في ملفات عدة اخرها كان مآل وثيقة «عهد التضامن والاستقرار» التي وئدت بسبب الخلافات بين احزاب الحكومة.
يوم امس كشف الامين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي عن عدم توقيع وثيقة «عهد التضامن والاستقرار» التي قدمها الياس الفخفاخ لاحزاب الحكم وكان منتظرا ان يقع الامضاء عليها في الاسبوع الفارط، ولكن الخلافات بين المكونات الحزبية للحكومة حالت دون ان تشهد هذه الوثيقة النور ليشير المغزاوي في تصريح لـ«المغرب» بان سقوط الوثيقة التي وقع الاتفاق الاولي مع الفخفاخ بشانها في مأدبة الافطار التي جمعته بقادة الاحزاب والكتل المشاركة في حكومته، كان بسبب تخلف حركة النهضة عن الموعد المحدد للتوقيع مع اشتراط توسيع الائتلاف الحكومي للتوقيع على الوثيقة.
وثيقة قال المغزاوي ان حزبه لها عليها جملة من الاحترازات وقدم تعديلاته وتوجه الى رئاسة الحكومة الاربعاء الفارط للمشاركة في لقاء التوقيع لكن رئاسة الحكومة اعملتهم ان حركة النهضة اعتذرت عن المشاركة وعن ختم الوثيقة وقدمت شروطها التي يتمسك المغزاوي برفضها مشيرا الى ان الفخفاخ اعرب من قبل عن رفضه لتوسيع الائتلاف الحاكم.
اقرار المغزاوي بفشل التوقيع على وثيقة ينص مضمونا على تجنب التلاسن بين الاحزاب المشاركة في الحكم وعلى ان يقع دعم الحكومة والتضامن معها ونقاط اخرى تهدف الى تعزيز الترابط بين الحزام السياسي للحكومة خاصة في البرلمان، ينضاف الى اشارة صريحة بان الوثيقة لا معنى لها ما لم تلتزم الاحزاب بما يقع الاتفاق عليه.
وهنا يكشف المغزاوي عن ان التاريخ القريب بين ان الامضاء على الوثائق لا يعنى انها ستطبق مستشهدا بالالتزام الذي وقع الامضاء عليه في 2011 ونص على ان تقع صياغة الدستور في اجل اقصاه سنة ، لكن لم يقع احترام هذا الالتزام. ليعتبر ان المشاكل بين الاحزاب لا تعالج بالوثائق بل «بإخلاص النوايا».
اخلاص يعتبره اساسيا ليتمكن الائتلاف الحكومي الذي يصفه بأنه «غير تقليدي» من اداء مهامه التي حددت له في الوثيقة التعاقدية التي عليها شكلت الحكومة وأوجدت هذا الائتلاف غير التقليدي الذي فرضته نتائج الانتخابات وفشل النهضة في تشكيل حكومتها.
فشل يعتبره المغزاوي سبب في انزعاج النهضة من وجودها في حكومة لا تقودها وهذا ادى الى جملة من الاشكاليات والمشاكل من بينها وفق المغزاوي التحالف البرلماني الذي شكلته النهضة وهو تحالف يقول ان النهضة ترغب في ان تقحمه في الحكومة بدعوتها لتوسيع الائتلاف.
تحميل النهضة مسؤولية التعثر والفشل لا يقتصر فقط على عدم ختم الميثاق الاخلاقي السياسي بل يشمل ايضا تحملها لمسؤولية الازمة في مجلس النواب التي انعكست على الوضع الحكومي وعلى المشهد السياسي العام، اذ يعتبر المغزاوي ان ادارة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة لمجلس نواب الشعب ليست محل توافق. اذ انه يبحث ، وفق المغزاوي، على توسيع صلاحياته ويغفل عن انه نائب وقع انتخابه من قبل زملائه لادارة البرلمان واشغاله وليس لادارة الدولة ومنافسة رئيس الجمهورية على صلاحياته.
هذا النقد المباشر للنهضة يتزامن مع دفع حركة الشعب وعدد من الاحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم الى عقد جلسة لمسالة راشد الغنوشي على خلفية تهنئته لحكومة السراج باسترجاع قادة الوطية العسكرية وهو ما اعتبر تجاوزا للصلاحيات وإقحاما لتونس في سياسية المحاور. لكنه بالاساس جولة جديدة من الصراع الدائم بين مكونات الائتلاف وبحثها عن التماهي فيما بينها خاصة مع النهضة.
