بدعوة من نظيره الجزائري عبد المجيد تبون. وكان الرئيس قيس سعيد قد وعد في حملته الانتخابية ان تكون الجزائر هي الوجهة الأولى له بعد تسلمه الحكم بالنظر الى العلاقات الكبيرة التاريخية والجغرافية التي تربط البلدين الشقيقين وذلك في استمرارية مع خط الدبلوماسية التونسية وتقاليدها التي قامت على إعطاء الجزائر بعدا أساسيا في علاقات تونس الخارجية .
وتأتي هذه الزيارة في وقت شديد الحساسية تعيش فيه المنطقة لعل أخطرها ما يدور في الساحة الليبية من معارك وحروب مباشرة بين الفرقاء الليبيين او بالوكالة عن القوى الإقليمية والكبرى مما يهدد السلم في المنطقة . إضافة الى خطر الإرهاب المشترك الذي لا يزال يشكل تهديدا قويا لتونس والجزائر وللمنطقة.
لعل اهم ما في المباحثات بين الرئيسين هو التأكيد على حجم وأهمية تعزيز العلاقات بين الجارين في مختلف المجالات الاقتصادية والأمنية والاتفاق أيضا على تبني مواقف مشتركة وموحدة إزاء القضايا الإقليمية التي تشكل اهتماما مشتركا وذلك لتعزيز وتمتين الوضع في المنطقة. وقد أعلن الرئيس الجزائري عن إيداع مبلغ 150 مليون دولار لدى البنك المركزي كضمان، مع مواصلة تيسير الدفع بالنسبة للتموين بالغاز والمحروقات نظرا لصعوبات الدفع، وذلك ريثما تتجاوز تونس هذه الصعوبات». كما تمّ الاتفاق في نهاية اللقاء على «تنمية المناطق الحدودية والتكامل الاقتصادي بين البلدين». وعبّر الرئيسان عن ارتياحهما للمستوى المتميز للعلاقات الثنائية، مؤكدين العزم على تطوير هذه العلاقات وفق مقاربة جديدة تقوم على وضع شراكة للتشاور والتنسيق الاستراتيجي بين الجانبين. وأعلن الرئيس الجزائري عن زيارة مرتقبة يقوم بها إلى تونس «ريثما يتم تعيين الحكومة التونسية الجديدة».
الملف الليبي
وتصدّر الملف الليبي المباحثات بين الرئيسين وتمّ خلالها التأكيد مجددا على ان حل الأزمة في ليبيا يجب ان يكون ليبيا - ليبيا مع ضرورة ابعاد كل ما هو اجنبي عنها ومنع تدفق السلاح. كما شدّد الرئيس الجزائري على ضرورة أن تكون تونس والجزائر هما «بداية الحل» للأزمة الليبية من خلال «عقد لقاءات مع كل الليبيين وكل القبائل الليبية إما في الجزائر أو في تونس».واوضح ان الهدف من ذلك هو «الانطلاق في مرحلة جديدة لبناء مؤسسات جديدة تؤدي إلى انتخابات عامة وبناء أسس جديدة للدولة الليبية الديمقراطية شرط أن يقبل هذا الاقتراح من طرف الأمم المتحدة». فهل يمكن ان تشكل هذه الزيارة بداية لمرحلة جديدة أكثر فعالية في تعاطي دول الجوار الليبي مع المسألة الليبية لمواجهة كل التدخلات الخارجية».
ولعل من المهم الإشارة الى ان تونس سبق ان قدمت مبادرة لحل الأزمة الليبية مع الجزائر ومصر . وتأتي اليوم زيارة سعيد الى الشقيقة الجزائر كفرصة هامة لإعادة تفعيل هذه المبادرة او مبادرات أخرى تنطلق من نفس الفكرة والقناعة أي عدم ترك ليبيا رهينة التدخلات الخارجية بكل ما تحمله من أطماع ومن أخطار على امن المنطقة. فهل تكون هذه الزيارة منطلقا لتعزيز دور البلدين في إيجاد تسوية للوضع في ليبيا خاصة بعد ان « تدولّت» الأزمة الليبية وبات قرار الحل والتسوية فيها مرتبطا بتفاهمات الدول الكبرى المؤثرة في هذا الملف.
القضية الفلسطينية رفض صفقة القرن
كما مثلت القضية الفلسطينية أولوية للبلدين وجدد الرئيسان تأكيدهما على رفضهما لصفقة القرن وان لا حل لها إلا بتكريس حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة على حدود 1967 عاصمتها القدس تكون مبنية على قرارات الشرعية ومبادرة السلام العربية». وقد اعتبر رئيس الجمهورية قيس سعيد في حواره الأخير رفضه لصفقة القرن معتبرا ان التطبيع خيانة عظمى .
وكانت جامعة الدول العربية، قد قررت خلال اجتماع وزاري رفض خطة ترامب «باعتبارها لا تلبي الحد الأدنى من حقوق وطموحات الشعب الفلسطيني، وتخالف مرجعيات عملية السلام المستندة إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة».
ومهما كانت نتائج هذه الزيارة الأولى لرئيس الدولة او أهدافها ولكن من الأهمية بمكان ان تشكل منطلقا للتأمل في وضع تونس في خضم محيطها الإقليمي والعربي الذي يشهد تمزقات وانقسامات داخلية وحروب عديدة...ولعل أهمها أيضا هو النظر في وضعية اتحاد المغرب العربي الذي بقي هيكلا بلا روح طوال هذه الأعوام بسبب أزمات المنطقة وفي مقدمتها ملف الصحراء الغربية ...واليوم هناك حاجة أكيدة بين تونس والجزائر للوحدة ولتعزيز المواقف المشتركة إزاء كل ما يتعرض له البلدان من تحديات داخلية او خارجية .