إذ أكد لا فقط على كونه مدينا لرئيس الجمهورية بتعيينه مكلفا بتشكيل الحكومة، وهذا توصيف لواقع، بل عبّر بوضوح عن أنّ حكومته قبل وأثناء تشكيلها وبعده ستكون وفية لما يمكن أن نسميه بـ«خط الرئيس» وأنها لن تتكون إلا من الأحزاب والشخصيات التي عبرت بوضوح، أو حتى بصورة ضمنية، عن أنها مع قيس سعيد في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية. ولهذا فهي لن تتضمن لا قلب تونس ولا الدستوري الحرّ ولا من دار في فلكهما وانه سيكون وفيا لخط الثورة ولن يشتغل إلا مع الأحزاب المنخرطة فيه أي النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس وائتلاف الكرامة أساسا وهي الأحزاب التي التقاها منذ اليوم الأول من مشاوراته.
إذن اختار الياس فخفاخ حكومة «الخط الثوري» رافضا بذلك ضمنيا حكومة «الوحدة الوطنية».
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
ولكن هذا الوضوح السياسي المحمود قد لا يصمد كثيرا أمام اكراهات الواقع وتناقضاته .
أول هذه التناقضات هو محاولة ادغام الياس فخفاخ للحظة التشريعية مع اللحظة الرئاسية واعتبارهما شيئا واحدا بل باخضاع اللحظة التشريعية لمنطق اللحظة الرئاسية وخاصة في دورها الثاني والحال انه يعرف،كما غيره،بان هذه اللحظة كانت بالاساس قيمية أخلاقية ولم تدر مطلقا حول برامج اقتصادية واجتماعية،أي أن الذين ساندوا قيس سعيد كانوا من مشارب شتى ولا يجمع بينهم شيء يذكر في تصوراتهم الاقتصادية والاجتماعية باستثناء الشعارات العامة التي تشترك فيها كل الأحزاب السياسية .
ما الرابط بين حركة الشعب وتحيا تونس في مسألة المؤسسات العمومية أو إصلاح منظومة التقاعد؟ لاشيء وماهو الرابط بين حركة النهضة وائتلاف الكرامة في الشراكات الاقتصادية الدولية؟ لا شيء كذلك .
يعني انه بالإمكان تكوين حكومة بين هذه الأحزاب (النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس وائتلاف الكرامة) ولكننا سنجد حكومة دون برنامج واضح ودقيق منذ البداية نظرا للتباعد الكبير بين مختلف وجهات النظر ..
ثانيا ما معنى حزب ثوري ؟ هل يكفي أن يكون هذا الحزب قد دعا للتصويت لقيس سعيد أو كان ضد نظام بن علي ليكون ثوريا؟ هل يعتبر السيد الياس فخفاخ أن حزب التحرير مثلا حزب ثوري؟
وهل أن التعبيرة السياسية عن روابط حماية الثورة (ائتلاف الكرامة ) هي حركة ثورية ؟ وهل أن حركة النهضة حركة ثورية هي الأخرى ؟
إننا أمام تعريف سياسوي فضفاض لا مضمون فكري وسياسي له بل هو فقط يافطة يرفعها البعض لتسويق بضاعة لا كبير علاقة لها بالثورة وقيمها ومبادئها .
أما التناقض الثالث والاهم بالنسبة لالياس فخفاخ فهو اعتراض أحزاب وازنة داخل حزامه السياسي المفترض على تعريف الياس فخفاخ لحزامه السياسي أصلا. فحركة النهضة وتحيا تونس ضد استبعاد قلب تونس من المشاورات ومن الحزام السياسي للحكومة القادمة كذلك وهذه نقطة خلاف جوهرية منذ البداية، والواضح ان هنالك تنسيقا ما بين النهضة وتحيا تونس لإدماج قلب تونس في العملية السياسية وفي الحكومة القادمة رغم انف رئيس الجمهورية والشخصية المكلفة بتشكيل الحكومة . ويبقى السؤال الجوهري : إلى أي حد سيتمسك كل طرف بموقعه المعلن هذا ؟ من سيخضع في النهاية لإرادة من ؟ وهل سيقدم الياس فخفاخ امام مجلس نواب الشعب حكومة «الخط الثوري» أم حكومة «الوحدة الوطنية»؟
الوضوح السياسي ايجابي للغاية ولكن هل يكفي الدعم الرئاسي لتجاوز كل هذه الاكراهات والعراقيل والتناقضات ؟
إن غدا لناظره قريب ..