منع الصحفيين من دخول أشغال مجلس النواب: السـابـقـة !!

يبدو ان شعار الدفاع عن «حرية الإعلام ليس الا خطابا تسويقيا لدى الفاعلين السياسيين في تونس، فمع كل اختبار فعلي لمدى

قناعة هؤلاء بحرية الاعلام والصحافة تكون النتيجة مغايرة للخطابات ليكون المنع والانتهاك ومحاولة التوظيف او تبرير الانتهاك.

مع صدور نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس اعرب جزء من الفاعلين في الفضاء الصحفي والشأن الاعلامي عن مخاوف من ان يعقب هذه النتائج انتكاسة للحريات العامة والفردية في تونس، وخاصة حرية التعبير والصحافة.

مؤشرات عدة انذرت بان المناخ العام للعمل الصحفي عاد الى اجواء 2012 وما تلاها من سنوات، امتاز فيها الخطاب السياسي بمعاداة حرية التعبير والبحث عن توظيف وسائل الاعلام والتضييق على الصحفيين وترويعهم والاعتداء عليهم من قبل انصار الاحزاب وخاصة حركة النهضة وروابط حماية الثورة.

مناخات عادت مع بروز خطاب معاد للصحافة والعاملين فيها، ويصنف المؤسسات الاعلامية وفق مدى اقترابها من هذا الطرف السياسي او ذلك ويحاكمها على مواقف سياسية او اراء مختلفة عن من يقدمون انفسهم على انهم ابناء «الثورة».

لكنها ظلت الى حدود يوم امس خارج مؤسسات الدولة واجهزتها الى ان اعلن مجلس نواب الشعب ان حمى معاداة الصحافة قد طالته، ليمنع صباح امس الصحفيين من دخول اروقته للقيام بعملهم ونقل الاخبار.

يوم امس قررت رئاسة المجلس ان تمنع الصحفيين من الدخول واستمر هذا المنع الى حدود الساعة الرابعة بعد الزوال، موعد تراجع المجلس عن قراره والسماح للصحفيين بالدخول للقيام بالتغطية الاخبارية. ليقع التراجع عن انتهاك مزدوج طال الصحفيين وحال بينهم وبين مهمتهم كما طال المواطنين بحجب حقهم في الوصول الى المعلومات.

منع بررته ادارة المجلس بـ«الوضع الدقيق الذي تشهده المؤسسة البرلمانية هذه الايام» وهو ما يستوجب «اتخاذ تدابير استثنائية لدخول المجلس... بما حال دون تمكّن الاعلاميين من القيام بمهامهم». هذا ولم يفت ادارة المجلس ان تشير الى ان رزنامة المجلس لا تتضمن أي نشاط لأي هيكل من هياكله بما يتطلب دعوة الاعلاميين الى مواكبته او تغطيته وفق الاجراءات المعمول بها مؤكدا حرصه «على مواصلة سياسة الانفتاح على وسائل الاعلام ودعم حرية الصحافة».

هنا لا تقر ادارة المجلس ورئاسته بأن عملية منع الصحفيين من الدخول كان هدفها الاساسي منعهم من مواصلة تغطية اعتصام كتلة الدستوري الحر ومحاولات فض هذا الاعتصام بجهود وساطة او اليات قانونية. أي ان منع الصحفيين كان المراد منه التعتييم على أي اجراء قد يتخذ ومنع تناقل الصورة او الخبر، وهذا يكشف عن ان الدافع وراء عدم السماح للصحفيين بالدخول للمجلس الذي حافظ مكتبه على جلسته منعقدة هو التضييق على تغطيتهم الاخبارية وما قد تثيره من انتقادات للمجلس وإدارته.

التضييق علـى عمـل الصحفي انتهـاك مـزدوج، ينتهـك الحق فـي الحصول علـى المعلومـات وتداولهـا، ولكنه بالأساس يمثـل خطـرًا يقـوض أركان الديمقراطيـة فـي الـدول عـن طريــق التضليــل الإعلامي المتعمــد وإخفــاء مــا لا ترغب فيه السلطة.

هنا مربط الفرس في العلاقة بين الصحافة والسلطة، فرغم مضي حوال 9 سنوات على انهيار نظام بن علي والتجذر النسبي لحرية الاعلام والصحافة في تونس إلا ان «العقل السياسي» في تونس لازال ينظر الى الصحافة على انها اداة يوظفها لصالحه وإذا لم تستجب له تصبح العدو الذي لا يرغب في تواجده لمنعه من نقل الاخبار والصورة.

شهدت تونس خلال كل هذه السنوات التي عقبت الثورة، مئات من الممارسات التي استهدفت حرية الصحافة بل والسلامة الجسدية للصحفيين ذاتهم، ويبدو انها ستتواصل في ظل صمت النخبة السياسية التي غابت امس عن تقديم أي موقف يدين منع الصحفيين من التغطية.

حرية الصحافة والتعبير تبرز بشدة عند الخطابات ولكنها تغيب عند الممارسة لدى قسم واسع من الساسة والفاعلين في تونس، وهذا مرده ان جلهم جبل على اعتبار الصحافة تابعا إذا خرج عن الصراط يعاقب والصراط هنا يختلف باختلاف الجهة التي تريد ان تجعل من تصورها ومرويتها الحقيقة وما عداها باطل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115