وجاءت هذه الخطوة وسط انقسامات عميقة يشهدها العالم بين بعض الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن خاصة الولايات المتحدة والصين وروسيا فيما يتعلق بفيروس كورونا، وهو ما يعيق الاتفاق على قرار موحد لحماية السلم العالمي في مواجهة هذا الوباء المستفحل.
وأوضحت المستشارة المكلفة بشؤون الإعلام والتواصل برئاسة الجمهورية رشيدة النيفر لـ « المغرب » ان المشاورات غير الرسمية انطلقت امس الخميس بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن لمناقشة هذه المبادرة المشتركة او مشروع القرار المشترك التونسي - الفرنسي.
وأكدت محدثتنا ان مسودة القرار الأولى تقدمت بها بعثة تونس لدى الأمم المتحدة يوم 23 مارس الماضي قبل ان يتم إضفاء بعض التعديلات والمقترحات الفرنسية . وبذلك تمّ الاتفاق أخيرا على ادماج المشروعين التونسي والفرنسي في مبادرة واحدة ومن المنتظر ان يتم عرضها ومناقشتها على الدول الأعضاء بمجلس الأمن خلال الأيام القادمة.
يشار الى المشروع الأول طرحته الدول العشر غير الدائمة العضوية بإشراف تونس، والمشروع الثاني جاء بمبادرة من فرنسا مع الدول الخمس الدائمة العضوية فقط. ويشدد المشروع على «الضرورة الملحة لتعزيز التنسيق بين كافة الدول لمكافحة الوباء. ويطلب «وقفاً عاماً وفورياً للأعمال العدائية» . وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد أطلق نداء لوقف إطلاق نار شامل في العالم لإتاحة مكافحة أفضل للجائحة وطلب من مجلس الأمن دعم هذا المسار.
• مراحل حشد الدعم:
وانطلقت تونس خلال الأسابيع الماضية بحملة لحشد الدعم الدولي والعربي لمسودة المشروع التونسي الذي تقدم بمبادرة من رئيس الجمهورية قيس سعيد بصفته المسؤول الأول عن الدبلوماسية التونسية ، وذلك فق مقاربته التي وضعها لكيفية مجابهة الجائحة عالميا . ودعا خلالها الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن الدولي إلى اعتماد مقاربة عالمية لمقاومة هذه الجائحة لأن المسألة تتعلق بالإنسانية جمعاء. واعتبر أنه لا يمكن الحد من انتشار هذا الفيروس إلا بمزيد التنسيق بين الدول. فمشروع القرار الذي قدمته بلادنا يهدف بالأساس الى حشد أكثر ما يمكن من الجهود الدولية لمنع تأثير انتشار الفيروس على السلام و الأمن الدولي وخاصة مناطق النزاع كما يتضمن الدعوة الى وقف إطلاق نار إنساني عالمي فوري، وإلى اتخاذ تدابير لحماية الفئات الهشة في مناطق النزاع من لاجئين ومشردين ونساء وأطفال وأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة. الى جانب حثّ الدول والجهات الفاعلة للتنسيق خاصة حول إمدادات الإغاثة الإنسانية وأعوان الصحة والحث على التعبئة وتوفير الخبرات التقنية والقدرات الطبية خاصة التشخيص السريع و تدريب أعوان الصحة إلى جانب تبادل الخبرات.
واختارت تونس وهي - الدولة غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن لمدة عامين – ان تقدم مشروع القرار في مجلس الأمن وليس أمام الجمعية العامة ليكون ملزما وأكثر فعالية . وقد بدأ رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ الأسابيع الماضية بحشد عربي ودولي للمبادرة التونسية من خلال اجراء سلسلة اتصالات مع ملوك ورؤساء عدد من الدول العربية والأجنبية وبحسب بيان صادر عن الرئاسة فان المبادرة لاقت استجابة واستحسان ورود أفعال طيبة مع جلّ الدول التي تباحث معها الرئيس . وشملت الاتصالات ملك اسبانيا فيليب السادس، والرئيس الفرنسي والرئيس الإيراني والإيطالي وكذلك الرئيس الجزائري والمغربي والرئيس الموريتاني وملك الأردن عبد الله الثاني ورئيس موريتانيا ودولة الكويت إضافة الى مصر والنيجر ودول أخرى .