حركة يقول القيادي فيها سامي الطريقي انها توقعت هذه الازمات والمعارك منذ البداية وانها اخبرت الفخفاخ ان الحزام السياسي الذي يسعى لان يكون به الحكومة سيجعله يمر بفترات صعبة، اذ ان جل من في الائتلاف تقودهم الخشية من ان يكون مصيرهم الفشل في الاستحقاق الانتخابي القادم نتيجة الحكم مع النهضة اضافة الى انهم يعيشون على وقع صراعات داخلية وضغوطات تحول دون ان يقع تجاوز خلافات الماضي او البحث عن نقاط التقاء.
اسباب يعتبرها الطريقي تندرج في اطار المناورات السياسية وبحث شركاء الحكم على احراج النهضة بعناوين سياسية باتت اليوم تطال رئيس الحركة، بعد ان كانت مقتصرة على اتهام النهضة بأنها «ساق في الحكم وساق في المعارضة». وهي تهمة تقول النهضة ان من يوجهها اليها يقر لها بأنها مرنة وقادرة على ايجاد ارضيات سياسية مع كل الاطراف ومنها المعارضة التي قادتها النهضة لتصادق على مشاريع قوانين في البرلمان حينما تخلفت كتل الاحزاب الحاكمة.
تذكير ينطلق منه الطريقي ليشير الى ان حركته تعتبر ان الائتلاف الحاكم في شكل الحالي يعاني من معضلة تتمثل في عدم جاهزية بعض من مكوناته ليدعم الحكومة في مرحلة ما بعد الكورونا والتي تحمل عنوانا كبيرا هو الإصلاحات التي تشير النهضة الى انها ضرورية لذلك يجب النظر في كل الاحتمالات.
نظر يستوجب ايضا ادراك ان الاحتكاك بين مكونات الحكومة سينعكس عليها سلبا وسيؤدي الى صعوبات جديدة ، وهنا يحمل الطريقي المسؤولية لباقي مكونات الحكومة ولرئيسها الياس الفخفاخ . اذ يشدد الطريقي على ان النهضة تحملت مسؤوليتها وقامت بأدوارها وهي وان كانت تتفهم بحث الفخفاخ عن دفع الاحزاب الى تجاوز خلافاتها والتراشق الاعلامي فانها اليوم تنتظر منه ان يفرض نسقه وجدارته برئاسة الحكومة.
انتظار لا يعنى ان العلاقة بين النهضة ورئيس الحكومة قد ساءت بل يشدد الطريقي على ان علاقتهما جيدة - بل وان علاقة رئيس الحركة برئيس الجمهورية جيدة وان كانت هناك خلافات تتعلق بالصلاحيات بينهما- وان النهضة متمسكة بعدم الامضاء على الوثيقة في الوقت الراهن الى حين معالجة اصل الاشكال المتمثل في الهجوم الذي تشنه احزاب الحكومة على رئيسها.
هجوم يقول الطريقي انه يتزامن مع محاولات هذه الاحزاب ان تضغط على النهضة لتوقع على الوثيقة وهو ما لا تقبله الحركة التي تعتبر ان الختم على وثيقة في ظل التوجه الحالي لشركاء الحكم لن يكون له معنى، اذ ستبقى حبرا على ورق. لذلك فانها تجعل امضاءها مرتبطا بتحلي الشركاء بالجدية.
في ماعدا ذلك فالحركة على استعداد لمغدرة الحكومة ان كان شركاءه يردون ذلك وعليهم ان يتحملوا المسؤولية وكذلك الفخفاخ الذي تطالبه النهضة اليوم بفرض ايقاعه على الاحزاب وفرض الانضباط الحكومي عليها.
رغبات متنافرة يبدو انها ستغزز التباين بين احزاب الحكومة التي ترغب النهضة في توسيع قاعدتها، وهو ما تستند اليه باقي المكونات في صدامها المفتوح مع النهضة في ظل معارك تموقعات تختلط فيها الاوراق ووتتشابك لتحاصر حكومة الفخفاخ قبل ان تسقطها ان استمر الوضع كما هو عليه الان.