زيارة أمير قطر إلى تونس في اطار جولة عربية: نحو مزيد دفع العلاقات الثنائية

حلّ أمس أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ببلادنا بدعوة من رئيس الجمهورية قيس سعيد على رأس وفد رفيع المستوى

يضم نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، ووزير المالية، وذلك في إطار جولة عربية تشمل ايضا الجزائر والأردن. وتأتي الزيارة في وقت تعيش فيه المنطقة تحديات عديدة وحروبا أهلية متصاعدة مع تعثر التسويات السياسية في أكثر من بلد لاسيما في ليبيا وسوريا واليمن . كما انها تأتي قبيل القمة العربية المرتقب عقدها في مارس المقبل في الجزائر لذلك فان احد اهدافها هو التنسيق وتبادل وجهات النظر والمواقف بين قطر وتونس والجزائر والأردن في ما يتعلق بالملفات الحساسة في المنطقة.
وبحسب بيان رئاسة الجمهورية فان الزيارة تأتي تجسيدا للرغبة المشتركة في مزيد دفع العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون بين البلدين .
وعقد رئيس الدولة بقصر قرطاج جلسة مباحثات على انفراد مع أمير قطر تلتها مباحثات موسعة بحضور وفدي البلدين. وتطرقت المباحثات بالخصوص إلى علاقات الأخوة والتعاون التي تجمع البلدين وآفاق دعمها وتطويرها، إضافة إلى تبادل الرأي حول المسائل ذات الاهتمام المشترك عربيا ودوليا.
وقد تضمن الوفد الرسمي القطري كلا من نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، ووزير المالية ورئيس جهاز أمن الدولة ومساعد رئيس الديوان الأميري ومدير إدارة الدراسات والبحوث بالديوان ومدير إدارة المحافظ الإقليمية في جهاز قطر للاستثمار ورئيس هيئة التعاون الدولي العسكري بوزارة الدفاع إلى جانب مدير إدارة الشؤون العربية في وزارة الخارجية وسفير قطر بتونس.
كما كانت للوفد المرافق لأمير قطر لقاءات مع نظرائهم التونسيين ناقشت واقع التعاون بين البلدين وآفاقه وستتوج بإمضاء عديد الاتفاقيات المهمة تزيد من نسق الشراكة بين البلدين وترفع من استثمارات دولة قطر في المجالات السياحية والمالية وغيرها إضافة إلى رفع معدل المبادلات التجارية بين البلدين ، خاصة أن الدوحة أعربت عن استعدادها لتكثيف وارداتها من تونس في المجالات الزراعية والصناعية.
أهم الملفات المطروحة
وفي تصريح صحفي أعقب المحادثات أعرب أمير قطر عن شكره لتونس مؤكدا ان العلاقات قوية بين البلدين في كل المجالات سواء السياسية او غيرها وقال: «هناك توافق كبير بين الأشقاء في تونس في عدة ملفات تخص القضايا العربية والدولية وتحدثنا مع الرئيس عن العلاقات الثنائية وتطوير مجالات الاستثمار والأمن والدفاع . واعتقد ان العلاقات التونسية القطرية قوية جدا وهي نموذج ونحن سعداء بالتطور الذي حدث في العلاقات بين البلدين . وأيضا نتطلع الى زيارة فخامة الرئيس التونسي الى قطر في قطر».
