بتشكيل حكومة غير متحزبة سيتجه بها قريبا الى البرلمان لنيل الثقة، يبدو من الارجح نيله لها لا حبا في تمشيه بل «خوفا» من المجهول الذي سيحل إذا رفضت تزكيتها.
خلال الساعات الـ48 الفارطة استأنف هشام المشيشي المكلف بقيادة مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة سلسة لقاءاته مع الاحزاب والكتل البرلمانية التي اختار ان يعلمها هي وباقي الفاعلين في المشهد التونسي بتصوره وخياراته واولويات حكومته عبر نقطة اعلامية يوم الاثنين الفارط.
نقطة اعلن من خلالها المشيشي ان حكومته ستكون حكومة كفاءات غير متحزبة لاستحالة التوفيق بين الاحزاب المتناقضة في البرلمان، وهو ما بادرت الاحزاب البرلمانية الوازنة بالاعراب عن رفضه منذ الثلاثاء الفارط بعد لقاء ثان جمع كل منها على حدة بالمشيشي.
لقاءات كشفت خلالها الاحزاب ذات الثقل البرلماني عن رفضها لتمشي المشيشي واعتبرته اقصاء للاحزاب وترذيلا لها، وهنا تلتقي النهضة بقلب تونس بالتيار الديمقراطي بحركة الشعب فكتلة ائتلاف الكرامة، خماسي وجد نفسه على تناقضاته يتخذ ذات الموقف الرافض لحكومة دون احزاب.
لكن هذا الرفض الممتزج باعلان بعض الاطراف عن عدم خشيتها من الذهاب الى انتخابات تشريعية مبكرة ، لا يعنى ان الحكومة فقدت حظوظ المرور في البرلمان ونيل ثقة الـ109 نائبا. فالوقائع والمؤشرات الصادرة من كواليس الاحزاب الرافضة قبل الداعمة تكشف العكس وتشير الى ان التمسك بخيار الكفاءات قد يسمح بمرور الحكومة لكنه سيجعلها ضعيفة.
اقرار يرتبط بإشارة الاحزاب وقادتها منذ ايام الى ان الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي تمر به البلاد يجعل كل خطوة محوفة بمخاطر يجب اخذها بعين الاعتبار ، وهذا اول المداخل ليخترق منها المشيشي البرلمان، اي اول النقاط التي تصب في صالحه وصالح مرور حكومته ذلك أن ثلثي نواب البرلمان المنتمين لأحزاب أعلنوا عن موقفهم الاولى الرافض لحكومة كفاءات مما يسهل على المشيشي فرض سياسة الامر الواقع وتركهم امام احتمالين اما هو او المجهول، اذ انهم سيكونون رهائن لدى رئيس الجمهورية القادر على عدم استخدام صلاحيته بحل البرلمان او تأجيل الامر لوقت لاحق.
عنصران يجعلان من الاحزاب في وضع حرج، فهي غير قادرة على الذهاب الى الاقصى في رفضها لخيار المشيشي، اي عدم منحه الثقة، فذلك سيجعلها مسؤولة عن اي تداعيات سلبية لهذا الخيار، خاصة في جانبه الاقتصادي والاجتماعي. كما انها غير قادرة على ان تغامر بمنح الرئيس صلاحية حل البرلمان واصدار المراسيم منذ تاريخ حله الى غاية انتصاب البرلمان القادم.
نقطتان كافيتان تجعلان الاحزاب تخير القبول بحكومة المشيشي والتعامل معها وفق ما عبر عنه زهير المغزاوي الامين العام لحركة الشعب على انها «حكومة الخوف» وانتظار الوقت المناسب لاسقاطها واعادة خلط الاوراق من جديد.