تحليل إخباري: التصويت على سحب الثقة «نهـار الكشْفة «( !!)

في تونس أصبحت لشهر جويلية محطات يسجلها التاريخ بحُلوها ومُرّها و لكن تبقى ذكرى مخلّدة تقع استعادتها أو إحياؤها كل سنة .

محطة اليوم محطة جديدة يشهدها قصر باردو وهو نفس الموقع الّذي تم فيه الإعلان عن ميلاد الجمهورية التونسية في 25 جويلية 1957، ولكن ليس بنفس الحجم، والمحطة تبقى هامّة في مسار تونس في ما بعد 14 جانفي 2011، وهو مسار تسع سنوات بدت في جلّها عجافا في حصيلة الوضع الإقتصادي والإجتماعي.
اليوم يحسم أعضاء مجلس نواب الشعب في لائحة سحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب السيد راشد الغنوشي الخريجي، الّذي إعتبرناه مغامرا بمستقبله السياسي منذ التعبير عن نواياه في الترشح لكرسي الرئاسة، الّذي خطّط له منذ أن اتخذ قرار الترشح في الإنتخابات التشريعية لسنة 2019 على رأس قائمة حركة النهضة في دائرة تونس.
هذه اللاّئحة المقدمة من أربع كتل نيابية تمكنت من جمع توقيعات ثلث نواب الشعب كي تُعرض على الجلسة العامّة، ليقع التصويت عليها سريا دون مداولات أو نقاش عام. و لكنها ستكون مطالبة اليوم بالحصول على أغلبية 109 من الأصوات كي تزيح رئيسها الّذي كثر انتقاده.
وقرار مكتب مجلس نواب الشعب القاضي بسرية التصويت، يكشف الرغبة في إخفاء أوراق النواب الّذين لا يمتـثلون لقرارات كتلهم وأحزابهم وكذلك عدم كشف المتحالفين المخفيين مع كتلة حركة النهضة والموالين لها، لأسباب مختلفة، خاصة وأن الأمر لا يتعلّق بالتصويت على قانون قد يقبل الإخلاف فيه، وإنّما يتعلّق بموقف يتضمن فرزا واضحا على أساس سياسي وفكري يصنف بوضوح المؤيدين لحركة النهضة عن غيرهم من الموالين لها.
هذا الفرز أصبح هاما تبعا لإزدواجية الخطب المعلنة والّتي يجهر أصاحبها في العلن بتباينهم مع مواقف حركة النهضة وسياستها، ولكن تجدهم مصطفين خلفها عند الإدلاء بأصواتهم عند المحاسبة الجادة لهذه الحركة وعند تقاسم السلطة والنفوذ معها .
هذه المواقف المتذبذبة والمحكومة بالمصالح الضيقة وبالمساومات والمقايضات، والتفرّد بالرأي وثبوت إعتماد الموالاة في التسميات ومساعي الهيمنة على إرادة مكتب المجلس، وتجاوز السلطة، هي الّتي أدت إلى إنتفاء المصداقية في العمل النيابي و تعطله وشلله أحيانا، وإلى خلق مشاحنات سياسية، وإلى طغيان الحسابات الضيقة في تركيز الهيئات الدستورية الّتي لم يتشكل بعضها بعدُ رغم مرور أكثر من خمس سنوات على وضع الدستور الجديد الّذي جاء بها. هذه الهيئات الّتي صُنفت كهيئات مستقلّة، تسرب الشك في إستقلالية بعضها وأصبح التجاذب حولها دليلا صارخا لا يدع مجالا للشك في عدم إستقلاليتها.
وكما سبق التأكيد على ذلك، أكدت حركة النهضة أنها لا تتوانى في التنكر لأي موقف وأنها تضرب عرض الحائط بأي تحالف، لا من أجل مصلحة البلاد، كما تردد ذلك، وإنما لمصلحتها الضيقة جدا.
هذا القول لم يعد خفيا و لكن صداه، عند التصويت لا ينعكس بالضرورة على ما سيصرح به في الصندوق، الأمر الذي يطرح التساؤل لدى عموم الناس وخاصتهم عن الخيوط الحقيقية الّتي تحرك النواب في اللحظات الحاسمة.
إذن التصويت على سحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب اليوم، لن يكون فقط بالتصويت بـ -نعم - الصريحة أو -لا – «الجازمة»، واللتين ينطق بأحدهما كل من كانت له رؤية واضحة وثوابت و قناعات راسخة في سلامة سياسة هذا أو ذاك بل، سيتخّلله التصويت بالغياب أو بالأوراق البيضاء أو بالاحتفاظ بالصوت، وهي تصاريح تعني في النهاية - لا - الّتي تسعى إليها حركة النهضة ومؤيدوها.
لكن مهما كانت النتائج فإن الفرز سيزداد وضوحا لقراءة خارطة المستقبل، وستكون للنهضة فرصة لتأكيد قدراتها على المناورة وتجاوز المراحل الصعبة، وسيكون للمعارضين لها فرصة لوضع ما يفرّقهم خلف ظهورهم وووضع ما يجمعهم حول الوطن نصب أعينهم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115