او سحب الثقة، تغيير له عدة اسباب ودوافع ولكن غايته واحدة وهي «حماية مصالح الحركة» التي تتجسد في تموقع افضل في مشهد الحكم وهدنة من حلفائها فيه.
يوم الاثنين 29 من جوان الفارط قدم عبد الكريم الهاروني مخرجات الدورة 40 لـ«مجلس الشورى« والتي كان من ابرز نقاطها، استمرارية دعم الحكومة والدفاع عنها في انتظار نتائج التحقيقات الجارية بشأن ملف شبهة تضارب المصالح، وثانيها التمسك بطلب توسيع الحزام السياسي للحكومة.
هذا ما كان عليه موقف النهضة في الاسبوع الفارط الذي لم ينته وإلا وقد عدلت الحركة منه، باعلان صريح من مكتبها التنفيذي المجتمع مساء السبت بإشراف رئيسها راشد الغنوشي والذي نظر في ثلاث مسائل اساسية واصدر موقفه منها، واهم موقف ذلك الذي يتعلق بما قالت عنه الحركة «متابعة التحقيقات في شبهة تضارب المصالح التي تلاحق رئيس الحكومة».
هذه الشبهة وفق النهضة «أضرت بصورة الائتلاف الحكومي عموما» وهو ما يستوجب، وهذا لب بيان مكتبها التنفيذي «اعادة تقدير الموقف من الحكومة والائتلاف المكون لها، وعرضه على أنظار مجلس الشورى في دورته القادمة لاتخاذ القرار المناسب».
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
تلويح صريح بان الحركة وبعد اقل من اسبوع باتت منزعجة من تداعيات ملف تضارب المصالح على صورة الائتلاف الحاكم وانها ستعيد تقييم الموقف، أي تلميح الى امكانية الخروج منها او عرض لائحة لوم وسحب ثقة منها وذلك لم يكن لتغيير في معطيات الملف او لصدور نتائج التحقيقات، الادارية والبرلمانية والقضائية. بل كان نتيجة لما جد في اجتماع مكتب المجلس بشأن تمرير لائحة الدستوري الحر التي تتضمن تصنيف جماعة الاخوان المسلمين تنظيما ارهابيا، اذ ان حليفها في الحكم التيار الديمقراطي ساند تمرير اللائحة على الجلسة العامة، مع ابراز انه سيكون ضدها، ولكنه طالب بان تمرر إلى الجلسة العامة.
طلب اعتبرته النهضة «تآمرا عليها» وهذا ما يبرز بالتمعن في النقطة الثانية من بينها الذي ينص على ان الائتلاف الحكومي « يعيش حالة تفكك» تتزامن مع «غياب التضامن» بين مكوناته، وهو تضامن ترى النهضة انه «مطلوب» لكن عوضا عن بلوغه حدث العكس، اذ اتهمت النهضة بشكل صريح «بعض شركائها» باستهدافها والاصطفاف مع «قوى التطرف السياسي»، والقصد هنا الدستوري الحر، الذي تتهمه النهضة بشكل مبطن بـ«تمرير خيارات برلمانية مشبوهة، تحيد بمجلس نواب الشعب عن دوره الحقيقي في خدمة القضايا الوطنية».
في كل هذه التفاصيل التي تتضمن اشارة صريحة في النقطة الاولى من بيان النهضة إلى انزعاجها من موقف الياس الفخفاخ رئيس الحكومة الرافض لتوسيع حزام الائتلاف الحاكم وعدم إلحاق اطراف جديدة به، وإذا وقع الجمع بينهما يتضح ان النهضة عبر مكتبها التنفيذي ارادت ان تعيد خلط الاوراق لتضغط ليس اكثر.
فالحركة التي تلوح بانها ستراجع موقفها من الحكومة والائتلاف، هي في الحقيقة تريد ان توجه انذارا لحلفائها في الحكم بان المرة القادمة ستكون الاخيرة، ان أي تقاطع بينهم وبين الدستوري الحر في البرلمان سيكون اعلانا عن نهاية التحالف ويجعلها في حلّ من الالتزام به.
هذه الرسالة الاولى التي رغبت الحركة في ان توجهها اما البقية فاحداها مخصصة للفخفاخ ومردها انه ليس في وضع مريح ليفرض خياراته عليها، وانه ان تمسك برفض الاستجابة لطلبها بتوسيع الائتلاف الحاكم او ان تمسك بمعاملتها على انها كالبقية، أي حزب في الحكومة مشارك فيها لا صاحب القرار، فانها ستثور عليه وستستمر في استخدام ملف شبهة تضارب المصالح ضده.
أي بعبارة اوضح النهضة تريد ان تمسك بالفخفاخ من «مقتله» وان تتحكم به وبجزء من اللعبة السياسية، إما هذا وإلا فإنها ستكون اول من يدفع الى المجهول، تحت شعار على وعلى اعدائي.
فالنهضة التي استهدفت شركاء الحكم وهم بالاساس التيار وحركة الشعب، بالتحذير من تكرار تقاطعهم مع لوائح الدستوري الحر، وسلطت ضغطها على الفخفاخ بملف تدرك انه يحرجه ويضعف موقفه كانها تريد منه ان يدرك لمن القوة، تريد عبر هاتين الحركتين ان تبلغ رسالة الى الرئيس قيس سعيد بانه لا يحتكم على اوراق اللعبة بمفرده.
ان النهضة ولاستعادة قدرتها على المبادرة تلوح بانها ستتبع سياسة الارض المحروقة وانها ليست في وضع ضعف او تحت سيف احد لتخشى من ان تذهب في خيارتها الى الاقصى، أي ان تدفع بالفخفاخ الى الاستقالة حتى وإذ كان يعني عودة المبادرة الى الرئيس مما قد يشرع ابوابا للانتخابات التشريعية المبكرة، إذا اراد الرئيس ان يصل اليها.
الحركة وباعلانها انها ستشرع في تقييم الحكومة والائتلاف أي التلميح الى امكانية الانسحاب منها او اسقاطها، تريد في الحقيقة ان تعيد ترتيب الوضع صلب الائتلاف الحاكم وان تجد موقعا متقدما فيه، وهو ما دفعها الى ان تصدر ازمتها الى الشركاء الذين تدرك النهضة انهم في مثل وضعها إذا سقطت الحكومة او استقال رئيسها قد يجدون انفسهم في ازمة كبرى، وهو ما تريد النهضة ان تستغله ضدهم بمنطق انها قد تخسر الكثير ولكنهم سيخسرون كل شيء، وهذا ما يجعلهم قابلين الخضوع من وجهة نظرها.