مقتل مواطن إثر هدم كشك مخالف في سبيطلة : مــن المـســؤول ؟

فاجعة جديدة أفاقت عليها تونس صباح أمس، انطلقت أطورها بتفيذ قرار هدم لبنايات غير قانونية بمدينة سبيطلة فجر امس دون اتباع قواعد السلامة

مما اسفر عن وفاة عبد الرزاق خشناوي تحت انقاض «كشك» سقط ركامه عليه، و المأساة لا تتوقف هنا اذ اكتملت الفصول بتقاذف السلط المحلية والجهوية للمسؤوليات في ظل اكتفاء الحكومة بإقالة مسؤولين جهويين.
وقد تواصل الاحتقان امس بمدينة سبيطلة من ولاية القصرين، في الوسط الغربي للبلاد، واستمر تصاعد دخان العجلات المطاطية التي اضرمت فيها النيران وأغلقت بها الطراقات لمنع تقدم قوات الامن التي اشتبكت امس مع المتظاهرين في المدينة طوال اليوم.

لم يكن مشهد الاحتجاجات والاشتباكات مع سكان المدينة للمطالبة بالتنمية او بالتشغيل هذه المرة، بل للتعبير عن الغضب الذي استعر في صدورهم على خلفية مقتل المواطن عبد الرزاق الخشناوي تحت انقاض كشكه الذي قامت السلط المحلية والجهوية بهدمه فوق رأسه فجر امس.
هدم البناية ليس سبب البلية، فالكشك كما باقي الاكشاك التي هدمت امس بنيت على ارض مملوكة للسكك الحديدية وصدر فيها قرار ازالة، سبب البلية ان تنفيذ القرار الذي كان في حدود الساعة الرابعة من صباح امس لم يتم فيه احترام ابسط اجراءات السلامة والتحقق من ما يوجد في البنايات قبل هدمها.

خطأ اودى بحياة مواطن تونسي، تلقفته الحكومة لتسارع بالاعلان عن اقالة كل من والي القصرين ومعتمد سبيطلة واعفاء رئيس منطقة الأمن الوطني ورئيس مركز الشرطة البلدية بسبيطلة وذلك بهدف امتصاص الغضب من الشارع الذي عاش على وقع تصريحات مستفزة للمسؤولين محليا وجهويا اذ تنقل رئيس بلدية المدينة بين الاذاعات ليعلن انه لم يكن على علم بتنفيذ قرار الهدم وانه طالب بان لا يقع التنفيذ في ظل الظروف الحالية ولكن الوالي والشرطة البلدية لم يستمعا اليه ولم يعلماه بموعد قرار هدم البنايات المخالفة.

مروية تنقل بها رئيس البلدية من مكان الى اخر ليتنصل من تحمل المسوؤلية السياسية والاخلاقية للحادث، هروب من الاقرار بالخطإ الذي قام به والي الجهة نفسه والذي اقيل ولكنه لم يغادر دون ان ينشر مضمون محادثة جمعت بينه وبين رئيس البلدية مفادها مطالبة الاخير له بتوفير القوات لتنفيذ قرار الهدم.
بين تهرب رئيس البلدية ورد الوالي وقرار الحكومة بإقالة المسؤلين الجهوين، تاه السؤال الاصلي من يتحمل مسؤولية ما حدث؟ ولماذا حدث من اساسه؟ خاصة وان القتيل لم يكن الضحية الاولى لهذه الفوضى واللامسؤولية السياسية والأخلاقية لأجهزة الدولة.

مسؤولية يراد ان تلقى على كاهل الحلقة الاضعف ، وقد يلقى بها بعد التحقيق على سائق الجرافة /»تراكس» وعلى اعوان الامن واعوان التراتيب المرافقين له ، لكن المسؤولية الفعلية تتجاوز هؤلاء، وان كانوا يتحملون جزء منها لعدم اتباع قواعد السلامة والتثبت قبل الهدم.

