كشفت عن نفسها بشكل صراخ لدى مناقشة الاجراءات الاستثنائية لمجابهة انتشار عدوى فيروس الكورونا المستجد.
يوم الخميس الفارط بينت كلمات رئيس الحكومة الياس الفخفاخ، في الجلسة العامة بمجلس النواب، ان ما بينه، كسلطة تنفيذية، وما بين المجلس ليست الا علاقة تقوم على الصراع والتدفاع، فالرجل وهو يؤكد لنواب الشعب انه لا يبحث عن افتكاك السلطة وانما عن توفير اليات ناجعة لمجابهة تفشي وباء الكورونا، لم يغب عنه احتدام الصراع بين مكونات حزامه البرلماني.
اذ ان الجلسة العامة كشفت عن تناقض بين النهضة وباقي المكونات، التيار الشعب وتحيا تونس، ان تعلق الامر بتوازنات السلط، فالنهضة التي تدفع منذ بداية العهدة النيابية الجارية على ان يقترب النظام السياسي الى النظام المجلسي ، حيث يكون لمجلس النواب امتداد في السلطة التنفيذية عبر ذراعها الحكومية.
دفاع جعل النهضة، تطرح مبادرة تشريعية لتنظيم عمل مجلس النواب والإبقاء عليه في حالة انعقاد، بعد ان توجهت اليها الحكومة بمبادرة تشريعية لتفعيل الفقرة الثانية من الفصل 70 من الدستور والتي تمنح الحكومة ولمة شهرين صلاحية اصدار مراسيم تأخذ صبغة القوانين.
مبادرة لم تحي فقط الصراع المكتوم بين السلطة التشريعية والتنفيذية ممثلة في رئاسة الحكومة، بل عمق التناقض بين مكونات الحكومة نفسها ، اذ وجدت النهضة دعما من قلب تونس بل والدستوري الحر - في بعض النقاط – نصيرا في الدفع بان يظل مجلس النواب ماسكا بالكثير من الخيوط في هذه الازمة ، ولكن بالأساس ظاهرا في الصورة، لا مختفيا بتفويض صلاحيات للحكومة.
دعم وجدت النهضة نقيضه مع شركاءها في حزام الحكم، بل ووجدت هجوما منهم، اذ اعتبرت القيادية بالتيار الديمقراطي سامية عبو ان النهضة ترغب في «الالتفاف» على المبادرة التشريعية للحكومة وان تمسك بكبر قدر من السلطة في مرحلة تستوجب ان ينصب التركيزه فيها على مواجهة تفشي الفيروس.
كلمات عبو، اصابة جزء هام من الحقيقة، ولكنها عمقت في التصدع بين مكونات الحزام السياسي لحكومة الفخفاخ، خاصة وان الامر لم انتقل للصدام بشان قضايا كبرى، فالوضع الراهن الذي فرضه تفشي فيروس كوفيد19، لم يكن الا مناسبة لتكشف عن تناقض رؤية حزام حكومة الفخفاخ للنظام السياسي ومن يمسك بمقاليد اللعبة والفعل السياسي، رئيس الجمهورية، الحكومة ورئيسها ام المجلس.
فان كانت النهضة صريحة في الدفاع على ان يكون للمجلس ادوار متقدمة لا في التشريع بل في اختيار السياسيات العمومية والتدخل في ملفات تتعلق بالشؤون اليومية للتونسيين او ملفات اجتماعية واقتصادية، اذ تريد النهضة ان يكون النظام السياسي في فترة رئاسة الغنوشي متمحور ومتمركز خلف المجلس.
رغبة تتناقض مع تصورات باقي مكونات الحزام البرلماني للحكومة، وهو ما كشف عنه في جلسة الخميس التي حرص الثلاثي الحزبي، الى ان يبدي معارضته الحادة لانحراف النهضة بالنظام السياسي واختار الصدام معها لصالح تعزيز تموقع الحكومة امامه.
صراع يبدو انه سيستعر، تحت الرماد الي حين مغادرة منطقة الخطر ان تعلق الامر بانتشار الفيروس، ولكن اول جولاته القادمة ستكون مهلكة ومنهكة للطرفين.