ليمنح بذلك البلاد إمكانية الانطلاق في التغيير وتجسيد اهداف الثورة ، وهي الشغل والحرية والكرامة، ويفتح بابا الامل على تونس اخرى ممكنة.
خلال الساعات الـ48 الممتدة من يوم الثلاثاء الى الاربعاء 16و17 جوان 2020، ترقبت البلاد مآل مناقشة مجلس نواب الشعب لقانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني، مشروع قانون وقع انطلاق مناقشته منذ 2016، وانتهى مساره اول امس بالمصادقة عليه وبفتح مجالات وافاق جديدة في بلد يعيش منذ بداية الالفية ازمة اقتصادية تعمقت مع الثورة.
أزمات تتالت لتساهم في تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقصادية، ولعل نسبة البطالة العامة او البطالة في صفوف حاملي الشهادات العليا كاف لشرح عمق الازمة التي نعيشها والتي تتجسد في كل المؤشرات المتعلقة بالاقتصاد الكلي (الدخل القومي الخام والناتج المحلي، الاستهلاك ، الإدخار، الاستثمار، التضخم....).
ازمة قد لا يكون الاقتصاد الاجتماعي التضامني هو الحل السحري لمعالجتها ولكنه بداية طريق الاصلاح ومراجعة المنوال التنموي التونسي الذي لم يشهد أي مراجعة جذرية منذ ستينيات القرن الماضي.وهذه الاهمية تكمن في المبادئ الاساسية التي يقوم عليها الاقتصاد التضامني.
اولها أولوية الإنسان وقيمة العمل والاندماج في المجتمع المحلي واعلاء قيمة التشارك وحماية المصلحة الجمعية واعلائها على المصالح الفردية او الخاصة ، هذه المبادئ هي جزء من حزمة تقود الى تحقيق هدف اساسي وهو التوازن بين متطلبات الجدوى الاقتصادية وقيم التضامن الاجتماعي كخطوة لتحقيق النمو المندمج و التنمية المستدامة اذ أن الاقتصاد التضامني يمثل منظومة متناسقة تعمل لتحقيق الإدماج لشرائح عدة اقصها سوق الشغل او عجزت عن الدخول فيه لغياب المؤهلات المطلوبة او لقلة فرص العمل الخ.. وبإقرار هذا القانون نكون قد خطونا في اتجاه فك العزلة وتوفير الفرصة لفئات هشة او مهمشة للاندماج الشامل عبر مشاريع ذات مردودية ونجاعة اقتصادية واجتماعية.
فهذه المشاريع ووفق نص القانون المصادق عليه تقوم على آلية التشاركية، اذ هي تقوم على مبدإ دمج أفراد لهم خبرات مختلفة في مسار إنتاجي اما بتوفير خدمات لصالح فئة اجتماعية أو نشاط اقتصادي يهدف للربح، لكن هنا الاختلاف يكمن في الزامية اعادة استثمار نسبة هامة من الارباح في تطوير المشروع او بعث مشاريع جديدة وفي تخصيص نسبة 1 % من الارباح اما لتدخلات اجتماعية او بيئية او ثقافية للقيام بالدور الاجتماعي.
جوهر هذا القانون يقوم على ثنائية تحقيق المردودية الاقتصادية والخدمة المجتمعية، اذ انه يقوم على فكرة التنمية المستدامة الهادفة الى تحقيق العدالية الاجتماعية وتوفير مواطن الشغل وضمان العمل اللائق، وهي عناصر ستساعد على خلق ديناميكية محلية ووطنية تخلق الثروة وتحقيق الرفاه.
هذا القانون بإمكانه المساهمة في بناء تونس أخرى ففي التقديرات الاولية ينتظر ان تبلغ مساهمة هذا القطاع القائم بذاته ، القطاع الثالث، 10 نقاط من الناتج القومي الخام وان يوفر عشرات الالاف من مواطن الشغل سنويا ، لكن هذا مرتهن بعدة اليات وجب ان تسعى الحكومة وكل المتداخلين لتوفيره:
اولها مصادر تمويل بديلة وإحداث خط تمويل عمومي او لدى البنوك لتمويل مشاريع اجتماعية تضامنية وتمكين الباعثين من الانتصاب وبعث مشاريع باقل عوائق ومتطلبات وشروط تدفع للعزوف عن المبادرة او التطوير، سواء أتعلقت بالإجراءات الادارية التي قد تمثل العقبة الاولى للباعثين او للشروط الصعبة التي تفرض لتمويل المشاريع الخ.
كما انه يجب الانتباه الى ضرورة توفر مخطط لتركيز ودعم وتأطير مبادرات الاقتصاد التضامني والاجتماعي الذي يقوم على مبدإ اللامركزية وعلى توفير امكانية الولوج لهذا المسار لكل الفئات خاصة الهشة المقصاة من سوق الشغل والتي تجد عقبات اكثر من غيرها في الحصول على تمويلات او مرافقة في بعث المشاريع أي ضرورة ان يقع العمل منذ الان على تنزيل الاستراتيجية الوطنية التي وضعت في 2016 المتعلقة بالاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي قد يكون الفرصة الوحيدة لمئات الالاف من التونسين الرازحين تحت خط الفقر للخروج مما هم فيه، اذ ان التجارب المقاربة اثبتت ان الاقتصاد التضامني هو الخيار الافضل حاليا.
تجارب اوروبية على غرار تجارب فرنسا ايطاليا هولاند او تجارب امريكيا الجنوبية أو البرازيل أو بوليفيا الخ بينت ان هذا القطاع الاقتصادي قادر على ان يكون مساهما في تحقيق تنمية عادلة ومستدامة توفر فرصا متكافئة لملايين الاشخاص، فقط إذا أحكم تنزيله .