المسؤولية الفعلية لمقتل الخشناوي ومن قبله مقتل الطفلة امل وباقي ضحايا «الاستهتار» وغياب الكفاءة لمسيري المرفق العام، هي مسؤولية مشتركة لكل الفاعلين وان بالصمت المتواطئ وتجنب الإفصاح عن ان البلاد تمشي الهوينا الى الهاوية وتجرنا معها الى هلاكنا اما غرقا او حرقا او تحت انقاض البنايات ان لم نقتل غما وحسرة على ما نعيشه في ظل ثقافة سادت وهي تشجع على كل ما هو سيء ورديء وفاسد.

مسؤولية تتحملها الطبقة السياسية التونسية بدرجات متفاوته، لإغفالها القضايا الحقيقة للبلاد والغوص في المشاحنات والتجاذبات السياسية وترسيخ ثقافة الغنيمة في البلاد والتي باتت عامة وتبناها المواطن الذي بات يسابق السياسيين على انتزاع نصيبه من الكعكة.
مسؤولية تتحملها اجهزة الدولة التي عجزت بعد 10 سنوات على ان تتغير على ان تتبنى عقيدة جديدة عنوانها الانسان لا خدمة السلطة والحاكم وتشييئ البقية واعتبارهم خسائر ثانوية/ هامشية في حرب الطواحين بين الطامعين في الحكم والجاه والمال والشهرة.

مسؤولية يتحملها الفاعلون في المشهد العام، احزابا ومنظمات وجمعيات ونخبا، لم تنجح في ان تقود النقاش ليقود لاحياء مشروع جامع وينظم قواعد عيش مشترك وصياغة عقد اجتماعي جديد واحياء قيم العمل وثقافته وترسيخ مفهوم الشرف في اداء الخدمة العامة.
مقتل الخشناوي والمئات من التونسيين ضحايا انسداد الافق وسبل العيش الكريم في بلادهم، والذي يقودهم اما لقوارب الموت او المغامرة وتجاوز القانون او الاعتقاد الساذج بأنهم امنون في وطنهم الذي تآكل وسادت فيه مفاهيم التربح بكل شيء.

مسؤولية يتحملها من يجعل من مقتل الخشناوي مجرد خبر عابر او يوظفه لتصفية حسابات سياسية او لجعله حدثا منعزلا لا يرتبط بما باتت عليه البلاد من تسيب واستهتار والاقتراب من الانهيار الكلي، مقتل الخشناوي ومن سبقه من تونسيين والناتج عن الفساد الذي طال كل شيء لا يجب ان يكون خبرا عابرا مرة اخرى.
المسؤولية نتحملها جميعا، وسنتحملها جميعا، إذا ظلت الاوضاع تدار كما هي عليه، بالمغالبة والعنتريات وتجنب الخوض في القضايا الفعلية التي تجيب عن تونس التي نأمل ونحلم بان نحيا فيها، عن تونس الجديدة التي تأخر مخاضها عشر سنوات كانت عجافا قاسية.
حادثة سبيطلة محور لقاء رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة

اجتمع رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم أمس الثلاثاء 13 أكتوبر 2020 بقصر قرطاج برئيس الحكومة السيد هشام المشيشي وتناول اللقاء الوضع العام بالبلاد، وخاصة الحادثة المأساوية التي حصلت فجر هذا اليوم بمدينة سبيطلة من ولاية القصرين وأدت إلى وفاة أحد المواطنين. وشدد رئيس الدولة على تحميل كل طرف مسؤولياته كاملة مؤكدا على وجوب تطبيق القانون على الجميع مهما كانت المسؤولية التي يتحملها. كما أكد أيضا على أن القانون لا يجب أن يطبّق على جزء دون آخر فالجرائم التي قام بها من نهبوا أموال الشعب على مدى عقود بقيت في رفوف المحاكم بلا ملاحقة ناجعة ولا جزاء، بل أكثر من ذلك من مكانه السجن صار يتطاول على الدولة وعلى رموزها.

كما تطرق اللقاء إلى الوضع الصحي في البلاد وضرورة تغليب آراء المختصين الصادقين عوض فسح المجال إعلاميا لمن يريد الاستثمار في هذا الوضع الطارئ وفي بؤس أغلبية التونسيين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115