انطلاق احتجاجات العاطلين والمطالبة بتفعيل قانون الانتداب الجديد : أحزاب الائتلاف الحاكم الجديد ..استهدفت الفخفاخ فأصابت المشيشي

منذ ان صادق نواب الشعب ، في 29 جويلية الفارط على قانون الأحكام الاستثنائية للانتداب في القطاع العمومي، وختمه الرئيس ونشر في الرائد الرسمي

في اوت من السنة الجارية كانت المسألة مسألة وقت ليقف اهله على «خطإ» حساباتهم ويدركون انقلاب الامر عليهم .
انطلقت امس تحركات العاطلين للمطالبة بتطبيق القانون ، وذلك في وقفة احتجاجية نظمتها التنسيقية الوطنية «الانتداب حقي»، بساحة الحكومة بالقصبة رفعت خلالها مطلبا وحيدا وهو تفعيل القانون عدد 38 لسنة 2020. وذلك بإصدار الاوامر الترتيبية و تحديد معايير انتداب الدفعة الاول التي يطالب بان تكون ضمن مشروع قانون مالية 2021.
فإمّا تحقيق هذه المطالب وإلا سوف يصعد العاطلون من تحركاتهم لتحقيق ما انتظروه ووعدوا به لفض اعتصامهم السابق امام مقر مجلس النواب الذي – اي المجلس - خير ان ينقل ضغوط المحتجين الذين رابطوا أمام مقره لأشهر الى باقي المؤسسات ومنها الرئاسة والحكومة ليصيب عصفورين بحجر واحد، تسجيل نقاط ضدهما خاصة وان الثلاثي في صراع وخلاف ، وتخفيف الضغط عليه ونقله لباقي اجهزة الدولة رغم تحذيرات الحكومة السابقة وتشديدها على ان طرح القانون للنقاش في ظل وضع اقتصادي ومالي صعب مغامرة.
مغامرة جعلت من مناقشة المبادرة التشريعية التي تقدم بها 35 نائبًا - أغلبهم من حركة النهضة وبقيتهم من الكتلة الديمقراطية وكتلة قلب تونس وكتلة ائتلاف الكرامة – تشهد تعجيلا في النظر ومصادقة سريعة من اللجنة على الفصول الـ6 واحالتها لمكتب المجلس الذي حدد بسرعة موعد جلسة عامة.
جلسة عامة بالبرلمان اتت في سياقات سياسية تتسم بالتصارع والمزايدات وبحث كل طرف عن تسجيل نقاط على حساب خصمه ، ائتلاف حاكم في مراحله الاخيرة من الانفجار حتى قبل شبهة تضارب المصالح التي تورط فيها رئيس الحكومة السابق وجلسة عامة بالبرلمان لسحب الثقة من رئيسه مما شتت التحالف الحكومي، وصراع متصاعد بين رئيس الدولة والمجلس على الصلاحيات.
هذه هي السياقات السياسية التي تزامنت مع المصادقة على القانون الذي وقبل صدوره اصدرت حكومة الفخفاخ في خضم خطتها لمجابهة الكورونا المرسوم عدد 8 مضمونه تجميد الانتدابات في الوظيفة العمومية وتجنب الوزارات في مفاوضاتها مع الشركاء الاجتماعيين الالتزام باي اتفاق له تداعيات مالية إلاّ بالعودة لرئاسة الحكومة.

