة على تمويل المؤسسات لانها توفر للبنوك نسب فائدة بين 6و7و8 ٪ ولا تحمل المخاطرة التي تواجهها في عملية اقراض الاشخاص والمؤسسات وبالتالي عمل البنك المركزي على تقنين العملية وأصبح لا يقتني أكثر من 50 ٪ من رقاع الخزينة وبالتالي.
• ماهي السيناريوات المتوقعة في صورة عدم التوصل الى حلول ؟؟
اعتقد انه من الضروري ان تطغى روح المسؤولية الوطنية على الطرفين لتفادي سيناريو شبح جدولة الديون لانه وفي صورة ما لم تتمكن الدولة من ايجاد التمويل فانها ستكون أمام فرضية وخطر مطالبتها الدائنين بالجدولة حينها ستصبح قضية أمن قومي ستمس من مؤسسات الدولة وسيادة القرار الوطني وفي رأيي فان كافة مؤسسات الدولة مطالبة بتفادي سيناريو اعادة الجدولة وهو ما يعني وبطريقة دبلوماسية افلاس الدولة وعدم قدرتها على الايفاء بالتزاماتها وبالتالي يجب التحلي بالمسؤولية الوطنية وإعادة كل من الحكومة والبنك المركزي النظر بالتنسيق فيما بينها والتقليص في عجز مشروع المالية لسنتي 2020 و2021 وتعهد البنك المركزي بالدعم في حدود معينة لميزانية الدولة بهدف تحقيق المصلحة الوطنية.
• كيف يمكن التقليص من عجز الميزانية غير المسبوق وماهي الاليات الاستثنائية فس مثل هذا الظرف ؟؟
بالفعل عجز الميزانية الحالي عجز غير مسبوق وحتى نكون واقعيين فان هذا العجز جاء نتيجة تراكمات لثلاث ازمات كبرى وهي أولا ازمة نمط التنمية وثانيا ازمة التوازنات الكبرى التي انطلقت بعد الثورة والأزمة الثالثة هي الانعكاسات السلبية لجائحة الكوفيد على الاقتصاد الوطني ونتائجها الحتمية كما هو معلوم تجلت في الارقام المفزعة للميزانية ويعتبر مستوى 13،4 ٪ مستوى كبير جدا مقابل 3 او 4 ٪ كعجز متوقع في الاوقات العادية و8 ٪ استثناء غير ان الاشكال الاساسي والرقم الاكثر اهمية بالنسبة لمؤسسات الدولة هو توفر السيولة التي يعتبر غيابها أهم عامل من عوامل فشل أي مؤسسة وبالتالي فإن توفر السيولة هو التحدي الأكبر بالنسبة لميزانية الدولة.
• عندما كنتم على رأس وزارة المالية أعلنتم في حوار لـ«المغرب» أن تجاوز نسبة المديونية لـ 60 بالماة أمر مستحيل وأن سنوات 2020 و2021 ستكون من أصعب السنوات بقطع النظر على الأزمة الصحية واليوم اصبحنا على عتبة 100 ٪ مديونية فكيف الخلاص؟
لقد خلق تدهور الوضع الاقتصادي في تونس الظرف المناسب لاعتبار المسألة الاقتصادية إلى جانب قضايا الإرهاب ومحاربة الجائحة قضايا تهدد الأمن القومي وتتطلب تعبئة كل مؤسسات الدولة وكل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين لمواجهتها والتصدي لمخاطرها ولئن اعتبرت مسالة تعبئة الموارد لميزانية 2021 وحاجيات التمويل بنحو 20 مليار دينار نسبة كبيرة تتطلب إعادة نظر وتصور وقراءة وهو لوحده تحد خطير وكبير فانه -وفي اعتقادي- التحدي الاساسي والرئيسي والذي هو تجاوز الصعوبات الاقتصادية لسنتي 2020 و2021 بأخف الأضرار وحسب تقديري هذا لن يكون الا من خلال إعلان حالة طوارئ اقتصادية للسنتين يهدف تعبئة الرأي العام ومؤسسات الدولة على اعتبار أن الأزمة الاقتصادية أصبحت تتحدى الأمن القومي في مستوى الارهاب والأزمة الصحية وبالتالي فان حالة الطوارئ الاقتصادية هي التي تمنح الاطار القانوني والمؤسساتي والسياسي من اجل مجابهة الازمة وتوحيد مؤسسات الدولة والأحزاب الوطنية والمنظمات المجتمعية وهو ما يتطلب تضحيات كبيرة من قبل كل القوى من اجل حماية مؤسسات الدولة وحماية سيادة القرار الوطني.
