من 27 فيفري إلى 2 مارس 2020) تكشف معطيات جديدة على غاية من الأهمية: تراجع لنسبة التشاؤم من %75.5 في أواخر جانفي الماضي إلى %61.4، ويعود هذا بالأساس إلى تشكيل الحكومة وخروج البلاد من مرحلة الشك التي دامت حوالي 4 أشهر. كما نلاحظ بروز استقطاب قوي في نوايا التصويت في التشريعية بين النهضة (%24.3) والدستوري الحر (%22.0) مقابل التراجع الهام لقلب تونس (%11.4) وكذلك ائتلاف الكرامة (%6.9) مع استقرار بالنسبة للتيار الديمقراطي بـ%10.9 أما في نوايا التصويت في الرئاسية فيواصل قيس سعيد تحليقه بـ%66.7 دون أية منافسة جدية.
يكشف الباروميتر السياسي لشهر مارس 2020 (تاريخ الدراسة من 27 فيفري إلى 2 مارس 2020) تراجعا ملحوظا في نسبة التشاؤم من %75.4 في أواخر جانفي إلى %61.4 وهي ثاني أفضل نسبة منذ سنتين ونصف إذ كانت أفضل نسبة بإطلاق منذ جانفي 2015 تلك التي سجلناها مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية (باروميتر نوفمبر 2019) والتي نزلت فيها نسبة التشاؤم إلى %30 فقط.
لاشك أن العنصر البارز الذي يفسر هذا التراجع العام نسبيا لتشاؤم التونسيين يعود إلى تشكيل الحكومة الحالية والتي أنهت فترة دامت حوالي 4 أشهر تميزت بالتذبذب وبالخلافات السياسية الحادة قبل ومع وبعد سقوط حكومة الحبيب الجملي وشبح انتخابات تشريعية سابقة لأوانها .
في سوسيولوجيا التشاؤم
التونسيون،كبقية شعوب العالم ،ليسوا متساوين أمام التشاؤم بدءا وفق اختياراتهم السياسية وتناغمهم ،من عدمه،مع حكام اليوم وصولا إلى العناصر السوسيولوجية المحضة التي تجعل من فئة ما من المجتمع أكثر تشاؤما من غيرها .
• سياسيا القاعدة الانتخابية لحركة النهضة كانت وراء هذا التراجع الهام للتشاؤم إذ تراجعت عندها هذه النسبة بـ25 نقطة كاملة (من %62.1 إلى %36.7) ولكن القاعدة الانتخابية لقلب تونس ساهمت أيضا في هذه النتيجة بحوالي 22 نقطة (من %87.3 إلى %64.7) أي بغض النظر عن مواقف قيادات هذين الحزبين والتي لم تكن راضية ،بنسب مختلفة، على مآلات تشكيل حكومة الياس الفخفاخ إلا أن القواعد الانتخابية لهما تنفست الصعداء إلى حدّ ما فبلاد تسوسها حكومة تبقى في نظرهم أفضل بكثير من بلاد تعيش أزمة سياسية حادة .
• جهويا نلاحظ بوضوح التأثير السياسي على مستويات التشاؤم ففي الجهات التي صوتت أكثر لقيس سعيد أو لحركة النهضة نلاحظ تراجعا هاما للتشاؤم وخاصة في ولايات الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين) حيث يغلب فيها التفاؤل (%53) على التشاؤم (%42.4) أما الجهات التي صوتت أكثر لقلب تونس أو للدستوري الحر فالتشاؤم فيها هو الأعلى :
%72.4 في ولايات الشمال الغربي (باجة وجندوبة والكاف وسليانة) %68.9 في ولايات الوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية) .
• جندريا النساء أكثر تشاؤما ،نسبيا،من الرجال (%63.7 مقابل %59.5) ولكن الفارق كما تلاحظون ليس هاما ولو أخذنا في الحسبان هامش الخطأ نكاد نجد منطقة تماس بين الجنسين حول المعدل الوطني .
