الحزب الدستوري الحر: في استراتيجية التعبئة والتجيش

امتلأت الساحة الامامية للمسرح البلدي يوم امس بأنصار الحزب الدستوري الحر، الذي استجابوا لدعوة امينتهم العامة عبير موسي

بالتظاهر احتجاجا على رفض مكتب المجلس للائحة تقدم بها الحزب وتنص على تصنيف «الاخوان المسلمين» تنظيما ارهابيا، وهو ما حرصت موسى في كلمتها لأنصارها على ان تبرزه وتشرح كيف انه يؤكد «هيمنة» الاخوان على البلاد ومؤسساتها.
هذا العدو الذي تستهدف عبير موسى تمدد وفق وصفها ليتسلل الى اجهزة الدولة ، فتونس اليوم تعيش على وقع نظام سياسي «هجين» يستغل لـ«ضرب الخصوم السياسي» مما ساهم في تنامي العنف السياسي، كما انها تعيش على وقع محاولات الافلاس لجرها الى المحور التركي..الخ.

عدو يتمثل في حركة النهضة التي ترفض عبير موسى الفصل بينها وبين تنظيم الاخوان المسليمين ، بل تعتبرها امتدادا له في تونس كما تعتبر رئيسها راشد الغنوشي «مرشدا لتنظيم الاخوان في المغرب العربي» وفق قولها والأمر لا يقف عند هذا الوسم بل يمتد ليرسم النهضة وزعيمها كشياطين او لعنة حلت بتونس ولا مناص من زوالهم.
هذا الزخم من الاوصاف السلبية والوسم الموجه للنهضة ليس الا ادوات اتصالية تستعملها رئيسة الدستوري الحر عبير موسى لتعزز تموقعها في المشهد السياسي، وهو استمرار لنهج اختارته منذ 2016 لكنه برز واخذ حيزه في الفضاء العام وفي اذهان التونسيين منذ بداية 2019 السنة التي تقدم فيها الدستوري الحر ليكون من بين الاحزاب الخمسة الاكثر شعبية في تونس.

هذا الحزب، الذي يقدم نفسه على انه سليل الحزب الاشتراكي الدستوري ووريث التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، وجد زخمه مع عبير موسى وخطابها القائم على التناقض الكلي مع النهضة والثورة، خطاب وجد له جمهورا من التونسيين الذين تختلف تقييماتهم للثورة ونتائجها ولكنهم يتقاطعون عند نقطة «الغضب» من النهضة والثورة.

تقاطع وظفته موسى بشكل «مثالي» الى حد الان، فهي تستغل كل حدث ومناسبة لتحقق مكاسب لها ولحزبها ، وأحدث فرصة منحت لها كانت رفض مكتب المجلس عرض لائحة الدستوري الحر المتعلقة بتصنيف الاخوان تنظيما ارهابا على جلسة عامة للتصويت عليها في اجتماع الاخير قبل يومين.

رفض اعتبرته موسى دليلا على ولاء النهضة لتنظيم الاخوان وليس لتونس، بل انه إثبات جديد على ان راشد الغنوشي هو «المرشد العام» للتنظيم، وانه مارس ضغطا على كتل وأحزاب لاسقاط لائحة حزبها وفي الاخير ووفق قولها نجح في ذلك اذ عقد صفقة مع قلب تونس بالضغط ومع ائتلاف الكرامة باعتباره تابعا له.
موسى لم تقف هنا بل جعلت من قلب تونس «تابعا» لحركة النهضة خوفا من كشف «ملفات» تدين رئيسه نبيل القروي الذي توعدته بكشف ملفاته، والقصد هنا ليس الا مزيدا من تشتيت الحزب وضربه لصالح الدستوري الحر، وإذا ان تعلق الامر بقاعدته الانتخابية او نوابه المتململين.

محاولة تكشف ان موسى تعتمد استراتيجية تقوم على ثابت اساسي هو موقفها من النهضة لحشد الانصار والتعبئة، ولكنها ايضا تقوم على هوامش ومحركات ثانوية وهي استهداف الخصوم المحتملين، قلب تونس او أي حزب من العائلة الوسطية الدستورية، فاما ان يقع تطويعهم للاقرار بزعامة موسى للصف المعارض للنهضة او ان يقع تصنيفهم في خانة «اتباع النهضة».

وفي الحالتين تكسب موسى نقاط فاما ان تكون هي الزعيمة باقرار منافسيها من العائلة الوسطية لها بذلك لتجنب ان يصنفوا كتوابع للنهضة او ان يرفضوا فتنصب هي نفسها كزعيمة وحيدة المعارضة للنهضة فعليا، وفي كلتا الحالتين تعزيز الاستقطاب الثنائي بينها وبين النهضة.

استقطاب اثبت الى حد الان انه مكن الحزب من التمدد في المشهد السياسي وكسب متعاطفين وانصار جدد، مثلت لهم موسى وحزبها البديل عن «نداء تونس» او أي قوة سياسية قادرة على «احداث التوازن» مع النهضة، حتى وان كانت هذه القوة تكرر في ذات خطاب نداء تونس استراتيجيته التي تغيرت بعد الفوز لتثمر عن تحالف وثيق مع النهضة.
تجربة تريد موسى ان تكررها ولانها تعلم ان الاكتفاء بالخطاب دون تحركات تبين «صدق» نوايها لن يكون كافيا، فقد عززت خطابها بترحكات سياسية من لوائح واعتصامات تهدف لتعزيز هذه الصورة في الاذهان، والاستفادة منها في تجيش الشارع وجعله يعيش في حالة «غليان» الى حين حلول الانتخابات التي تراهن موسى على انها ستفوز فيها بالمركز الاول ان حافظت على هذا الزخم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115