التشديد على ان جزءا من الطبقة السياسية لم يستوعب بعد ان دين الدولة التونسية هو الاسلام.
«هناك مخاوف كي لا اقول رفض مطلق تجاه كل ما له طابع او لمسة إسلامية» بهذه الكلمات شرح معز الحاج رحومة اسباب رفض اغلبية مجلس نواب الشعب لمقترح حركة النهضة بإحداث صندوق للزكاة، كلمات قالها النائب عن النهضة على موجات اذاعة كاب اف ام صباح امس.
معز الحاج رحومة النائب عن دائرة نابل 1 والمرشح كرئيس لقائمة النهضة بتلك الدائرة منذ انتخابات 2014 اعتبر ان حركته تواجه جزءا من الطبقة السياسية « لديه حساسية كلما ذكرت مسالة الشريعة» وهذا وفق قوله «مؤسف بكل المقاييس» لان الدستور التونسي وفي فصله الاول يقول بان تونس «دينها الاسلام ولغتها العربية».
الحاج رحومة يعتبر ان هذا الاقرار بدين الدولة من قبل الدستور لم يستوعبه جزء من الطبقة السياسية التي «تتعاطي مع كل مسالة ذات بعد ديني، بحساسية» مردها وفق قوله «تخوف كي لا اقول رفض مطلق « تجاه كل ما له طابع او لمسة إسلامية وتغفل عن ان دين الشعب التونسي ودين الدولة هو الاسلام.
نبرة الاستياء التي لا تخفي عداء لموقف معارضي الحركة من تمرير الاسلمة الناعمة للدولة والمجتمع التونسي دفعت بالنائب الى ذكر زميلته سامية عبو عن التيار الديمقراطي كعينة على الطبقة السياسية التي تعاني من حساسية تجاه كل ما له علاقة وان كانت بسيطة بالإسلام.
ما لا يقوله معز الحاج رحومة صراحة هو ان من يرفض مشروع حركته القاضي باسلمة الناعمة للدولة والمجتمع معاد للدين، وما لا يقوله بشكل مباشر ان حركته وفي زخم «تخميرة» الفوز في الانتخابات التشريعية الاخيرة أعادت احياء نفس مقولاتها في 2011. مقولات تتعلق بالمشروع المجتمعي الذي لا يتخذ هذه المرة غطاء اسلاميا بشكل مباشر بل يلتحف برداء الثورة والثوار والشعب يريد، لينتهى الامر الى تحقيق مطلب الشعب بدولة مؤمنة.
ما يقوله القيادي بحركة النهضة المدعوم من قبل راشد الغنوشي ، الذي تدخل ليضعه رئيسا لقائمة نابل 1، ليس زلة لسان او «تعبير خائن» عما يكّنه العقل النهضاوي من تأويل للفصل الاول للدستور التونسي ومكانة الدين ومحوريته في الدولة التونسية. فالنائب عن حركة النهضة لم يقم إلا بتكرار مواقف حركته.
مواقف كشفتها النهضة منذ الحوار الوطني في 2013 الذي افضى الى توافق بشان الفصول الخلافية التي تعذر على المجلس التأسيسي حسمها، ومنها مسالة الشرعية كمصدر اساسي للتشريع، ودين الدولة وحرية الضمير وغيرها من الفصول المتعلقة بالبعد المجتمعي.
كما ان النهضة سوقت للتوافق بينها وبين باقي القوى المشاركة في الحوار الوطني على انه انتصار خاصة عندما تعلق الامر بالإبقاء على الفصل الاول من دستور 1959، الذي تؤوله النهضة على انه اقرار بان الاسلام هو دين الدولة وما تترتب عن ذلك من تبعات على المجتمع وعلى مؤسسات الدولة.
قراءة اعادت النهضة تسويقها مع نشوب الجدل بشان مبادرة المساواة في الميراث بين الجنسيين في 2017 واعتمدت على عبارات حادة تجاه توجّه رئيس الدولة الراحل الباجي قائد السبسي لبعث لجنة تتولى صياغة مشروع مجلة الحريات الفردية والمساواة بين الجنسين.
قراءة النهضة التي استندت الى ان دين الدولة هو الاسلام وان المبادرة تعد تنكرا معلوما للدين بالضرورة لم تدم طويلا، فالحركة تراجعت في تلك الفترة واعتمدت على صياغة جديدة مفادها ان «تونس دولة مدنية لشعب مسلم...ومن ثم البحث عن مقاربة في الحريات الفردية والمساواة تجمع بين الالتزام بأحكام الدستور واحترام مقومات الهوية العربية الاسلامية لشعبنا» وفق بيانها الصادر في 4 جويلة 2018 الذي حذف من موقع الرسمي للحركة.
حذف يكشف ان موقف النهضة كان ظرفيا يستجيب لتوازنات تلك المرحلة التي حتمت على الحركة الاحتماء تحت مظلة رئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي، لكن برحيل الحامي وزوال اسباب الاحتماء عادت النهضة لإحياء تأويلها للفصل الاول لا كإقرار بان الاسلام هو دين غالبية الشعب وفق قراءتها طوال سنة 2018 بل اقرار بان الاسلام «دين الدولة».
تونس الاسلام دينها ، هذا ما تدفع اليه حركة النهضة وتدفع الى ان تكون الاجابة عنه موقعا محوريا للإسلام في الدستور يمتد ويشمل آثاره الدستورية، وهذا سيجبرها اولا على ان تمرر قراءة خاصة للسياقات التي رافقت صياغة الدستور ومراد المؤسسين بالفصل الاول.
قراءة ستعيد النهضة فيها صياغة التاريخ ليتوافق مع مرويتها، التي تهدف من خلالها الى حصر فهم الفصل الاول وباقي الدستور على ان الدين يعنى الدولة لا الشعب وان المشرع اختار دينا للدولة وهو الاسلام، وبالتالي فعلى الدولة عاجلا ام اجلا ان «تتوب الى الله» وتتبع شرعه.