• طبقيا تبقى الفئات الشعبية الأكثر تشاؤما بـ%67.5 بينما الفئة الأكثر تفاؤلا هي الطبقة الوسطى العليا (كبار الموظفين والجامعيين والمهن الحرة ..) بـ%56.9 فقط وهنا أيضا العامل السياسي على الخط أو لنقل أن هنالك جدلية بين الاجتماعي والسياسي فالطبقات الوسطى العليا صوتت بكثافة لقيس سعيد وبالتالي نجدها متفائلة – إلى حدّ ما – بالوضع الحالي للبلاد بينما الفئات الشعبية صوتت بصفة هامة لنبيل القروي ولقلب تونس ولذا نراها أكثر تشاؤما من المعدل الوطني .
• جيليا الشباب (18 - 25 سنة) وصغار الكهول (26 - 44 سنة) هم الأكثر تشاؤما (%66.1 و%64.9 ) مقابل من تجاوزوا الستين حيث ينزل منسوب التشاؤم إلى %54.6 .
• معرفيا لا وجود لفوارق كبيرة ،نقول فقط أن أصحاب مستوى التعليم الثانوي هم أكثر تشاؤما نسبيا (%65.6) مقابل أصحاب التعليم العالي حيث يكون التشاؤم في مستوى %56.8 فقط. في المجمل يمكن أن نقول أن نموذج المتشاؤم هو امرأة شابة من سكان الشمال الغربي من الطبقة الشعبية ومستواها المعرفي هو التعليم الثانوي بينما يكون التونسي الأقل تشاؤما هو رجل تجاوز الستين من سكان الجنوب الشرقي من الطبقة الوسطى العليا وهو من ذوي مستوى التعليم الجامعي .
الثقة المرتفعة في الشخصيات السياسية : قيس سعيد يحلق عاليا والياس الفخفاخ يدخل خماسي الطليعة
مرة أخرى يحتل قيس سعيد صدارة مؤشر الثقة المرتفعة في الشخصيات السياسية بـ%67 وهي نسبة كما قلنا سابقا لم يحققها احد من قبل خاصة إذا ما علمنا أن مجموع الثقة فيه (الثقة المرتفعة مع الثقة النسبية ) يصل الى الرقم الخيالي %89 والملاحظ هذه المرة هو دخول الياس الفخفاخ إلى خماسي الطليعة اذ يحتل المرتبة الرابعة في الثقة الكبيرة بـ%27 والمرتبة الثانية في الثقة الجملية بـ%72 .
ويبقى الصافي سعيد في المرتبة الثانية في الثقة المرتفعة بـ%40 تليه سامية عبو بـ%29 ويختم خماسي الطليعة محمد عبو وزير الإصلاح الإداري ومقاومة الفساد بـ%26.
كما تجدر الملاحظة بتقدم احمد نجيب الشابي إلى المرتبة السابعة بـ%21 متقدما على عبد الفتاح مورو (%20) والمنصف المرزوقي (%19) ،أما زعيمة الحزب الدستوري الحر عبير موسي فنجدها في المرتبة السادسة بـ%23 ولكن منسوب الثقة الإجمالية فيها منخفض إلى حد ما (%40) ونجدها هنا في المرتبة العاشرة بما يدعم صورة الشخصية الجدالية وذلك رغم صعودها في جل مؤشرات الباروميتر السياسي .
ونجد تقريبا نفس الترتيب وبنسب متقاربة للغاية عندما يتعلق الأمر بالمستقبل السياسي للشخصيات العامة .