لقد حانت الساعة لاعلان حالة الطوارئ كرد قانوني ومؤسساتي وسياسي لكل الأخطار التي تهدد الأمن القومي
• ألا ترون أن الإجراءات التي اتخذتها الدولة لمساندة المؤسسات المتضررة من ازمة الكوفيد 19 لا تخلو من العديد من الاخلالات والصعوبات في التنفيذ؟
هذه الاجراءات كانت اجراءات هامة لكنه لم يقع تنفيذها بالشكل المطلوب واعتقد ان الخطا الكبير في ما يتعلق باليات التنفيذ وناخذ مثال على ذلك ضمان الدولة الذي تم تطبيقه بالتوازي مع فرنسا والمغرب وكانت اليات تنفيذه مختلفة عن تونس وبالتالي كانت النتائج أفضل بكثير على عكس تونس وهناك دائما مجال لتحسين الاليات واعطائها فاعلية اكبر لتكون قادرة على حماية الاقتصاد الوطني
• تحدثتم في مناسبات سابقة عن حالة الطوارى الاقتصادية وضرورة اعلانها فماذا يعني ذلك وماهي اهدافها الإستراتيجية ؟؟
في رأيي لابد لحالة الطوارئ الاقتصادية أن تعلن في جميع مؤسسات الدولة والقوى الوطنية والاجتماعية لتحقيق هدفين استراتيجيين مهمين وهما اولا اعتبار صحة الاقتصاد واسترجاع عافيته مسألة أمن قومي وثانيا حماية الدولة من أزمة مديونية يمكن أن تتسبب في ضياع سيادتنا على قرارنا الاقتصاذي وحماية مؤسساتها ودعم المؤسسات الاقتصادية وحمايتها في الظروف الاستثنائية التي يمر بها الاقتصاد وتمكينها من الشروط الأساسية للعودة إلى النشاط والاستثمارثم الوقوف إلى جانب الفئات الهشة وحمايتها أمام الجائحة بالاضافة الى توفير الإمكانيات الضرورية للقطاع الصحي لمجابهة الجائحة مواجهة أزمة المديونية وهو ما يتطلب سياسات معينة وتوجهات كبرى ضمن استراتيجية عمل وبرنامج معين يتم الاتفاق حوله وتطبيقه خلال السنتين القادمتين يتمثل في تعليق مصاريف جديدة للدولة لسنتي 2020 و2021 ماعدا مصاريف الاستثمار والدعم الاجتماعي ومواصلة دعم الدولة للفئات الهشة والمتضررة من الجائحة ثم تسريع الاستثمار العمومي من خلال التصويت سريعا على قانون الطوارئ الاقتصادية وتكوين لجنة للتسريع بتمتيع المؤسسات الخاصة بضمان الدولة لتمكينها من التمويل لدى البنوك لدفع الاستثمار،
ثم مراجعة ديون الدولة تجاه المؤسسات العمومية مع ضبط دقيق للأولويات خلال السنتين القادمتين بالاضافة الى مواصلة دعم الدولة للمؤسسات العمومية شرط تقديمها برامج واضحة لإعادة الهيكلة والإصلاح مع ضرورة وضع أهداف مرقمة وواضحة لمحاربة التهرب الجبائي ودعم المداخيل المالية للدولة ومواصلة البنك المركزي للعب دور نشيط في تمويل الاقتصاد علاوة على تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية من أجل الخوض مع بعض شركائنا الاقتصاديين في إمكانيات تأجيل دفع الدين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115