أو مشاورات سياسية حول «الحكومة الجديدة» ليفتح لها باب «المناورة الدستورية» والدخول في مسار سحب الثقة من حكومة الياس الفخفاخ بكل مخاطره، فرسالة رئيس الجمهورية إلى حركة النهضة كانت واضحة مفادها أن الحكم بيده وأنها إذا أرادت تغيير الحكومة ورئيسها فعليها المواجهة وإتباع الحلول الدستورية والمراهنة على الحصول على 109 أصوات لسحب الثقة من الحكومة، ولكن استبق الفخفاخ خطوات النهضة ليأتي رده في اليوم ذاته بالاعلان عن تحوير وزاري في الأيام القليلة القادمة، تحوير قد يشمل وزراء النهضة خاصة.
تدرك حركة النهضة جيدا بعد تصريح رئيس الجمهورية برفضه إجراء أية مشاورات حول الحكومة أن المراهنة على الحصول على ضمان 109 أصوات لسحب الثقة من الحكومة تعجيزي وأن اصطفاف كل من قلب تونس وائتلاف الكرامة لن يضمن لها ذلك بالرغم من أن حكومة الفخفاخ -بدورها- تدرك أن الأقلية البرلمانية فقط تقف وراءها، بذلك فإن ورقة سحب الثقة بالنسبة للحركة ورقة خاسرة ونتائجها ستكون عكسية عليها، فالنهضة باتت اليوم في إحراج بل أنها بين نارين إما مواصلة الضغط والدخول في مسار التشاور السياسي وهذا الطريق قد أغلقه رئيس الجمهورية أمامها أو الدخول في «المخاطرة» الدستورية، إذا لم يبادر الفخفاخ بالاستقالة، لتجد نفسها أمام متلازمة الـ109 صوتا وقد سبق وأن فشلت في ذلك مما أدى إلى إسقاط حكومة الحبيب الجملي.
مشهد حكومي بديل
الوضع السياسي بات اليوم كالكثبان الرملية المتحركة وفي كل لحظة نستفيق على حدث جديد، وقد حمل يوم أمس العديد من التطورات وكان كل حدث أثقل من سابقه، فبعد إعلان مجلس الشورى لحركة النهضة الذي انعقد أول أمس عن قرار تكليف راشد الغنوشي رئيس الحركة بإجراء مشاورات مع رئيس الجمهورية قيس سعيد والأحزاب والمنظمات للاتفاق على مشهد حكومي بديل، ردّ رئيس الجمهورية قيس الجمهورية وخلال لقائه مع كل من رئيس الحكومة والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي بأنه لن يقبل بأي مشاورات تهم تشكيل حكومة جديدة ما دامت الحكومة الحالية قائمة وكاملة الصلاحيات. وذكّر بأن المشاورات لا يمكن أن تحصل إلا إذا قدم رئيس الحكومة استقالته أو سحبت منه الأغلبية المطلقة بمجلس نواب الشعب الثقة، ردّ اعتبرته حركة النهضة وحسب تصريح إعلامي لرئيس كتلتها نور الدين البحيري ردّ فعل أولي وأن الحركة تتمسك بنهج التشاور وخيارها هو خيار الحوار لتصور حكومي بديل للموجود، والتطورات لن تقتصر عند هذه الأحداث بل هناك عريضة سحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي والتي تجاوز عدد الممضين عليها 73 وهو العدد المطلوب لإيداع العريضة لدى مكتب مجلس نواب الشعب وتمريرها إلى الجلسة العامة، وفق تصريح النائب عن الكتلة الديمقراطية، هيكل مكي، مشيرا إلى أن الإمضاء على العريضة متواصل.
الفخفاخ يرد على النهضة
رد رئيس الحكومة على النهضة بقرار اجراء تحوير حكومي، حيث أعلن الفخفاخ في بيان صادر عن رئاسة الحكومة عن قراره بإجراء تحوير في تركيبة الحكومة يتناسب والمصلحة العليا للوطن سيتم الإعلان عنه خلال الأيام القليلة القادمة، وأضاف أن هذا القرار يأتي على إثر دعوة حركة النهضة إلى تشكيل حكومة جديدة، مشيرا إلى أنّه بذل «مساع عديدة ومتكررة خلال الاسابيع المنقضية لتثبيت دعائم الائتلاف الحكومي» ولكن هذه المساعي «اصطدمت بمساعي موازية وحثيثة من طرف حركة النهضة غايتها ادخال تحويرات جوهرية في شكله وفي طريقة عمله، بما يضعف انسجامه وارادته في القطع مع الماضي في حوكمة البلاد، وهو ما اربك العمل الحكومي وعطل الاستقرار.» وأوضح أن حركة النهضة عللت موقفها الداعي لأحداث تغيير في المشهد الحكومي بقضية تضارب المصالح التي وقع النفخ فيها مع تأليب الراي العام وتضليله بخصوصها. وبالرغم من ان الملف متعهد به القضاء، الا ان بعض الاطراف ومنها وللأسف حركة النهضة الشريك في الائتلاف واصلت في التأثيث لمشهد مأزوم وفي التوظيف السياسي الذي يصب في مصالحها الحزبية الضيقة، وفق ذات البيان.