حيث تمّ التأكيد على ضرورة التنسيق بين مختلف الدول بهدف اتخاذ إجراءات موحدة خاصة في مستوى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، لأن الأمن والسلم الدوليين لا يجب أن يفهما بالمعنى التقليدي بل بالمعنى الذي يحفظ الإنسانية جمعاء من أي خطر يتهددها. وتم التأكيد على أن المقاربة التي ينبغي اعتمادها لمقاومة فيروس كورونا، يمكن أن تكون إقليمية في مرحلة أولى على أن تصبح عالمية، لأن الأمم يجب أن تكون متحدة في مواجهة هذا الوباء العالمي.
• رسالة للعالم:
ومن الواضح ان المبادرة التونسية تنطلق من مقاربة تعتبر ان جائحة كورونا هي خطر عالمي يهدد الإنسانية وهذا المفهوم ينسجم مع روح ميثاق الأمم المتحدة الذي يرى ان دور مجلس الأمن هو ان ينظر في أي تهديد للسلام العالمي ويأخذ الإجراءات الملزمة . وهنا تنطلق المبادرة التونسية من توجه جديد يعتبر أيضا ان الجائحة هي تهديد للسلام العالمي خاصة في مناطق النزاع وهو ما يحتاج الى دعم أكثر ما يمكن من الأصوات في الداخل والخارج سواء عربيا او دوليا لاقرار المشروع الجديد . ويرى أستاذ القانون العام والعلاقات الدولية في الجامعة التونسية د. إبراهيم الرفاعي في حديثه لـ « المغرب» بان مبادرة الرئيس التونسي، هي الأسرع حين طرحت ، في تقديرها للمخاطر الكبرى ، ليست السابقة والمتزامنة مع الجائحة العالمية ، بل في تقديرها الدقيق للإنعكاسات والتداعيات الخطيرة وغير المسبوقة ، المهددة للأمــن والاستقـرار والسلم العالمي ، في وقت مازالت فيه بعض الأطراف تهدد وتوظف الجائحة بإتجاهات من شأنها أن تضع العالم بأنه واستقراره على شفير الهاوية . ويوضح محدثنا بأن المبادرة التونسية ، قدمت مقاربة جديدة يجب أن يبنى قرار مجلس الأمن فيها على الفصل السابع وليس السادس ، لكي يكون حل النزاعات جديا الزاميا ، عادلا ، شاملا ، بديلا عن الإدارة الدولية. بهدف توظيف النزاعات وليس حلها ، كما هو حال تلك الإدارة النزاعات بالأمس إلى اليوم . وهي – بحسب محدثنا- فرصة لفرض حل عادل للقضية الفلسطينية، بعيدا عن الصفقات والمؤامرات الهادفة لتصفية الحقوق الفلسطينية، وهي فرصة لفرض حل يحقن دماء الأشقاء في ليبيا وفي اليمن وأقطار عربية أخرى ، بالبناء على مقاربة فعالة للشرعية الدولية وهي فرصة لحل بقية النزاعات الإقليمية داخل كل بلد وفيما بين الدول .. ويضيف بالقول :»المبادرة التونسية أيضا استباقية في منعها لأطراف تدفع نحو المزيد من مفاقمة هذه النزاعات لمآرب شتى . وهي في هذا السياق تبدو حجر زاوية مركزي لبارقة أمل في بناء تصور جديد لنظام عالمي جديد ، بديلا عن الإنهيارات غير المسيطر عليها للنظام القائم للعلاقات الدولية، وهو في الحقيقة في حالة تغيير جذري وفي حالة انهيارات متتالية ليس بفعل الجائحة وإنما نتيجة لكل المؤشرات العميقة الدالة على التغيير الجذري في المؤشرات السياسية : من مؤشرات النمو الاقتصادي العالمي والعسكري التقليدي وغير التقليدي والمؤشرات الديموغرافية ومؤشرات الجغرافية الإقتصادية والتي كانت تنبئ بقوة وتؤشر إلى هذه التغيرات الجذرية للهيكل القائم لبني وموازين وأدوار القوى العالمية والإقليمية في أسيا ، وستعكس بظلالها على المبادرة التونسية.
