التي تورط فيها رئيس الحكومة الياس الفخفاخ، ولكل منها مصالح ومطامح يرغب في يحققها عبر ادارته للملف في زمنه السياسي.
خلال الساعات التي تجاوزت الـ13 ساعة وهي الزمن الذي امتدت فيه مداخلات النواب ورئيس الحكومة في الجلسة العامة المخصصة للحوار مع الحكومة وتقييم 100 يوم عمل، كشفت جل الكتل الوازنة في المشهد السياسي اليوم عن تموقعها من الحكومة بالاستناد الى شبهة تضارب المصالح التي تورط فيها الياس الفخفاخ عبر تعاقد شركة يمتلك اسهما فيها مع الدولة في صفقتين تقدران بـ45 مليون دينار.
جلسة وان كانت في جدول الاعمال مخصصة لتقييم عمل الحكومة ومناقشة خطتها للانعاش الاقتصادي والاصلاحات الا انها انغمست في مناقشات تتعلق بتموقع الكتل البرلمانية من الحكومة وموقفها منها ومن رئيسها، لتوحي الجلسة بعد مرور اقل من نصفها بان الحكومة باتت في وضع صعب وان رياح اقالتها هبت.
رياح تعالت في كلمات نواب المعارضة الذين انقسموا الى شقين، شق يقوده الدستوري الحر الذي لم يقف طويلا عند ملف تضارب المصالح باعتبار ان «فساد الحكومة» معلوم وهو اشد مما ظهر، هذا بالاضافة الى ان الدستوري الحر الذي لم يمنح ثقته للحكومة لا يحصر معارضته فيها بل في المنظومة التي افرزتها.
موقف الدستوري الحر ظل منسجما مع خطه السياسي القائم على التمايز مع منظومة ما بعد الثورة والقصووية في معارضتها باعتبارها منظومة تؤمن مكانا للاخوان في المشهد السياسي. اي ان الدستوري الحر ورئيسته لم يجدا في جلسة امس ما يسمح لهما بكسب نقاط او يغريهم باعادة التموقع.
اما الشق الثاني من المعارضة التي يعبر عنه تقاطع قلب تونس وائتلاف الكرامة، فقد عبر كل من عياض اللومي واسامة الخليفي عن رؤية قلب تونس ومعه ائتلاف الكرامة من الملف الذي اعتبروه ملف فساد مثبت ينضاف الى مؤخذاتهم على الحكومة التي يعبرونها فاشلة، وهاتان النقطتان تدفعانهما الى «اعداد لائحة لوم لسحب الثقة» وفق اللومي.
اما زميله في الحزب ورئيس الكتلة اسامة خليفي فقد اكد ان موقفهم المتشدد من الحكومة ورئيسها ليس لرغبة في المشاركة في الحكومة فهم باتوا ضد المشاركة فيها، وهذا موقف عبر عنه نبيل القروي رئيس الحزب يوم الجلسة.
هذه التصريحات، بالإضافة الى تصريحات قادة ائتلاف الكرامة، تكشف بشكل جلي عن انتقال الثنائي قلب تونس والكرامة الى مرحلة ثانية في التعاطي مع الفخفاخ وحكومته، فمن التقرب او كسب الود عبر التصويت لمشاريع قوانين حكومية بهدف ابراز اهمية الكتلتين بما يسمح بإيجاد منفذ الى الحكم الى الصدام والتلويح بلائحة سحب للثقة.
لائحة سبقتها حملة اتصالية تستهدف الحكومة ورئيسها ، وكلى الورقتين لا يرغب في ان ينتهيا الى اسقاط الحكومة وانما لرفع منسوب الضغط عليها بما يدفع رئيسها الى مراجعة موقف الرافض لتوسيع الائتلاف الحاكم.
هذه الحقيقة يدركها المتحالفان الجديدان قلب تونس وائتلاف الكرامة، فهما غير قادرين على الذهاب بلائحة لومهما ابعد من التلويح وفي اقصى حد اطلاق حملة لجمع امضاء النواب على لائحة اللوم، لإضفاء جدية على تهديدهما.
عدم اقدرة على الذهاب ابعد يعود بالاساس الى موقف النهضة التي لاتزال تحفظ «شعرة معاوية» بينها وبين الحكومة، لا حبا فيها وانما لتجنب انفلات الامور من يدها إذا ذهبت الى الاقصى والتحقت بركب المنادين بسحب الثقة.
موقف النهضة اتي عبر نور الدين البحيري بشكل جلي والذي عبر عن موقفها الرسمي، وهو انها كتلة مشاركة في الحكم ومعتزة به، ترغب في ان تكون العلاقة بينها وبين الفخفاخ متصلة بشعرة ، ان هو شد ارخت له وان هو ارخى شدت هيا، وما ملف تضارب المصالح، على خطورته، للحركة اكثر من ورقة مناورة سياسية ، فالنهضة التي لا ترغب في ان تتحمل التكلفة السياسية لإقالة الحكومة او دفع رئيسها للاستقالة لانها تدرك ان هذا سيكون على حسابها هي بالاساس، وان افضل خيار لها هو عدم السماح للامور بالانفلات ولكن مع تحقيق مكاسب.
هذه المناورة ترغب من خلالها النهضة ان تصيب احدى القافلتين ، اما توسيع الحزام السياسي وإلحاق قلب تونس به لضمان توازن في القوى بينها وبين باقي المكونات، او الادنى وهو اعادة ترتيب البيت الداخلي والإقرار بأحقية الحركة ان تكون في الحكم لا على هامشه وان يتوقف اطلاق النيران الصديقة عليها من الحكومة.
مطالب عبر عنها النواب بشكل او باخر في كلماتهم، وكشفته الخطوط التي رسمتها النهضة تحت شعار النصح والإرشاد لحكومة فهي تتمسك بان تكون منها وفيها فانها تصر على نصائحها وتدفع الى تحقيقها.
هكذا هو الزمن السياسي الحالي ، ثلاث كتل ترغب في ان تعيد رسم المشهد بما يتناغم مع رؤيتها وتصورتها الداخلية والخارجية، لكن لكل منها خطة عمل تختلف عن الاخرين وان كانت كل الخطط تؤدى الى هدف وحيد.