على مشروع القرار التونسي الفرنسي حول جائحة كورونا «كوفيد- 19» . ويأتي هذا القرار ليعيد بعض الألق الذي افتقدته الدبلوماسية التونسية طوال المدة الماضية بسبب ما شهدته من ضبابية وتباين في المواقف السياسية إزاء القضايا الخارجية والإقليمية المصيرية لا سيما في الملف الليبي .
وجاء اعتماد القرار بعد زيارة الصداقة والعمل التي أدّاها رئيس الجمهورية إلى فرنسا قبل أسبوعين حيث تمّ التطرق خلال المحادثات بين الرئيسين التونسي والفرنسي إلى مشروع القرار التونسي الفرنسي حول جائحة «كوفيد- 19» بعد التعثّر الذي شهده مسار المفاوضات بين بعض أعضاء مجلس الأمن. ويبدو ان زيارة رئيس الجمهورية الأخيرة الى فرنسا قد أعطت دفعا جديدا لهذا القرار خاصة انه كان ضمن صلب أهداف الزيارة، والتي كانت فرصة هامة للتأكيد على عمق العلاقات التي تربط البلدين، بما يتطلبه ذلك من ضرورة تمتين العمل المشترك بين تونس وفرنسا ودعم العلاقات الثنائية . وبذلك فان هذا القرار هو كسب هام أيضا للعلاقات الثنائية التونسية الفرنسية .
أهم البنود
واهم ما جاء في قرار مجلس الأمن رقم 25/32 (2020 ) المتعلق بجائحة كوفبد 19والمقدم من طرف تونس وفرنسا، المطالبة بالوقف العام والفوري للأعمال القتالية في جميع الحالات المعروضة عليه ويدعم مجلس الأمن الجهود التي يبذلها الأمين العام وممثلوه ومبعوثوه الخاصون في هذا الصدد . ودعوة جميع أطراف النزاعات المسلحة إلى الانخراط الفوري في فترة وقفة إنسانية تدوم لمدة 30 يوماً متتالية على الأقل، وذلك للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومستدام ودون عوائق ، وتوفير الخدمات ذات الصلة من قبل الجهات الفاعلة الإنسانية المحايدة، في كنف احترام مبادئ الإنسانية، والحياد، والموضوعية، والاستقلالية، والسماح بالإجلاء الطبي، وفقا للقانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي وقانون اللاجئين حسب الاقتضاء ؛ ويعلن أن الوقف العام والفوري للأعمال القتالية وهذه الوقفة الإنسانية لن ينطبقا على العمليات العسكرية الموجهة ضد داعش الارهابي في العراق و الشام ، وتنظيم القاعدة وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمشاريع والكيانات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة أو داعش الارهابي ، وكذلك الجماعات الإرهابية الأخرى التي صنفها المجلس.
ويطلب من الأمين العام أن يساعد في ضمان قيام جميع الهياكل ذات الصلة في منظومة الأمم المتحدة، بما في ذلك الفرق القطرية للأمم المتحدة، مع مراعاة ولاية كل منها، بتسريع استجابتها لوباء كوفيد-19، مع التركيز على البلدان المحتاجة، بما في ذلك تلك التي تعاني من نزاع مسلح أو أزمة إنسانية ؛ كما يطلب القرار من الأمين العام إبقاءه على علم بجهود الأمم المتحدة للتصدي لوباء كوفيد-19 في البلدان التي تعاني من نزاعات مسلحة أو أزمات إنسانية، فضلا عن الآثار التي أسفر عنها الوباء والمتعلقة بقدرات عمليات حفظ السلام والبعثات السياسية الخاصة على القيام بالمهام ذات الأولوية. كما يطلب من الأمين العام أن يوجه تعليمات لعمليات حفظ السلام لتقديم الدعم لسلطات البلد المضيف، وفقا لولاياتها ومع مراعاة قدراتها، في جهودها لاحتواء الوباء، وخاصة بهدف تيسير وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك إلى النازحين ومخيمات اللاجئين، والسماح بعمليات الإجلاء الطبي، ويطلب من الأمين العام والدول الأعضاء اتخاذ جميع التدابير المناسبة لحماية أمن وسلامة وصحة جميع موظفي الأمم المتحدة المشاركين في عمليات الأمم المتحدة للسلام، مع الحفاظ على استمرارية العمليات، واتخاذ أي تدابير أخرى لتدريب أعوان عمليات حفظ السلام على المسائل المتعلقة بمنع انتشار كوفيد-19 .