الانعدام الكلي للثقة : الغنوشي دوما في الطليعة
لو نظرنا إلى الثقة الكبيرة في الشخصيات السياسية من أسفل الترتيب لوجدنا أن أكثر من ثلثي التونسيين (%68) لا يثقون مطلقا في راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ورئيس مجلس نواب الشعب وهو متبوع في هذا بحمة الهمامي زعيم حزب العمال بـ%62 فعلي العريض القيادي النهضوي البارز بـ%59 ثم عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر بـ%52 ويقفل هذا الخماسي محسن مرزوق رئيس مشروع تونس بـ%51 بالتساوي مع نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس ولكن بمجموع ثقة سلبية دون تلك التي تحصل عليها محسن مرزوق (%60 لنبيل القروي مقابل %63 لمحسن مرزوق ).
وهذه الأرقام مهمة جدا لفهم اتجاهات الرأي العام في هذه الخماسية الجديدة .
رئيس الجمهورية قيس سعيد مازال يحلق بعيدا عن الجميع بعد انتخابه بما يناهز خمسة أشهر كما أن رئيس الحكومة الجديد الياس الفخفاخ يدخل منذ الباروميتر السياسي الأول بعد نيل حكومته الثقة إلى مواقع متقدمة في ثقة التونسيين بما يفيد بوضوح أن خيار المرور الى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها لم يكن خيارا شعبيا.
في المقابل يواصل زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي المنتصرة نسبيا في الانتخابات التشريعية تصدر مؤشر الشخصية التي لا يثق فيها مطلقا التونسيون وهو في هذه المرتبة منذ ترؤسه للبرلمان وهنا نرى وضوح المهجة العامة للتونسيين فهم يثقون في قيس سعيد وفي شخصيات أخرى اما لا تساهم في الحكم كالصافي سعيد أو تساهم فيه دون أن تكون نهضوية كالياس الفخفاخ وسامية عبو ومحمد عبو ويبقى عبد الفتاح مورو – رغم ابتعاده عن الفعل السياسي منذ الانتخابات الرئاسية - الشخصية النهضوية الوحيدة التي ينظر إليها التونسيون بايجابية .
في التشريعية : بروز الاستقطاب الثنائي : النهضة / الدستوري الحر
في الرئاسية :
قيس سعيد منذ الدور الأول
لو جرت الانتخابات العامة اليوم (الرئاسية والتشريعية ) لمن سيصوت التونسيون؟ في هذين السؤالين (التشريعية والرئاسية ) لم يتم تقديم أي مقترح أو أية قائمة للمستجوبين بل كانت الإجابات عفوية فقط نلاحظ بداية أن نسبة غير المصرحين في نوايا التصويت للتشريعية تتجاوز النصف (%55.5) بينما تنزل إلى ما دون الربع (%24.1) في الرئاسية والجواب واضح : وجود قيس سعيد يغري بالتصويت في الرئاسية بينما لا تغري الأحزاب الموجودة كلها كثيرا في التشريعية
التشريعية : بروز الاستقطاب الثنائي بين النهضة والدستوري الحر
العنصر الجديد في نوايا التصويت لشهر مارس هو خروجنا من ثلاثية تتقاسم نصف نوايا التصويت في أواخر جانفي الفارط وبصفة شبه متعادلة بين الدستوري الحر والنهضة وقلب تونس إلى استقطاب ثنائي حاد إلى حد ما بين النهضة والدستوري الحر مع حيازة هذين الحزبين لوحدهما على حوالي نصف نوايا التصويت المصرح بها :%24.3 للنهضة و%22.0 للدستوري الحر في حين تراجع قلب تونس بأكثر من أربع نقاط ليكون في المرتبة الثالثة بـ%11.4 متبوعا بالتيار الديمقراطي الذي يبقى في نفس نوايا التصويت بـ%10.9 ويختم خماسي الطليعة ائتلاف الكرامة الذي خسر بدوره أكثر من ثلاث نقاط ليحصل فقط على %6.9 من نوايا الأصوات المصرح بها .ثم نجد حزبين فقط يتجاوزان عتبة %3 وهما حزب الصافي سعيد بـ%3.7 وتحيا تونس بـ%3.4.
