الاعلان عن تحالف الحكم الجديد : «الخــوف» يصنع المعجزات

مرة اخرى يكشف الخوف انه «الاصابع الخفية» في المشهد السياسي وانه احد ابرز محددي الخيارات السياسية للأحزاب في تونس ،

الخوف هو الذي غير مواقف النهضة والتيار والشعب وتحيا تونس وجعلهم يؤسسون التحالف الحكومي القادم، والخوف هنا من الرئيس وما قد يأتي به.

منذ ان كلف الحبيب الجملي بتشكيل الحكومة القادمة كان واضحا للعيان ان حركة النهضة -بالأساس- تواجه ازمة «اخراج» تحالفها مع حزب قلب تونس، وأنها عملت عبر الحبيب الجملي طوال الفترة الماضية على توفير مناخات موضوعية لمروية «الضرورة» التي تريد بها تمرير تحالفها مع حزب نعتته بالفاسد وأعلنت عن تناقضها معه بشكل حاد خلال الحملة الانتخابية.

هذا الخيار الذي اتبعته النهضة فرض عليها بعد صفقة البرلمان التي بموجبها نال رئيس النهضة راشد الغنوشي بها كرسي رئاسة البرلمان ونالت سميرة الشواشي منصب نائبه الاول، صفقة ابرمت بين النهضة وقلب تونس لم تستسغ من قبل شورى الحركة قبل قواعده مما أجبر «الشيخ» على اعادة تموقعه مع قلب تونس ظاهريا وعبر عن ذلك في ملف الحكومة.

حكومة مرتقبة برئاسة الحبيب الجملي خاضت مفاوضاتها بإستراتيجية مكشوفة بشكل صريح، وهي توفير كل الظروف الموضوعية والذاتية لتمرير التحالف مع قلب تونس، حتى وان اقتضى ذلك اهدار الوقت في مفاوضات غير جدية مع التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس لاقناع الجميع بان النهضة سعت للتحالف مع قوى الثورة ولكن الاخيرة خذلتها فلم يبق لها غير قلب تونس.

مروية هيأ لها كل عناصر السرد ، النهضة والجملي قدما تنازلات جمة لهذه الاطراف ولكنها رفضت وتمسكت بذلك، مروية رددها عماد الحمامي في بداية الاسبوع الجاري، عندما اشار الى العرض الجدي الذي اقترحته حركته على التيار الديمقراطي وتمنحه بموجبه وزارة العدل والإصلاح الاداري مع تعهد بإلحاق الشرطة العدلية بالأولى.

عرض اعلن التيار عنه في بداية الاسبوع وأضاف انه سيحيله لمجلسه الوطني ليتخذ قراره بشأنه ، هنا سارعت النهضة لتلعب ورقتها وهي انها غير مستعدة لإهدار الوقت اكثر في انتظار رد التيار وأنها علقت مشاورتها مع الاخير ، وستبحث عن خيارات اخرى.

خيارات تحدث عنها رفيق عبد السلام بشكل مطنب في حوارات اذاعية متعددة ، بل ذهب الى ابعد من ذلك بالإشارة الى ان النهضة قد تجد نفسها تعيش على وقع شراكة حكم مع قلب تونس وان لم يكن الاخير ممثلا في الحكومة القادمة بشكل صريح. شراكة مهد اليها الرجل المقرب من رئيس الحركة باعتبار أنها فرضت على النهضة في ظل تعنت شركائها الطبعيين ، والقصد هنا قوى الثورة التي ارادت النهضة ان تقدمها في ثوب المتخاذل.

هذه نصف الكأس، فحركة النهضة لم تكن الطرف الوحيد الذي ادار المشاورات بهدف احراج الاخر وتحميله مسؤولية الفشل ، فالتيار والشعب قاما بذلك بشكل صريح وعلني، فالحزبان الممثلان في البرلمان بـ37 نائبا حرصا على تعقيد اللمشاورات والضغط لدفع النهضة الى اعلان رفضها لهما، والهدف من هذا الحيلولة دون ان تقدمهما الحركة في ثوب المتخاذلين.