كما يعترف بالدور الأساسي الذي تؤديه المرأة في مكافحة كوفيد-19، وكذلك الآثار السلبية وغير المتناسبة، ولا سيما على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، للوباء على النساء والفتيات والأطفال، واللاجئين والنازحين والمسنين و الحاملين لإعاقة، ويدعو إلى اتخاذ إجراءات ملموسة للحد من هذه الآثار وضمان مشاركة النساء والشباب مشاركة كاملة وحقيقية، وعلى قدم المساواة، في تطوير وتنفيذ استجابة مناسبة ومستدامة للوباء .
وقد ساعدت هذه المحاور غير الخلافية على اعتماد مشروع القرار بعد انخراط كافة أعضاء مجلس الأمن في مساندته . يذكر أنّ المشروع التونسي قد لقي ترحابا وتقديرا من قبل مجلس الأمن منذ اقتراحه من قبل رئيس الجمهورية وقد شهد عدة تعديلات من اجل تجاوز بعض النقاط الخلافية بين الدول خاصة الولايات المتحدة والصين ، وهو ما أدى الى حذف البند المتعلق بأهمية دور منظمة الصحة العالمية وكذلك البند المتعلق بمساعدة الدول على مواجهة التداعيات الاقتصادية لكورونا .
حشد الدعم
يشار الى ان مشروع القرار منذ اقتراحه لأول مرة في صيغته التونسية في مارس الماضي ، كان محل مباحثات مكثفة من قبل رئيس الجمهورية ، حيث خاضت تونس جهودا دبلوماسية حثيثة لتمرير هذا المشروع من خلال حشد الدعم الدولي والعربي . والمعلوم ان مشروع القرار في صيغته التونسية الأولى كان يتضمن عديد النقاط التي تهدف بالأساس الى حشد أكثر ما يمكن من الجهود الدولية لمنع تأثير انتشار الفيروس على السلام و الأمن الدولي وخاصة مناطق النزاع كما يتضمن الدعوة الى وقف إطلاق نار إنساني عالمي فوري، وإلى اتخاذ تدابير لحماية الفئات الهشة في مناطق النزاع من لاجئين ومشردين ونساء وأطفال وأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة. الى جانب حثّ الدول والجهات الفاعلة للتنسيق خاصة حول إمدادات الإغاثة الإنسانية وأعوان الصحة والحث على التعبئة وتوفير الخبرات التقنية و القدرات الطبية خاصة التشخيص السريع و تدريب أعوان الصحة إلى جانب تبادل الخبرات.
وكانت هذه المسألة محورا رئيسيا في مباحثات رئيس الدولة مع نظرائه وخلال المقابلات الرسمية التي أجراها مع ضيوف تونس . وكذلك خلال الاجتماعات التي تمّ عقدها برئاسة الجمهورية مع عدد من رؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدة في تونس في إطار متابعة مجريات هذا الملف.
وقد أكدت رئاسة الجمهورية في بيانها ان اعتماد هذا القرار يؤكد مدى أهمية الدبلوماسية متعددة الأطراف كآلية أساسية في العمل السياسي الدولي وفضاء للتعاون والتضامن والتآزر والمساندة المتبادلة بين الدول في أهم مجريات الأحداث الدولية ذات الاهتمام المشترك ولا سيما إذا تعلق الأمر بمسائل ذات طابع إنساني أو من شأنها أن تشكّل تهديدا للأمن والسلم الدوليين. كما يبرهن اعتماد القرار على أنّ التكاتف والتضامن بين الدول يعدّ قيمة أساسية لمجابهة مختلف التحديات لا سيما منها تلك التي تهدّد الأمن والسلم الدوليين على غرار جائحة كورونا التي أثبتت الأحداث أنّ معالجتها بشكل فاعل لا يمكن أن يكون بشكل فردي وإنما في إطار جماعي ومن خلال تكاتف المجهودات الدولية.