• تحديات وعقبات:
ويبدو ان أهم العقبات لتي تواجه مشروع القرار التونسي – الفرنسي المشترك ، هو ما عبر عنه السفير الألماني لدى الأمم المتحدة كريستوف هوسغين فيما اسماه بـ «للصمت المدوي» لمجلس الأمن الدولي في كيفية مواجهة أزمة كوفيد-19. ولعل الركيزة الأساسية لهذا التلكؤ او الصمت هو الخلاف الصيني الأمريكي وحملة الاتهامات التي شنتها إدارة ترامب تجاه الصين محملة إياها مسؤولية تفشي الوباء بسبب عدم سرعة اتخاذ الإجراءات المناسبة . وكذلك إخفاء موضوع الوباء في بداية انتشاره . عدا عن حملة الاتهامات التي طالت أيضا منظمة الصحة العالمية من طرف ترامب . وعن أهم العقبات التي ستواجه هذه المبادرة يجيب الرفاعي :» طبعا ستواجه هذه المبادرة عراقيل من طرف من هم عقبة أمام تحقيق الأمن والسلم والاستقرار العالمي ، وهي مكونات عميقة للعقبة قبل أن تعبر عنها دول خاصة منها دول في مجلس الأمن، ولكي نعرف بدقة ماهي هذه المكونات نتساءل هل من مصلحة شركات بيع السلاح خاصة التقليدي منها أن تنجح المبادرة التونسية ؟ وهل من مصلحة شركات النفط العالمية وقف الصراعات والأزمات والحروب في المنطقة وفي أقاليم العالم ؟ وخاصة اننا نشهد متلازمة بين الجائحة العالمية وبين احتدام الحرب غير المسبوقة على النفط والغاز وأسعاره والتي لم يشهد تاريخ حروب النفط _ الغاز مثيلا لها ؟ وهل من مصلحة بعض المتصارعين الدوليين والإقليميين القبول بحصص معرفة السقف والتموضع ومتفق عليه في مجالات الصراع الجيوسياسي على الموقع الاستراتيجي، أي الأسواق ، والتجارة العالمية بمكوناتها ، والنقد الدولي بتوازناته والقابضين على موازين القوى فيه ، والذكاء الصناعي ، إلى ما هنالك من صراعات والتي تتمظهر وتتجلى، على سبيل المثال وليس الحصر في الميدان الليبي ، الميدان اليمني ، الميدان السوري ، والعراقي ،وفي ميدان بل ميادين ما يسمى بالصراع العربي الإسرائيلي.
أما عن توقعاته بشأن إمكانية تمرير مشروع القرار من عدمه خلال التصويت القادم ، فاعتبر الرفاعي ان مراقبة طريقة أداء المتدخلين في تعديل صيغة مشروع القرار التونسي المقدم إلى مجلس الأمن، وكذلك التصويت عليه سلبا أو إيجابا سيبين -بما لا يدع مجالا للشك- من هي القوى التي تسعى لإقرار السلم والاستقرار والامن في العالم، ومن هي التي تقف عقبة اما مشروع القرار التونسي والذي يرتكز بالأساس على مضامين حضارية هدفها انقاذ العالم ليس فقط من محنة كورونا بل من الحروب الدائرة في كل مكان ومنذ سنوات دون توقف.