من الملاحظات الهامة هنا هو أن %1.7 فقط من الذين أعلنوا نوايا تصويتهم يقولون بأنهم سيصوتون لحزب قيس سعيد،أي أن هذه الشخصية المحلقة في فضاء الثقة وكذلك في نوايا التصويت في الرئاسية لا يرى التونسيون ترجمة حزبية للتشريعية بعكس الصافي سعيد مثلا .
أما المعطى الأساسي في سبر آراء نوايا التصويت هذا فهو تأكد بروز الاستقطاب الثنائي بين حركة النهضة والدستوري الحر الذي يبلغ مستوى قياسيا لم يبلغه من قبل بـ%22.0 مع التذكير بأن نتائج هذا الحزب كانت دون %7 في الانتخابات التشريعية السابقة .
ما يمكننا قوله هنا هو أن إستراتيجية عبير موسي رئيسة الدستوري الحر داخل البرلمان وخارجه قد أتت أكلها إلى حد الآن واستفاد منها الدستوري الحرّ وكذلك ...حركة النهضة التي تعود إلى مستويات قريبة من تلك التي حققتها في تشريعية 2014 وبلديات 2018..صحيح أننا لسنا بعد في صورة الاستقطاب الثنائي الذي حصل في انتخابات 2014 بين النداء والنهضة حيث حصل هذان الحزبان مجتمعين على ثلثي الأصوات وكان الحزب الثالث آنذاك ،الاتحاد الوطني الحر ،دون %5..فالنهضة والدستوري الحر لا يحصلان مجتمعين هنا إلا على %46.3 من نوايا التصويت المصرح بها مع وجود حزبين يتجاوزان عتبة %10 وهما قلب تونس والتيار الديمقراطي .
ثم اننا مازلنا بعيدين عن أول موعد انتخابي قادم والذي لن يكون قبل سنة 2022 مع احتمال إجراء انتخابات جهوية أو ربما 2023 بجمع البلدية والجهوية في نفس يوم التصويت ،اي هنالك متسع من الوقت لكي تتغير معطيات كثيرة ولكن الواضح اليوم أن ما نراه من استقطاب حاد داخل مجلس نواب الشعب وخارجه يترجم الان بصفة فعلية في نوايا التصويت للتشريعية .
الرئاسية : قيس سعيد منذ الدور الأول
مشهد نوايا التصويت في الرئاسية أوضح بكثير من التشريعية إذ لا نكاد نجد إلا قيس سعيد والذي يفور – نظريا – منذ الدور الأول وبثلثي الأصوات كذلك (%66.7) تاركا فتاتا لثلاثي يتكون من عبير موسي بـ%6.7 ونبيل القروي بـ%6.2 والصافي سعيد بـ%6.2 أما صاحب المرتبة الخامسة ، يوسف الشاهد رئيس الحكومة السابق فيأتي فقط بـ%1.8 من نوايا التصويت المصرح بها ..
إلى حدّ اليوم لا وجود لمنافس جدي لقيس سعيد في الرئاسية ولكن بالطبع نحن على بعد حوالي أربع سنوات ونصف من الموعد الدستوري للرئاسية القادمة ..
خلاصة القول إننا أمام مشهد سياسي حزبي كثير التحول يبرز فيه الدستوري الحر، اليوم، المنافس الأساسي للحركة الإسلامية على تصدر المشهد وفي المقابل رئيس بلا منافس جدي إلى حدّ الآن ولكن دون القدرة – أو الرغبة – في تحويل هذا التقدم الخيالي في الرئاسية إلى مشروع سياسي قادر على منافسة الأحزاب القائمة الآن ..
ولكن يقينا نحن أمام مشهد يشبه الرمال المتحركة لا أحد يضمن فيه شيئا إلى حد الآن.
الجذاذة التقنية للدراسة
العينة : عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 787 تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية ، الوسط الحضري أو الريفي.
طريقة جمع البيانات : بالهاتــــــف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
نسبة الخطأ القصوى %3.5
تاريخ الدراسة : 27 فيفري 2020 الى 2 مارس 2020