دفعة جديدة
ويعطي هذا القرار دفعة جديدة للدبلوماسية التونسية خاصة بعد ما عرفتة من جمود تجسم في غياب المواقف الرسمية الواضحة في عديد الملفات الحارقة مثل الملف الليبي، وذلك منذ وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وقبل اجراء الانتخابات الرئاسية وخلالها . حيث بقيت تونس دون وزير خارجية في فترة حساسة ، مما أثر سلبا على دورها في عديد الملفات الهامة . ولكن في الآونة الأخيرة بدأت الدبلوماسية تستعيد بعضا من عنفوانها ، وتجسّد ذلك من خلال المواقف الأخيرة لرئيس الجمهورية قيس سعيد وكذلك خلال زياراته الأخيرة الى كل من الجزائر وفرنسا ، حيث بدأ يبرز موقف آخر مهم في الموقف الليبي لا ينتصر لطرف على حساب طرف آخر ويغلّب مصلحة الشعبين الليبي والتونسي. وتجسدت القرارات الأخيرة في اطار عودة الدبلوماسية التونسية الى سالف اشعاعها ونشاطها خاصة انها دبلوماسية عريقة تستند الى جذور ومبادئ أصيلة مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وفضّ النزاعات بالطرق السلمية والبحث عن السلم والوئام العالمي، وهي دبلوماسية عريقة مرت عليها عديد الوجوه والشخصيات الوطنية التي لمعت في بلادنا مثل منجي سليم والرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وغيرهم .
لقد عرفت الدبلوماسية التونسية بعض الوهن والجمود خلال المدة الأخيرة بسبب المضايقات والضغوط التي تعرضت لها من خلال أطراف أخرى أرادت السطو على صلاحيات رئيس الجمهورية وكادت تدخل البلاد في أزمات كبرى دبلوماسية. مما أربك صورة تونس في الخارج خاصة أن أكثر من جهة كانت تتدخل في المستوى الدبلوماسي في أكثر من ملف خارجي وبطريقة مغايرة. لكن زيارة فرنسا وضعت النقاط على الحروف ووضّحت الصورة على المستوى الدولي لمواقف تونس الخارجية بشأن أكثر من ملف بينها الملف الليبي وأصبحت واضحة للعالم . وتجلى ذلك ليس فقط في الندوة الصحفية المشتركة بين الرئيسين التونسي والفرنسي بل أيضا في الحوارات التي أجراها الرئيس خلال الزيارة، فلأول مرة يظهر موقف الدبلوماسية التونسية ممثلا برئاسة الجمهورية بشكل واضح ومتماسك . وهاهي الآن تستعيد سالف نشاطها وتعمل وفقا للدستور الذي منح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة في السياسة الخارجية .
ويحمل هذا القرار بعدا هاما لا على ما يتعلق بالمستوى الدبلوماسي وبتموقع تونس بصورة أفضل على المستوى الدولي فقط بل أعطى مفهوما جديدا للعلاقات الدولية يرتكز على البعد الإنساني . وتمثّل ذلك من خلال التأكيد على ضرورة المقاومة المشتركة لتفشي جائحة كورونا بشكل يؤكد أهمية التضامن الدولي بين الدول والشعوب ، وأيضا على أساس ان تكون الأمم المتحدة فعلا متحدة من أجل الانسانية وليس فقط من أجل المصالح وميزان القوى وهذا ما تقوم عليه المقاربة التونسية للملفات الخارجية الحارقة. واليوم مصادقة مجلس الأمن على القرار التونسي الفرنسي هي خطوة أولى ولكنها تفتح الباب على قرارات أخرى قد تليها وترتكز أكثر على هذه المقاربة الانسانية في العلاقات الدولية.
بعد مصادقة مجلس الأمن بالإجماع على مشروع القرار التونسي الفرنسي حول كورونا: الدبلوماسية التونسية تستعيد عافيتها
- بقلم روعة قاسم
- 10:15 03/07/2020
- 862 عدد المشاهدات
بعد مسار طويل من المفاوضات والمباحثات امتد على مدى أربعة اشهر ، صادق مجلس الأمن بإجماع كافة أعضائه الخمسة عشر اول امس