وأن تعطيل مجلس النواب قد استمر أكثر من اللزوم وأن لديه من «الصواريخ» الدستورية ما يسمح له بوضع حدّ لهذه المهزلة..
من هو المتهم بتعطيل البرلمان ؟ إشارات رئيس الدولة واضحة حتى وإن لم يتهم أحدا: الحزب الدستوري الحر وبدرجة أقل ائتلاف الكرامة ..ولكن كيف سيضع رئيس الدولة حدّا لهذا وهو ممثل السلطة التنفيذية والبرلمان سلطة تشريعية مستقلة بل هي الممثل الأصلي للإرادة الشعبية ؟
هنا لابد من تأويل هذه «الصواريخ» التي تحدث عنها رئيس الدولة أي هذه الإمكانيات التي يسمح بها الدستور ..بعضهم فهمها بقدرته على حل البرلمان ولكن الشروط الدستورية غير متوفرة «الصاروخ» الأساسي في نظرنا هو ما يسمح به الفصل 80 من الدستور والذي ينص بوضوح انه «لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية ، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية ، ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب».
أي أن رئيس الدولة قد يعلن في بيان للشعب أن التعطيل المتعمد والمستمر لعمل مجلس نواب الشعب هو تعذر ، أي استحالة ظرفية، للسير العادي لدواليب الدولة وأن من يقدم على هذا التعطيل يمثل خطرا داهما يهدد «كيان الوطن أو أمن البلاد».
ما هي التدابير التي يمكن لرئيس الدولة أن يتخذها ؟
الدستور هنا صامت وصمته يوسع من مجال هذه التدابير ولا يضيق منها أي انه بإمكانه فعل كل شيء – تقريبا – من أجل فرض عودة السير العادي لدواليب الدولة بما في ذلك استعمال القوة بواسطة القوات الأمنية وربما العسكرية ما دام هذا «الخطر الداهم» يهدد «كيان الوطن» أو «امن البلاد» بعبارة أخرى لو تعطلت اليوم الجلسة العامة يمكن لرئيس الدولة أن يعلن في بيان للشعب انه سيعتبر من هنا فصاعدا كل معطل لأشغال المجلس بالاستحواذ على منصة الرئاسة أو بمنع انطلاق أشغال الجلسة العامة بالهتاف المستمر هو «خطر داهم» يهدد «أمن البلاد» وبالتالي يسمح للقوات الأمنية أو العسكرية بصفة استثنائية باقتحام مقر مجلس نواب الشعب وبإيقاف العناصر المتهمة بهذا التعطيل وربما أيضا بمقاضاتها في المحاكم العسكرية وفق منطق التدابير الاستثنائية .
ويبقى هنا سؤال دستوري هل يجوز لرئيس الدولة اللجوء إلى الفضل 80 في غياب المحكمة الدستورية ؟ والحال أنها مذكورة بداية (إعلام رئيس المحكمة الدستورية) ومذكورة في نهاية هذا الفصل «وبعد مضي ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك ، يعهد الى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس النواب الشعب او ثلاثين من أعضائه البت في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه .وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يوما، ويٌنهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها.ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب».
والجواب هنا هو أن غياب المحكمة الدستورية يعطي صلاحيات اكبر لرئيس الدولة ويعطيه أيضا حصرية تأويل الدستور أي اعتبار أن الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بإمكانها أن تقوم مقام المحكمة الدستورية بداية ونهاية.
ويبقى السؤال الأهم ماذا لو تم تعطيل أشغال اليوم وخاصة ماذا سيحصل لو اصدر رئيس الدولة بيانه إلى الشعب في الاتجاه الذي اشرنا إليه وتواصل تعطيل أشغال المجلس ؟
هل سينفذ رئيس الجمهورية تهديداته ويتم اعتقال النواب المتسبيبن في التعطيل وربما محاكمتهم أم انه يأمل أن يكون بيانه بمثابة سلاح الدمار الشامل الكافي للردع دونما حاجة إلى الاستعمال ؟
وهل سيتم إقناع الحزب الدستوري الحر بضرورة الكف عن تعطيل أشغال البرلمان أم أن سردية المظلومية هي التي ستنتصر ؟
يبدو أن تأزيم الحياة السياسية في صعود مطرد..والسؤال إلى أين؟ وماهو الأفق السياسي المقترح على البلاد ؟ وهل أن معاداة الإسلام السياسي تبيح كل شيء ؟
ثم هل يمكن الصمت أمام العبارات والتهديدات التي تنطلق من حركة النهضة وحلفائها ضد الدستوري الحر وآخرها ما اقترفه رئيس البرلمان نفسه عندما دعا بالموت على «أعداء ديمقراطيتنا « السنا أمام تحريض على العنف بل والقتل ؟ ألا يمثل هذا الكلام بدوره تهديدا قويا لأمن البلاد وخطرا داهما بدوره أيضا ؟ أم ننظر فقط إلى التعطيل ونغض البصر عن دعوات العنف والموت وحتى القتل أحيانا ؟
حلقة إضافية تنهك ديمقراطيتنا المترنحة وتضيّع مصالح الوطن بين أقدام محترفي الاستقطاب الإيديولوجي الحاد والمتنافي والناقض لكل عيش مشترك ممكن ..