فإذا كان العقل السياسي للدستوري الحر وزعيمته عبير موسى قد فك طلاسمه فان العقل السياسي، ان وجد، لائتلاف الكرامة وقائده سيف الدين مخلوف ظل في الظلال.
يوم امس كانت الصور القادمة من مجلس نواب الشعب - سواء من امام بوابة دخول النواب وضيوف المجلس، او في قاعة الجلسة واخيرا في البهو المؤدي لقاعة الجلسة – تدور في فلك ائتلاف الكرامة ورئيس كتلته سيف الدين مخلوف.
مخلوف الذي هدد صباح امس بمنع انعقاد الجلسة العامة على خلفية رفض الامن الرئاسي المكلف بحراسة المجلس السماح لأحد ضيوف/قادة كتلة الكرامة الدخول للمجلس لورود اسمه في قائمة S17. وهو ما أثار حفيظة مخلوف الذي اعتبر ان الامر تجاوز وانتهاك ومس من كتلة ائتلاف الكرامة.
سيف الدين مخلوف -امس- لم يقف عند حد الغضب او الاحتجاج بل رفع الرهان عاليا حينما ربط بين انعقاد الجلسة العامة امس ودخول ضيفه القيادي بائتلاف الكرامة، متوعدا اما بتنفيذ طلب الكتلة او منع انعقاد الجلسة.
جلسة انعقدت امس ولكن هيمنت على اشغالها حادثة الباب التي كشفت عن انجراف المجلس الى الارتهان لقوى داخله، اذ سمح بعد تجاذب ولغط بدخول القيادي بائتلاف الكرامة المدرج ضمن اجراء S17، وهو اجراء يتضمن منعا لتونسيين من السفر خارج البلاد للاشتباه في علاقتهم بجماعات ارهابية، اثير حوله الكثير من الجدل بشان دستوريته وقانونية اجراءته التي تعرف الكثير من الاخلالات .
لكن الامر لم يعد يقتصر امس على منع مصنف في S17 من الدخول بل في ارتهان المجلس والمشهد السياسي التونسي لتيارات راديكالية، هما بالاساس كتلة الدستوري الحر وكتلة الكرامة – اللذين فرضا إيقاعيهما على اشغال المجلس بطرق متعددة.
ومن ذلك انحراف موضوع الجلسة العامة ليوم امس لمناقشة ما جد من هجوم لنائب بالبرلمان على الامن المكلف بحماية المجلس، وهو ما قال سيف الدين مخلوف انه لم يكن موجها اليهم بل الى «من اصدر الامر» وهنا قال الرجل بانه يشك في ان من اصدر الامر قد يكون «هو من القصر» والقصد رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي قال مخلوف انه «يبحث عن اثارة مشكلة / يحب يجبد الشبوك» ولذلك فانه من الافضل ان يقع بعث «امن برلماني» اي جهاز امن يشرف عليه البرلمان. وغيره من المواقف السياسية التي عبر عنها الرجل بتشنج وغضب.
حادثة لم تقف عند دقائق بل هيمنت على كامل يوم أمس لتعكس كيف باتت السلطة التشريعية بالأساس مرتهنة لأهواء التيارات الشعبوية التي يعتبر كتلة ائتلاف الكرامة احد تمظهراتها، كما ان الارتهان لم يكن وليد امس، بل منذ بداية العهدة البرلمانية الحالية ولكنه تصاعد تدريجيا ليبلغ ما بلغه خلال الاسابيع القليلة الماضية.
تصاعد انطلق بالعنف اللفظي بين كتلتي الدستوري الحر وائتلاف الكرامة، ومنها الى من يفرض منهما نفسه واجندته السياسية على المجلس، وقد نجح كلاهما في فرض اجندته وخياراته على الاجندة الوطنية، لائحة الاعتذار لفرنسا لائتلاف الكرامة ولائحة الدبلوماسية البرلمانية وتصنيف الاخوان تنظيما ارهابيا للدستوري الحر الخ.
هذا التشويش قد يكون في ظاهره «عشوائيا ومجرد عبث» ولكنه في الحقيقة، على الاقل بالنسبة للدستوري الحر، فرض نسق سياسي يعزز الاستقطاب الثنائي بين الدستوري ومن كان تابعا له من التيارات والاحزاب والبقية التي تقوم بالأساس على الاسلام السياسي اي النهضة ومن تحالف او اقترب منه وكان من توابعها.
نسق سياسي مثل البيئة المناسبة لتمدد ائتلاف الكرامة الذي وجد في نفسه «النقيض» للدستوري الحر وعمل على ان يروج لذلك ليحقق بدوره ما يطمح اليه بان يكون عنصر فرز بين «الثورة والأحرار» وبين الخونة والعملاء الخ وهذه القائمة يحددها ائتلاف الكرامة وفق اجنته الخاصة القائمة على معاداة من يرى انه في معاداته مكسب له.
صراع يبدو انه في طريقه لاخذ الساحة السياسية والفاعلين فيها رهائن عند الطرفين، بعد ان اخذ المجلس والنواب 217 رهائنا لديهما.