المفاوضات التونسية الإيطالية-الاوروبية في ملف الهجرة غير النظامية : تناقض بين الخطاب الرسمي والممارسة

يوم امس اصدرت رئاسة الجمهورية بلاغا اعلاميا اعلنت فيه عن فحوى اللقاء الذي جمع الرئيس بالوفد الايطالي-الاوروبي لمناقشة ملف الهجرة

غير النظامية والبحث عن «مقاربة شاملة» وفق الخطاب الرسمي للرئاسة الذي كشف عن تناقضات بين ما يتم على ارض الواقع وما يرفع كشعارات في معالجة الملف.اعلنت رئاسة الجمهورية التونسية امس ان الرئيس قيس سعيد استقبل كلا من لويجي دي مايو، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي ولوتشيانا لامورجيزي، وزيرة الداخلية الإيطالية وأوليفر فاريلي المفوض الأوروبي المكلف بالتوسع وبسياسة الجوار الأوروبية ويلفا يوهانسون المفوضة الأوروبية المكلفة بالشؤون الداخلية ووفد إيطالي- اوروبي يؤدي زيارة عمل إلى تونس وفق جدول اعمال محدد يتعلق بمتابعة الهجرة غير النظامية بشكل اساسي.
لقاء امس اعلنت الرئاسة انه تعلق بالتعاون والتنمية والقضايا المرتبطة بالهجرة، وانه كان مناسبة للتنويه بالمستوى المتميز للصداقة والتعاون القائم بين تونس وايطاليا والاتحاد الاوروبي، وقد شارك في اللقاء هشام المشيشي بصفته وزير الداخلية في الحكومة اضافة الى سلمى النيفر المكلفة بتصريف أعمال وزارة الشؤون الخارجية.

مشاركة وزيري الداخلية التونسي والايطالي كانت كفيلة بشرح مضمون اللقاء الذي تمحور أساسا حول الهجرة غير النظامية، وما الحديث عن رغبة «المجتمعين» في تعزيز الشراكة في مختلف المجالات خاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، الا هوامش فرعية او مدخل للاقرار بان اللقاء تعلق بالبحث عن حل للحدّ من ظاهرة الهجرة غير النظامية. ملف تعالجه السلطات التونسية بشكل مختلف عما دأبت عليه منذ 1995 وتوقيع اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الاوروبي والتي حملت شعار «الرفاه المتبادل»، فمع تقلد قيس سعيد منصب الرئيس اختلفت المعالجة عن السابق وتميزت بتناقض بين الخطاب والممارسة.
فقد تضمن البيان اشارة الى ان رئيس الدولة اكّد – في مستوى الخطاب - على ضرورة اعتماد مقاربة شاملة وتوافقية في مجال الهجرة وعدم الاقتصار على الحل الامني ، ولئن تتضمن هذه المقاربة مساهمة من الاتحاد الاوروبي في محاربة الفقر والبطالة ودعم جهود التنمية في البلدان الأصلية والتشجيع على الهجرة النظامية. فان الواقع والسلوك السياسي الممارس يتناقضان مع ما تعلنه الرئاسة.

ولئن اعلنت الرئاسة ان المسؤولين الإيطاليين والأوروبيين جددوا دعمهم السياسي والاقتصادي لبلادنا وعزمهم على مساندة جهود التنمية من خلال التشجيع على الاستثمار وخلق مواطن شغل خاصة في المناطق الداخلية، فان ما صرح به وزير الداخلية الايطالي اثر اللقاء من انه لا مجال لبقاء من يصل إلى إيطاليا بطريقة غير نظامية يكشف كذلك ان تونس تراجعت عن موقفها السابق من الترحيل.
ففي ملف الهجرة غير النظامية ، شهدت السياسية التونسية تغييرا هاما، يتمثل في قبول استقبال المرحلين من الجانب الايطالي وهو ما لم تقبل به تونس منذ 1995 واستمرت في الرفض الى غاية جويلية الفارط، اذ يبدو جليا وفق المعطيات ان الجانب الايطالي انطلق منذ ايام في عملية الترحيل بمعدل سفرتين اسبوعيا.

كما انه ساعات بعد القاء الذي قال عنه وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي لويجي دي مايو أنّه كان مثمرا قبل ان يعرب عن استعداد إيطاليا لتقديم كلّ المساعدات اللازمة لتونس، وتوفير برامج للشباب وغيرها من وسائل الدعم، اعلن ذات الوزير عن ان بلده قدم منحة ب10 مليون اورو لتونس لدعم مجهود مراقبة الحدود البحرية.
هذا الخطاب الرسمي الصادر عن رئاسة الجمهورية سعى الى جعل سياسة تونس في ملف الهجرة غير النظامية بداية لمقاربة شاملة تقوم على حسن ادارة التفاوض ودفع الجانب الاوروبي الى تجاوز القصور في معالجته، يتناقض مع ما يمارس على ارض الواقع، فما تضمنه البيان او التصريحات من اشارة الى التنمية والتعاون الاقتصادي ليس الا «شعارات» خطابية لم يقع تنزيلها في الزيارة التي كانت محاورها جلية من هوية الوفد. فالوفد الايطالي-الاوروبي تضمن في صفه الاول الماسكين بالملف الامني لا الاقتصادي وهو ما يكشف ان الزيارة هدفها تنزيل مقاربة امنية لا تنموية شاملة، المطلوب من الدولة التونسية وفقها هو حسن مراقبة حدودها واستقبال المرحلين ، وهو ما تعهدت به تونس.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115