من جهته قال رئيس الجمهورية قيس سعيد انه تم التطرق الى عدد من القضايا الدولية والى جملة من القضايا الداخلية . اما على المستوى الخارجي فكانت القضية الأولى التي تمّ تناولها هي القضية الليبية وكيفية يجب ان يكون الحل ليبيا- ليبيا وأشار الرئيس الى انه تم التطرق أيضا في هذا الاطار الى إمكانية جمع القبائل الليبية الذين لهم مشروعية شعبية معتبرا انه يمكن ان تكون هذه المشروعية الشعبية -بالرغم من انها غير انتخابية - طريقا تمهّد لشرعية انتخابية دون أي تدخل خارجي حتى تعود السيادة للشعب الليبي وحده وهو الذي يختار بكل حرية مؤسساته ويختار حكامه . ولا اعتقد ان الحل يمكن ان يأتي من الخارج بقدر ما يمكن ان يأتي من الليبيين انفسهم وتابع: «وقد عبر عدد من زعماء القبائل خاصة عن رغبة في الاجتماع ثانية في تونس بعد ان تم اجتماع اول كان منقوصا ولكن هذه المرة سيكون اجتماعا ممثلا لكل القبائل وهنا استلهم هذا الحل من التسوية التي وقعت في أفغانستان التي كانت مؤقتة في تلك الفترة حينما تم جمع القبائل وتمّ التوصل الى وضع دستور أفغاني قد يكون منقوصا وقد يكون وضع في ظروف خاصة ولكن افضل من الحروب ومن الاقتتال وافضل في كل الحالات من هذا الانقسام . واكد رئيس الجمهورية ان تونس هي من أكثر الدول تضررا من الوضع في ليبيا . وشدّد على تمسك تونس بالشرعية الدولية ولكن اعتبر أنها ليست ابدية خالدة ولا بد ان تحل محلها شرعية ليبية خالصة تنطلق من مشروعية ليبية حقيقية «.
القضية الفلسطينية
وتمّ أيضا التطرق الى القضية الفلسطينية ، وأشار الرئيس سعيد الى ان القضية الفلسطينية وبالنسبة الينا ستبقى القضية الأولى وهي قائمة ما دام الشعب الفلسطيني يتعرض لهذه المظلمة لمدة أكثر من قرنين مضيفا بالقول :» وفلسطين ليست ضيعة ولا بستانا بل هي ارض الفلسطينيين ونحتكم للشرعية الدولية مع محدوديتها ولا نريد القتال او الصدام ولكن نحن اصحاب حق ودعاة حق ولا يمكن ان تكون عاصمة فلسطين الا القدس الشريف». وذلك في إشارة الى موقف تونس الواضح والرافض لصفق القرن .
واكد رئيس الجمهورية الى ان هناك تطابقا تاما في وجهات النظر مضيفا بالقول: «وتعرضنا أيضا الى العلاقات الثنائية وهنا أتوجه الى التونسيين الذين يبحثون عن حل لتناقضاتهم في المستوى الدولي . تونس هي دولة كل التونسيين ولا مجال لأن يبحث أي طرف في تونس عن تحالف مع هذا الطرف او ذاك لحسم قضيته مع خصمه السياسي . نحن أشقاء مع اخوتنا في قطر واشقاء وأصدقاء مع كل اخوتنا وكل من صادقنا ونحن صادقون ثابتون على مبادئنا ومن يعتقد انه يمكن ان يبحث عن خلاف او يبحث عن تناقضات فهو واهم ومخطئ في وشدد سعيد على العلاقات الثنائية المتميزة التي تربط البلدين مشيرا الى موقف قطر في عام 2011 وعن الوديعة وعن الدعم وكيف يمكن ان نحول الديون الى استثمارات . مردفا: «وابشر التونسيين عن المشروع الذي كنت تحدثت عنه منذ أسابيع حول المدينة الصحية في القيروان ، ولم تجد الا ترحابا وصدرا رحبا من شقيق يسعى الى سعادة أشقائه فضلا عن التعاون في المجالات الأخرى .
الملف الاقتصادي
تصدّر الشق الاقتصادي أهم الملفات المطروحة بين الجانبين بالنظر الى حجم التبادل الاقتصادي والتجاري لا سيما ان قطر تحتل المرتبة الثانية من حيث حجم الاستثمارات العربية في تونس. وسجلت السنة الماضية تطورا في حجم الاستثمارات القطرية وشهدت ايضا توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مختلف المجالات الاقتصادية مثل النقل البحري والخدمات الجوية والمجال السياحي وكذلك المجال الصناعي والاتصالي . فضلا عن ذلك يقدر عدد التونسيين العاملين في قطر حوالي 9 آلاف تونسي يعملون في مختلف المجالات . ويبدو جليا ان حجم الاستثمارات القطرية في تونس في نسق تصاعدي فقد أثبتت آخر الاحصائيات الصادرة سنة 2018 ان حجم الاستثمار القطري يقدر بـ 479 مليون دينار. فدولة قطر تراهن على دعم تونس اقتصاديا وهذه الزيارة تشكل فرصة جديدة ملائمة لتعزيز العلاقات التي عرفت تطورا لافتا اباّن موقف تونس تجاه المقاطعة الخليجية لقطر فقد كان هناك رفض تونسي واضح للحصار المفروض على الدوحة . وتعوّل تونس على دعم شركائها من أجل تحقيق الانتقال الاقتصادي المطلوب بعد كل الأزمات المالية والمعيشية التي عانت منها البلاد خاصة ان نسبة النمو سجلت خلال سنة 2019 نقطة واحدة فقط في حين ازداد حجم الانفاق .
