انه لم يبق امامها غير وأد حكومته. هذا قد حسم ولا خلاف بشأنه في الحركة، فقط ما لم يحسمه النهضاويون هو موعد إسقاط الحكومة ، هل يكون الآن ام كما يقول المثل الفرنسي «الانتقام طبق يؤكل باردا».
لم يحمل اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب وحركة النهضة راشد الغنوشي بالمكلف بقيادة المشاورات الحكومية الياس الفخفاخ اي انفراج في الازمة بين الطرفين، فوفق قيادات الحركة انتهى الاجتماع من حيث انطلق، الفخفاخ متمسك بمنهجيته وخياراته والنهضة غير راضية عما يقترف.
فالفخفاخ وفق مصادر من الحركة، اكد لرئيسها في لقائه امس انه «غير مقتنع» بتوسيع حزامه السياسي او المشاورات لتشمل قلب تونس، وانه ان استجاب لهذا الطلب النهضاوي سيكون في «حرج شديد» وهو ما لا حمل للرجل به، لذلك فهو يرفض طلب اشراك قلب تونس، اما بالنسبة لتمثيلية الحركة في حكومته فالرجل لم يقدم اي جديد، اربع وزارات لا غير.
ليقدم الفخفاخ لرئيس النهضة كلمات بحثت عن تهدئة الحركة وإقناع رئيسها بأنه لم يهنها ولا يستخف بحجمها. وهي اجابة لم تكن تنتظرها النهضة التي اكد رئيسها امس للفخفاخ انها متمسكة بمطالبها وان الخلافات بين الطرفين باتت معقدة. مما استوجب ان تبحث النهضة عن لقاء يجمع رئيسها راشد الغنوشي بقيس سعيد رئيس الجمهورية.
لقاء عقد مساء امس، ولم يصدر عنه اي موقف واضح يحسم الامر، فالنهضة توجهت لسعيد بطلب اقناع الفخفاخ بتوسيع المشاورات والتخلي عن تعنته والا فان التعقيدات بينهما ستتواصل .وهي تنجم عن تباين في ملفين، الاول مشاركة قلب تونس التي تتمسك بها النهضة تحت بند حكومة وحدة وطنية - ولها في هذه التمسك مآرب اخرى اهمها متعلقة بمستقبل مجلس النواب ودوره في الشأن السياسي- والملف الثاني تمثيليتها في حكومة الفخفاخ التي لا تتناسب وحجمها في المجلس.
هذا الموقف النهضاوي يقدمه سامي الطريقي، عضو المكتب السياسي ولجنة المفاوضات، ويشير الى انه موقف جل هياكل الحركة التي انعقدت، لجنة المفاوضات المكتب التنفيذي، ومجلس الشورى الذي انعقد بصفة استعجاليه امس بمن حضر. لحسم موقف النهضة من الفخفاخ وحكومته.
ما نظر فيه شورى النهضة امس هو كيف تصنف النهضة «شرط توسيع المشاورات وتمثيليتها في حكومة الفخفاخ» كشرط للمشاركة ام كشرط للتصويت والقصد هنا كيف ستتعامل النهضة مع الفخفاخ بعد ان رفض الاستجابة لها، هل تشارك في حكومته رغم كل شيء ام تتخذ خيارا من بين الخيارات الثلاثة التي طالما تحدثت عنها.
خيارات هي المشاركة والتصويت او عدم المشاركة والتصويت او لا هذه ولا ذاك، هكذا كانت خيارات النهضة قبل 48 ساعة لكنها عدلت في الساعات الفارطة، لتصبح اي خيار من بين الاثنين، عدم المشاركة والتصويت او عدم المشاركة وعدم التصويت معا. هذا ما نظر فيه النهضاويون امس في مجلس شوراهم.
فمجلس الشورى استمع كعادته لتقرير المكتب التنفيذي للحركة الذي لخص موقف النهضة في جملة من النقاط اولها ان الخلاف مع الفخفاخ يتعلق بمنهجيته، وثانيها ان الخلاف يشمل الارضية السياسية والارضية الهيكلية، وان الفخفاخ اختار التعنت في موقفه ورفض التعديل رغم محاولات النهضة.
