اية مناسبة لتغذية التوتر بينهم، توتر تصاعدت حدته خاصة بين رئاسة الجمهورية والبرلمان واللذين باتا في صراع على الشرعية والمشروعية.
اختار رئيس الجمهورية قيس سعيد مشاركته في مأدبة افطار يوم الجمعة الفارط بالأكاديمية العسكرية بفندق الجديد ليوجه رسائل مبطنة وصريحة الى البرلمان الذي استفزته قبل اسبوع كلمات الرئيس في قبلي والتي تحدث فيها عن ما اعتبره البرلمان تحريضيا ضده ودعوة لحله.
دعوة جابهها البرلمان بشن هجوم ضد الرئيس بشكل مباشر وصريح بل والتلويح على لسان بعض اعضائه بسحب الثقة من الرئيس، ليستعر الصراع بينها طوال هذا الاسبوع الذي نغادره وقد اجاب الرئيس على البرلمان.
اجابة جاءت في كلمة توجه بها من الاكاديمية العسكرية جاء في مستهلها تذكير بتاريخ الجيش الوطني ونشأته ودوره، دون ان يغيب عن الرئيس تأكيد ثقته المطلقة في قواتنا المسلحة العسكرية وفي رجالها ونسائها وثقته في الحفاظ على الوطن والحفاظ على الشرعية.
ثقة قال الرئيس سعيد انها تنجم عن دور المؤسسة العسكرية التي لم تعد تقتصر على الادوار التقليدية للجيوش بل تشمل دعم السلط المدنية في الفلاحة والصناعة وفي تأمين الامتحانات وتأمين الانتخابات وفي الصحة .
وبعد الإشادة بالجيش انتقل الرئيس ليوجه رسائله الصريحة والمبطنة للبرلمان، وقد استهلها ببيت شعر للمتنبي يقول فيه «من البلية عذل من لا يرعوي عن جهله» ليستطرد الرئيس ويشدد على انه «من البلية أيضا خطاب من لا يفهم».
ليشرح لاحقا المقصود بقوله ان البعض ذهب به الظن ليجعل من تقاسم مآدب الإفطار مع القوات المسلحة العسكرية والأمنية مقدّمة «لما يتوهمون» وان هؤلاء الواهمين اعتادوا العيش على « الكذب والرياء والافتراء» ليرد على من اعتبر في تحركاته محاولة لحشد المؤسسة العسكرية والامنية خلفه في صراعه مع البرلمان.
محاولة نفاها الرئيس وهو يشدد على انه كما المؤسسة العسكرية «حريصون على الشرعية ، بل أكثر حرصا على هذه الشرعية من الحالمين الواهمين الكاذبين المفترين» ، ليشير الى ان الرئاسة ملتزمة بمرجعها وهو «القانون ، على نقائصه أحيانا وعلى ثغراته» ، مؤكدا ان الرئاسة ستظل ملتزمة بهذا المرجع وان وجهت له النقد لانها تؤمن بان «القانون لا يُغيّر إلا بالقانون».
ومن الرد على محاولة حشد المؤسستين العسكرية والامنية انتقل الرئيس ليشدد على ان من يتهمونه بـ«الدعوة للفوضى» مخطئون فهو «لم ولن يكون» من الدعاة للخروج عن الشرعية، كما اول البعض كلماته في قبلي حينما تحدث عن سحب الوكالة/ الثقة من المنتخبين ان اخلوا بالتزامهم مع الناخبين.
عند هذا الحد انتهى الرئيس من الدفاع والرد ليوجه سهامه إلى البرلمان، ليشير الى ان البعض، والقصد الائتلاف البرلماني المتكون من النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، لا يفهمون الفرق بين «الشرعية والمشروعية» ، وعليهم اليوم ان يستوعبوا هذين المفهومين اللذين قال انه اشار اليهما في قبلي.
اشارة عاد اليها قيس سعيد استاذ القانون وذكر بانه تحدث عن امكانية «سحب الوكالة من النائب الذي لم يسع إلى تحقيق مطالب ناخبيه» ، لكن البعض فهم الامر على عكس المراد منه وذلك «ربما عن جهل وربما عن سوء نية» ليفسر سبب توجيه نواب من البرلمان نقدهم اليه واتهامه بالتحريض على «الانقلاب او الاعتصام».
وبعد توجيه النقد والتلميح الى جهل جزء من النواب بالقانون والدستور وبفقههما، اتجه الرئيس الىتقديم درس في القانون الدستوري يتعلق بآلية سحب الوكالة إذا كانت طريقة الاقتراع هي الاقتراع على الأفراد، مشيرا الى ان الفصل 109 من المجلة الانتخابية القديمة كان ينص على أن كل عضو من أعضاء مجلس الأمة وقع رفته لأي سبب من الأسباب من طرف الحزب أو المنظمة التي زكت ترشحه، ينتهي انتسابه إلى مجلس الأمة.
وان هذا الفصل الذي وقع اعتماده مرتين تم الغاؤه ايضا في مناسبتين اخرهما كانت في 1981 لتعارضه مع دستور 1959 لكن هذا الفصل وقع احياؤه بصيغة مختلفة من قبل البرلمان لدى طرحه مسالة السياحة البرلمانية ولدى تطرق لتعديل نظامه الداخلي.
تعديل اقر بان النائب الذي يستقيل من كتلة الحزب او من الحزب يفقد اليا عضويته في المجلس مع الاقرار بوجود بعض ألاستثناءات، مثّل منذ طرحه عناصر لتغذية الصراع والتوتر بين المؤسستين، رئاسة الجمهورية و البرلمان، الذي يعتبر الرئيس انه يريد ان يجعل من عضو مجلس الشعب نائبا «عمّن رشحه ورتبه في قائمة المترشحين» وليس نائبا عمن انتخبه.
هذا المسعى المح الرئيس الى انه يمس من الشرعية الانتخابية باعتبارها «لن تكون تعبيرا صادقا كاملا عن المشروعية إلا حين يكون التشريع تعبيرا صادقا بدوره عن إرادة صاحب السيادة» ، وهو أغلبية الشعب .
اذكاء الخلافات بين المؤسستين يبدو انه انتقل الى فضاء جديدة يتعلق بالشرعية والاهلية حيث استعان الرئيس بزاده المعرفي والقراني ليسحب بشكل غير مباشر الاهلية عن البرلمان حينما اعتبر ان بعض مكوناته «للأسف» تعاني من «جهالة» وانها تريد «ان تبقى في الشقاوة».
رغبة اعتبرها قيس سعيد مرضا في القلوب تعود على اصحابها بزيادة المرض، والمرض اصاب افئدة في البرلمان فباتت تنظر الى الرئيس بتوجس وشك، مستعينا بايات قرآنية من بينها «رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت». مرضى دعا الرئيس الى شفائهم خاصة من اصيبت قلوبهم بـ«الكذب والخوف والخداع» .
هذا التبطين الصريح للهجوم على البرلمان والتجريح فيه هو رد الرئاسة على ماأتاه البرمان طوال الايام الفارطة، رغم اللقاء الذي جمع قيس سعيد وراشد الغنوشي الاربعاء الفارط.
لقاء انتهى الى الفشل في تقريب وجهات النظر ووضع حدا للتناحر بين مؤسستين باتت كل مناسبة على محدودية تاثيرها فرصة لتوجيه الضربات للاخر، ضربات يبدو انها انتقلت الى مرحلة طرح الشرعية والمشروعية موضع تساؤل، لينتقل الجدل الى مربع قد يجر البلاد الى الحرب الدستورية بين المؤسستين.