ويقدر حجم الاستثمارات القطرية المباشرة في تونس، بنحو 16 بالمائة، من حجم الاستثمارات المتوفرة في البلاد و يقدر حجم استثماراتها بنهاية العام 2017 بأكثر من 2.7 مليار دينار 90 % منها هي استثمارات مباشرة، توفر ما يقارب 120 الف فرصة عمل تتوزع على قطاعات الاتصالات والسياحة والخدمات البنكية .وقد قامت سنة 2017 باستثمارات توسعة تقدر بـ 31 مليون دينار مكنت من خلق عدة فرص عمل إضافية إلى جانب وجود مشاريع جديدة في القطاع السياحي والزراعي قدر حجم استثماراتها بـ 51 مليون دينار. ومنذ سنة 2013، أنشأت دولة قطر صندوق الصداقة القطري بتونس لدعم التنمية الاقتصادية في تونس عبر هبات تبلغ 97 مليون دولار بغاية تمكين الشباب التونسي . وسيكون مشروع مستشفى الأطفال بمدينة منوبة أول مشروع ينفذه الصندوق بقيمة 82 مليون دولار اضافة الى مشاريع مهمة ستكون ضمن خطة التمويل المقدرة بحوالي 250 مليون دولار وقد وقع صندوق قطر للتنمية من خلال صندوق الصداقة القطري التونسي 5 اتفاقيات شراكة جديدة بقيمة 15 مليون دولار امريكي، مع مؤسسات بنكية ومالية تونسية .
حجم التبادل بالأرقام
وبحسب آخر الاحصائيات الرسمية الصادرة سنة 2018 فقد سجّل حجم المبادلات التجارية بين قطر وتونس نمواً مهما بنسبة 34.52 % مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2017 لتتجاوز الـ 57.73 مليون دينار . وجرى تبادل أكثر من 12.7 ألف طن من السلع. ويعود هذا النمو إلى زيادة واردات الدوحة من السلع التونسية منذ بداية عام 2018 بنسبة 85.8 % على أساس سنوي، لتتجاوز الـ 31.58 مليون دينار كما أن تونس قامت بتصدير نحو 4.76 ألف طن من السلع إلى السوق القطرية. كما ارتفعت قيمة صادرات السلع القطرية نحو تونس بنسبة 0.87 % لتستقر عند 26.14 مليون دينار بعد تصدير أكثر من 8 آلاف طن من السلع وتستورد الدوحة من تونس التمور، وزيت الزيتون، والغلال، والخضر، والحوامض، والمنتجات البحرية، ومواد البناء، والمعدّات الكهربائية، والكوابل، والألومنيوم. في حين تصدّر قطر إلى تونس المواد الأولية البلاستيكية، وزيت البترول، والألومنيوم، والألواح، والصفائح، واللفات، والأشرطة.
والجدير بالذكر ان زيارة امير قطر تتواصل حتى اليوم ويغادر بعدها الى الجزائر . وخلال زيارته للأردن، التقى بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، حيث تمّ التأكيد على أهمية تعزيز العلاقات الأخوية وتوطيد التعاون ومسيرة العمل العربي المشترك ومصالح شعوب المنطقة المتطلعة لتعزيز التكاتف لمواجهة التحديات المشتركة .
وتواجه قطر منذ سنة 2017 حصارا خليجيا وتعثرت محادثات المصالحة مع الرياض وهو ما يضع مصير مجلس التعاون الخليجي على المحك ويهدد ايضا مستقبل التعاون العربي المشترك أمام أعاصير الازمات والخلافات ، في وقت تبدو فيه المنطقة أحوج ما تكون الى التكاتف لمواجهة الأخطار المشتركة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115