فرض واقعه وبالاساس ولد هواجس اضافية تتعلق بمصير الصحافة ما بعد الكورونا.
منذ سنوت 9 تعيش الصحافة الورقية في تونس ازمات متتالية، اثقلها ازمة مالية تزداد تفاقما مع كل يوم جديد لتضع حدا لصدور صحف وتدفعها الى الغلق وتحجب نهائيا، ومن نجى من مصير الغلق ضحى بالعشرات من الصحفيين والتقنيين والعاملين.
ازمات تعايشت معها الصحافة الورقية/المطبوعة منذ الثورة التي اجبرت عدة صحف على التاقلم مع تطورات المشهد التونسي والعالمي وان تبحث عن توازن صعب يضمن استمرارية الصدور، في ظل تنكر « الكل » لها ولاهلها وتركهم بمفردهم امام تحديات جمة، جزء منها مالي مرتبط بارتفاع اسعار المواد الاولية: الورق الطباعة، وجزء اخر يتعلق بشبكات التواصل الاجتماعي والاخبار الكاذبة وتقلص سوق الاشهار. لتتكبد وسائل الاعلام المطبوعة خسائر مالية شهرية، نظرا لقلة المداخيل من الاعلانات وغياب اي دعم عمومي موجه لها.
هذا هو واقع الصحافة الورقية في تونس قبل حلول جائحة فيروس كورونا/ كوفيدـ19، التي اجبرت كل وسائل الاعلام المطبوعة على ان تتوقف عن الصدور وان تنتقل الى نسخ رقمية ظرفيا الى حين مرور الجائحة، وذلك منذ اعلان عن الحجر الصحي العام منذ 6 اسابيع.
6 اسابيع تضاف الى عشر سنوات الصحافة الورقية تحاول الصمود والحفاظ على حرياتها واستقلاليتها وجودتها في ظل مجاهيل عدة وخيارات محدودة، بعد ان قررت الدولة منذ 2011 ان تتخلى عنها وتتركها تلفظ انفاسها الاخيرة، في خلط معتمد يجعل من الدعم العمومي رديفا للسيطرة والتوجيه على هذه الوسائل.
خلط ينضاف اليه تقليص عدد الاشتراكات العمومية، التي تعتبر اضافة الى الاعلانات، المصدر الاساسي والوحيد للمؤسسات الاعلامية، مما وضعها منذ الثورة تحت ضغوط مالية شديدة، ستتضاعف ما بعد جائحة الكورونا.
فالدولة التونسية ورغم خطابها المبشر بالحرية والمدافع عن حرية التعبير والصحافة تعمدت عبر كل حكوماتها المتعاقبة ان تترك الاوضاع تتازم، وتجنبت رغم كل الدعوات ان تحدد سياستها العمومية تجاه الاعلام المطبوع بشكل صريح، بل تركت الامر محل قياس ونظر وفق المصالح والقراءة المختلفة، منذ حكومة الباجي قائد السبسي مرورا بحكومة الترويكا وصولا الى حكومة الفخفاخ، التي اسقطت القطاع من مخططات الانقاذ التي اعلنتها وظلت تقدم وعود جوفاء.
وعود تتعلق بالهيئة العمومية لتوزيع الاشهار العمومي والاشتراكات الشهرية او السنوية، لم ترى النور رغم ان كل حكومة تعهدت بذلك ووعدت بتخصيص مجلس وزاري مضيق للغرض، لكن الكل تنصل وتنكر لالتزاماته.
تنكر وضع الصحافة الورقية بين خيارين، الاستمرار بموارد محدودة الى آجال معينة لن تطول او خوض صراع مع الفاعليين السياسين بهدف وضع سياسة وطنية تتعلق بالقطاع، سياسة لا تقوم على المقايضة او الصمت مقابل الدعم، بل تقوم على ادراك دور الصحافة الورقية والخدمات التي تقدمها للجمهور وهم الناخبون.
دور يقى المؤسسات الاعلامية حاجة السؤال، وطلب دعم كان يفترض ان ساسة تونس والماسكين بمقاليد الحكم يدركونه ويعملون على تعزيزه لتحقيق الصالح العام بصحافة جودة باتت اليوم مهددة اكثر من قبل بالاندثار في ظل طغيان مد من الشعبوية والتهافت على الاثارة ورواج الاخبار الكاذبة.