على هذه الشاكلة كانت تدار المفاوضات التي كانت نهايتها شبه محسومة وهي حكومة «كفاءات» مطعمة ببعض النهضاويين تحظى بدعم حركة النهضة وقلب تونس، الذي تعتبره النهضة الحليف الافضل والمناسب لسياستها خاصة وان قلب تونس لا يبحث خلال هذه الخماسية الا على الحفاظ على تواجده ، مما يعنى اريحية للنهضة في ادارة التحالف.

لكن من يبحث عن الاريحية وهو مهدد في وجوده، هذه الـ«لكن» ادركتها النهضة مساء الـ17 من ديسمبر الجاري بعد خطاب رئيس الجمهورية في سيدي بوزيد، وتيقنت منها بعد ساعات حينما هتف المحتجون بالشعب يريد قبل ان يقع طرد والى تطاوين من مقر الولاية.

هنا تنامى الخوف لدى النهضة من حمى الشعب يريد وانتقال عدوى تطاوين الى باقي الجهات وصولا للعاصمة والى مراكز السيادة، جعلها تتريث وتعيد النظر في خياراتها السياسية. ولم يكن الأمر مقتصرا على حركة النهضة بل على باقي المشاركين في المشاورات.

مشاورات استؤنفت بتدخل وسطاء، ابرزهم جوهر بن مبارك والحبيب بوعجيلة، هذا الثنائي بمبادرته وفر ما يمكن اعتباره «مخرجا» يقى الجميع الاقرار بالسبب الحقيقي لتغيير المواقف في الساعات اللاحقة لخطاب الرئيس واقتحام ولاية تطاوين. وسطاء تدخلوا ليوفروا لكل المعنيين أدوات «اخراج» مشهدية لقرارتهم ورفع حرج الاقرار بان الخوف دفعهم الى التعديل في المواقف وتغيير الخطة بـ180 درجة.

فحركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي كانا الى حدود يوم الخميس مع خيار مختلف عن ما اعلن عنه امس من قصر الضيافة، لكن الخوف من تداعيات خطاب الرئيس ومحاصرة النهضة في البرلمان والشارع دفعها الى المراجعة، فالنهضة اقتنعت بأنها بالتحالف مع قلب تونس ستكون وحيدة تواجه خصوما أشداء سواء في البرلمان على غرار الدستوري الحر ورئيسته عبير موسى او خارجه في شارع منتفض يرفع شعار الشعب يريد ويطبقه.

خوف من ان تمسك النهضة بيديها على جمرة الحكم في ظل تأجيج معارضيها للاوضاع والاحتقان لم يكن ليغير موقفها لولا خطاب الرئيس في سيدي بوزيد وما مثله بالنسبة للنهضة او باقي الاحزاب المنتسبة للخط الثورى من خطر يهدد وجودها من اساسه.

فالفشل في ادارة المرحلة وعدم تحسين الحياة اليومية للتونسين مع خطاب لرئيس الجمهورية مشابه لخطاب 17 ديسمبر قد يكون كافيا لإشعال ازمة قد تنتهى باقتحام البرلمان هذه المرة وطرد رئيسه راشد الغنوشي، فرضية أربكت النهضة ورئيسها الذي اقتنع بأن افضل الحلول لمواجهة خطر سعيد والغضب هو تقاسم اعباء الحكم مع الثوريين.

الثوريون هنا هم التيار الديمقراطي وحركة الشعب وبدرجة اقل تحيا تونس، هؤلاء جميعهم ادركوا ان موجة سعيد إذا استمرت في التصاعد ستنتهى بإنهاء وجودهم السياسي لذلك اعتبروا ان الاختلافات بينهم هامشية مقارنة بالخطر القادم.

خطر يتمثل في تنامي النزعة الشعبوية والراديكالية لدى الشارع التونسي واستفادة قيس سعيد الذي قد يقنعه محيطه بتكوين حزب كذلك من الحزب الحر الدستوري والخشية من أي تعثر في الحكم وفشل في تحقيق انجازات خلال هذه الفترة.

الخوف من سعيد بدرجة اولى ومن الدستوري الحر اقنع حركة النهضة والتيار الديمقراطي بان افضل طوق لنجاتهما ونجاة البلاد هو الحكم معا في ظل توافق يتضمن القيام بانجازات ملموسة للتونسيين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115