تعنت لخصته النهضة في ان الفخفاخ يرفض توسيع دائرة المشاورات وهذا يعنى انه يرغب في حزام ضيق لحكومته مما يعنى ان يكون تمثيل كل طرف في الحزام مستجيبا لوزنه وحجمه في البرلمان، لكن الفخفاخ رفض التوسيع ورفض ان تتناسب تمثيلة الاحزاب مع حجمها.
خاصة النهضة التي قال القيادي بها سامي الطريقي انها تستغرب من الفخفاخ الذي يبحث عن ارضاء اطراف على حساب الحركة التي باتت غير مستعدة لتحمل مسؤولية سياسية لحكومة فاشلة منذ الان. ووفق الطريقي هناك شبه اجماع في النهضة على اعتبار الحكومة المقترحة هشة وضغيفة.
اجماع يقول الطريقي انه يشمل من كان يدافع عن مشاركة النهضة في الحكومة دون توسيع الحزام السياسي، والقصد هنا ان البيت النهضاوي توحد في تقييمه للفخفاخ وحكومته المقترحة، وهو ان الرجل يتعمد اهانة النهضة وان حكومته ضعيفة ومالها الفشل.
هذا التقييم اوجد لدى النهضة قناعة يعبر عنها الطريقي بشكل مختزل وصريح «عدم الاستعداد لتحمل مسؤولية حكومة الفخفاخ» فالنهضة تدرك جيدا انها ستحمل جزء من وزر الفخفاخ وحكومته ان فشل ولكنها لن تتقاسم معه نجاحه ان حدث. مما يجعلها تتعامل مع الفخفاخ بمقاربة واضحة. وهي عدم المغامرة معه.
الفخفاخ قابل الحركة بالتصعيد والتعنت هذه الخلاصة التي قدمت لشورى النهضة ليحسم قراره امس من الحكومة، ولكن الشورى لم يكن بحاجة للحشد والتأليب على الفخفاخ فاعضاؤه متفقون هذه المرة على مسألة «سقوط الحكومة» لكن كيف ومتى هو محل الجدل بين اعضائه.
فجزء من النهضاويين يرون ضرورة ان تسقط الحكومة في اختبار منح الثقة اي ان لا تمر، طالما ان الفخفاخ لم يقدر تنازلات النهضة ومحاولته للوصول لحل معه في الساعات الاخيرة، وان الذهاب الى انتخابات مبكرة هو افضل الخيارات المتاحة اليوم.
موقف يعترض عليه جزء من النهضاويين، واعتراضهم ليس على مسألة اسقاط حكومة الفخفاخ او اعتبارها فاشلة منذ الان، بل توقيت اسقاط الحكومة، فالرأي الثاني في النهضة هو سواء بالمشاركة او عدمها في حكومة الفخفاخ يجب ان تضع النهضة في حسبانها اسقاط حكومته في اسرع وقت. اي ان تمنح الثقة ولاحقا تسحب منه وتعود المبادرة الى البيت النهضاوي.
اصحاب هذا الموقف يعتبرون ان سقوط الفخفاخ مسألة محسومة، ان لم تكن اليوم فهي غدا فالرجل يتجه بالبلاد الى ازمة اشد مما تعيشه اليوم، لذلك فعلى النهضة ان تنظر الى الامر بشكل مختلف، وتبحث عن الاستفادة منه. والقصد هنا ان تعتبر النهضة ان الفخفاخ قدم لها هدية وهي حكومة آيلة للسقوط في اي لحظة، وما على النهضة الا الاستعداد للحظة واسقاط الحكومة.
والاستعداد يعنى ان تعيد النهضة رسم تحالفات تسمح لها في المرحلة القادمة باستعادة المبادرة من الرئيس، اي ان تقدم مرشحها لرئاسة الحكومة جنبا الى جنب مع عريضة سحب الثقة من الفخفاخ، وهذه العريضة تجد نظريا اليوم دعم 92 نائبا هم نواب النهضة وقلب تونس، ولم يتبقى امامها غير اقناع 17 نائبا بالانضمام.