لعب ورقة الضغط إلى الأخير
ضغوطات كثيرة تقوم بها حركة النهضة من أجل الدفع إلى تغيير الحكومة حتى أنها أدخلت رئيس الجمهورية على الخط ولكنها في نفس الوقت تعيش بدورها ضغوطات داخل قبة مجلس نواب الشعب من قبل أغلبية الكتل البرلمانية بمحاولة تمرير عريضة لسحب الثقة من راشد الغنوشي، فالنهضة قد استغلت ورقة تضارب المصالح للفخفاخ للوصول إلى أهدافها السياسية والتموقعات التي تريدها وهذا لن يتحقق إلا بإزالة كل العقبات لاسيما وأن الفخفاخ قد رفض في مناسبات عديدة الاستجابة إلى مطالبها على غرار توسيع الائتلاف الحكومي بضمّ حزب قلب تونس، الحركة مازالت ستلعب ورقتها إلى الأخير حتى أنها تركت مجلسها للشورى في حالة انعقاد دائم.
مجلس الشورى في حالة انعقاد دائم
بالعودة إلى مخرجات الدورة 41 لمجلس الشورى للنهضة، فقد عبر المجلس عن انشغاله العميق بالاوضاع الخطيرة التي تعيشها البلاد على المستويين الاقتصادي والاجتماعي في ظلّ حالة من عدم الاستقرار الحكومي بسبب ملّف التحقيق في الشبهات التي تتعلق برئيس الحكومة، حسب بيان صادر عنه، وقرر تكليف راشد الغنوشي رئيس الحركة بإجراء مشاورات مع رئيس الجمهورية قيس سعيد الأحزاب والمنظمات للاتفاق على مشهد حكومي بديل. ويبقى المجلس في حالة انعقاد مستمرّ لمتابعة مسار الخروج من الأزمة. ودعا جميع القوى السياسية للتحلي بالحكمة والمسؤولية والابتعاد عن التجاذبات السياسية والعمل معا على تجاوز هذه الأزمة بأخف الأضرار والتفرغ لمعالجة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة.
رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني صرح خلال ندوة صحفية أمس بأن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الراهنة لا يمكن أن تواجهها حكومة تلاحق رئيسها شبهات تضارب مصالح، لذلك قرر مجلس الشورى تكليف راشد الغنوشي رئيس الحركة بإجراء مشاورات مع رئيس الجمهورية قيس سعيد والأحزاب والمنظمات للاتفاق على مشهد حكومي بديل، مذكرا بأهمية اللقاء الذي تمّ بين رئيس الجمهورية ورئيس الحركة قبل انعقاد مجلس الشورى، مشيرا إلى أن اللقاء كان ايجابيا وتم التطرق خلاله إلى الأزمة التي تعيشها الحكومة وضرورة التشاور والتعاون للخروج منها والحركة تثمن هذه الخطوة وتؤكد على أهمية دور رئيس الجمهورية للخروج من هذه الأزمة وتحرص على وجود علاقة جيدة بين رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية هو الضامن لاستقرار الدولة واحترام الدستور وله دور قوي للمساعدة على خروج البلاد من الأزمة السياسية التي كانت نتيجة شبهة تضارب المصالح.
الحركة لم تتحدث بعد عن الحلول الدستورية
وأضاف الهاروني أن تغيير الحكومات لا يعطل عمل أجهزة الدولة والحركة يدها ممدودة لكل الأطراف دون استثناء وتدعو للتشاور مع الجميع للخروج من الأزمة التي لا تتحمل مسؤوليتها الحركة ولكنها ستكون جزءا من الحلّ ولا المشكل، كما أن الحركة تنبه بضرورة التعامل جميعا سواء بين الائتلاف الحكومي أو الكتل البرلمانية وعدم افتعال أزمة أخرى، وبين أن النهضة قامت بهذه المبادرة ودعت إلى هذه المشاورات ومازالت لم تتحدث بعد عن الحلول الدستورية وعن الخيارات العملية. وشدد الهاروني، على أهمية دور المنظمات الوطنية في هذه المرحلة الدقيقة، معربا عن الأمل الذي يحدو الحركة في التوصل إلى توافق واسع بين مختلف مكونات المشهد السياسي، بعيدا عن منطق المغالبة وفرض رأي على حساب آخر، على حد قوله، وحذر من افتعال أزمات في البرلمان قد تزيد في احتقان الأوضاع بالبلاد في ظل ما تشهده من ظروف اقتصادية واجتماعية وصفها بـ«الخطيرة».