ارهابي معتبرا إياه « دفاعا» مشروعا ضدّ ظلم الغرب لأمة بأكملها وعداءه الثابت للإسلام ، خطاب يبرر الارهاب هناك ويرفضه هنا وقد بات متكرر ويكشف عن ثقافة تكفيرية لدى جزء من المجتمع التونسي وسياسييه .
«الإساءة لرسول الله صلى الله عليه و سلم هي أعظم الجرائم و على من يقدم عليها تحمل تبعاتها ونتائجها دولة كانت أو جماعة أو فردا» هذه الكلمات صدرت عن نائب بمجلس نواب الشعب التونسي راشد الخياري الذي نشرها كتعليق على قتل أستاذ تاريخ فرنسي بقطع الرأس يوم الجمعة الفارط وذلك قرب باريس على خلفية عرضه رسوماً كاريكاتورية للنبي محمّد على تلامذته.
قضية قتل مدرس التاريخ في باريس، اسفرت عن مقتل منفذ العملية وايقاف 9 آخرين وقد تلقفها النائب عن الشعب ليعتبر ان القتل ليس بالجريمة الاعظم بل الاساءة للرسول ، وعليه فان من يسيء عليه ان يتحمل تبعات اساءته ، شخصا ام دولة. وذلك اثر نشر وسائل الاعلام الفرنسية اخر تطورات القضية وفتح تحقيق في ارتكاب «جريمة مرتبطة بعمل إرهابي» وتشكيل «مجموعة إجرامية إرهابية». ووصف الرئيس الفرنسي للاعتداء بأنه «هجوم إرهابي إسلامي».
موقف نائب الشعب المدافع عن جريمة ارهابية ومبرّر لها على اعتبارها رد فعل على جريمة اعنف واشد وهي الاساءة للرسول وللاسلام، ليست موقفا خاصا به بل هي موقف يتقاسمه مع جزء واسع من ناخبيه ومن التونسيين الذين كشف جزء منهم امس انهم وان كان فيهم من يدين الارهاب هنا ويرفضه فانه يعتبره مشروعا ومقبولا هناك ، أي لدى الاخر غير المسلم ، أيا كانت الدولة التي شهدت عملية او جريمة ارهابية.
الكيل بمكيالين وتقسيم الارهاب الى ارهاب مقبول وأخر مرفوض وفق الجهة التي يقع استهدافها ، يكشف من جديد عن من لم يحسم موقفه من الارهاب والجماعات التي تأتيه بل انه يعتبر العمليات الارهابية في اوروبا والدول المسيحية «جهاد » ونصرة لدين الله ضد الاخر الذي يستهدف الدين. لكن حينما يحل هنا او في دولة اسلامية ينظر اليه على انه فعل مدان اتته اقلية لا تمثل جوهر الدين وسماحته.
هنا الامر ليس بالتناقض الذي قد يبدو عليه للوهلة الاولى ، بل هو افصاح صريح عما يعتقده اصحاب الرأي المدافع والمبرر لكل فعل ارهابي يسفر عن قتل الاخر ، المختلف اثنيا والمعتنق لدين غير الاسلام ، هؤلاء هم اوفياء لفهمهم لمفردات الجهاد ودار الايمان والكفر، هم فقط يختلفون قليلا عن الأصولية الراديكالية في عدم تبنيهم لمفهوم الجاهلية وتكفير المجتمعات المسلمة، اما غيرها فهم من الاخر الذي لا تشمله ادانتهم للإرهاب.
وهذا ليس العنصر الوحيد الكامن وراء تعالى الاصوات المبررة لكل فعل ارهابي تشهده دول اوروبية وأمريكا بالأساس، اذ هناك معطيات اخرى تكشفها التبريرات القائلة بان أي جريمة ارهابية تقع في فرنسا او امريكا هي رد فعل طبيعي عن سياسات هاتين الدولتين ضد المسلمين ودولهم، او من قبل انها فعل ناتج عن العنصرية والاستهداف للإسلام والمسليين من قبل ساسة ونخب هذه الدول وغير ذلك من الحجج التي تبحث عن تبرير الفعل لا عن ادانته.
تبرير تشجعه ثقافة تستبطن الأصولية والتكفير ورفض الاخر ، ثقافة لها من يرعاها من السياسيين والنخب التي تتقدم لتوجه شارع تحكمه العواطف والانطباعية ، لا الحقائق والمواقف المبدئية التي لا تتعامل بالمكيالين تجاه الارهاب واصحابه ، فهي لا تدينه ولم ينجح اصحابها بعد في ادراك ان الارهاب ليس وجهة نظر ترفض هنا وتقبل هناك. بل هو جريمة مكتملة الاركان يرغب اصحابها في فرض خياراتهم على الاخر باستعمال الترهيب والقتل.
جريمة منبعها الكراهية التي تغذيها خطابات الشعبوية والتطرف التي تعتبر ان الاخر هو المسؤول عن « معاناتنا» وعن الوضع الصعب وأننا «نحن» ضحايا هذا الاخر الذي يقتل ويرهب شعوبا بأكملها ويرفض ان يقع رد الفعل. لنغرق في مقاربة تبريرية تعيد انتاج ذات الثقافة لا تؤمن بقيم الكونية ولا بحق الحياة والاختلاف.