مرسوم صدر اثناء اجراءات الحد من تداعيات انتشار جائحة الكورونا ولكن قبله اصدرت مراسيم وتوصيات بذات المعنى، ففي فترة حكومة الشاهد قبل الانتخابات 2019 طلب من الوزارات تجميد الانتداب او اي اتفاقات يكون لها انعكاس مالي على خزينة الدولة.
لكن رغم ذلك انتصر السياق السياسي والبحث عن تسجيل نقاط على منطق الاشياء ليمر قانون اراد من خلاله المجلس ان يفاقم صعوبات الحكومة السابقة وان يضعها في مواجهة مع الشارع إذا رفضت تطبيق قانون له تداعيات مالية واقتصادية سلبية ، وأيضا وأن يجبر الرئيس اما ان يمرر القانون ويضع الحكومة في مأزق مؤجل أو ان يرفض ختمه لتجنب تداعياته المالية ويكون بذلك في صدام مع العاطلين.
مناورة سياسية اريد بها ان يقع الضغط على حكومة لم تستمر طويلا اذ استقال رئيسها قبل المصادقة على القانون ، لتصبح المناورة التي قام بها المجلس لغما ينتظر ان ينفجر في وجهه، خاصة بعد تطورات المشهد الاخيرة والانقلاب في الاحداث وتموقع رئيس الحكومة الجديد هشام المشيشي وعلاقته بأحزاب الحكم الجديدة ، النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، الاغلبية البرلمانية الداعمة للحكومة.
فالمجلس ولدى مصادقته على القانون بأغلبية 159 صوتا كان مدركا بأنه من الصعب تطبيقه لضعف امكانيات الدولة وحساسية التوازنات المالية العمومية هذا قبل ان تفاقم جائحة الكورونا من الوضع الصعب الذي تعبر عنه المؤشرات التالية : كتلة أجور بنحو 19 مليار دينار سنوياً، نسبة مديونية تتجاوز 60 % من الناتج المحلي الإجمالي، عجز موازنة بسبع نقاط ونمو سلبي يرجح ان يبلغ الرقمين.

لكن رغم كل ذلك صادق المجلس على قانون لانتداب حوالي 60 الف عاطل على دفعات وفق شروط هي بلوغ سن 35 عام أو بطالة لعشر سنوات فأكثر او فرد واحد من كل عائلة جميع أفرادها عاطلون وذلك على 4 سنوات حدد عدد المنتسبين لكل دفعة بـ«حدود الموارد التي تسمح بذلك ضمن الميزانية المحددة».
قانون ورثته حكومة المشيشي ضمن التركة ثقيلة تشتد وطأة مع تأجيل الاصلاحات الكبرى الى ما لا نهاية ، اذ ستكون الحكومة الحالية امام تناقضات عدة ، فهي مطالبة بان تسرع في اصلاح المؤسسات العمومية والقطاع العام والحد من خسائره التي بلغت 2 مليار دينار وان تقوم بالضغط على كتلة الاجور ونسبتها من الناتج القومي الخام كما ستكون مجبرة على ان انتداب الآلاف من الموظفين الجدد وما يعنيه ذلك من ضغط اضافي على الموازنة وزيادة في نسبة كتلة الاجور.
هذه هي المعضلة التي ستجابهها حكومة المشيشي، تشغيل في الوظيفة والقطاع العام مقابل اختلال التوازنات المالية وصعوبة تعبئة موارد ذاتية للخزينة و الضغط الجبائي المتزايد على الاستهلاك والاستثمار وارتفاع في نسبة التداين الداخلي والخارجي، او ان ترفض الانتداب وهذا يعنى احتجاجات شعبية وشتاء صعبا لحكومة بالكاد تسلمت مهامها.
اي خيار تتخذه الحكومة سيكون له ثمنه، والثمن لا يبدو ان احزاب الحكم ستكون معفية منه ، فاما ان تتحمل مع الحكومة وزر القانون وانعكاساته السلبية بان تدفع في اتجاه تطبيقه وتحمل ما سيترتب عن ذلك في ظل نسبة نمو سلبية وعجز للموازنة وارتفاع الدين العام. او ان تؤجل تنزيله وتتحمل مسؤولية الاحتجاجات التي ستندلع بسبب تلاعب المجلس بالمحتجين ورفعه لأمالهم قبل ان يتنصل منها.
أيا كان الخيار الذي سيتخذ خلال الايام والأسابيع القادمة ، فان احزاب الحكم ستتحمل هي المسؤولية لتداعيات خيارات شعبوية غير ذات مردودية او جدوى لارضاء المحتجين عوضا عن التمسك بخيار الاصلاح وتغيير المنوال التنموي الذي بات عاجزا عن خلق الثروة.
احزاب حكم لن يكون بمقدورها غدا ان تدعو الى الصبر والتضحية ، خاصة وأنها استغلت مطالب المحتجين لتناور خصومها السياسيين ولم تستوعب مثلا تونسيا قديما يقول « يا حافر حفرة السوء ما تحفر كان قياسك تدور تدور و تطيح براسك» والذي يقابله المثل العربي « من حفر جبا لأخيه وقع فيه».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115