عكسه بلعبه أكثر من ورقة يوم امس في تصريحات صحفية كان هدفها تقديم نفسه على انه صاحب الامر والقرار في الحكومة وانه غير مستعد ليكون شبيها بمن سبقوه.
يدير الحبيب الجملي مشاورات تشكيل حكومته من قصر الضيافة بقرطاج ووردت تصريحات تفيد بان الرجل بات قريبا من حسم امره وان حكومته ستدخل في المرحلة الثالثة والأخيرة خلال الاسبوع القادم اي ان المشاورات ستبلغ مرحلة مناقشة اعضاء الحكومة القادمة بالاسماء.
ليس هذا فقط ما حملته الرياح من قرطاج أمس، بل حملت معها تصريحات «حادة» اطلقها الرجل معلنا فيها عن ولادته السياسية، ليكرر الرجل ما قاله من قبل ولكن بعبارات اشد وضوحا وبنبرة أحدّ وهي انه «لن يخضع الى أي موقف بخصوص مشاركة قلب تونس في الحكومة ولو كان حركة النهضة ... وراشد الغنوشي رئيس الحركة يعلم ذلك».
هذا التصريح الذي استهدف به الرجل ثلاثة احزاب سياسية دفعة واحدة وهي النهضة والتيار وحركة الشعب، اراد من خلاله ابراز انه هو الذي يقرر من سيشارك في حكومته ومن لا يشارك فيها. وليس لأي طرف وضع شرط عدم اشراك قلب تونس او الاعراب عن عدم الرغبة في مشاركته لن يكون لذلك قيمة تفاوضية معه .
لتشديد الخناق اكثر على الاحزاب اعلن أن المفاوضات مستمرة وإن كانت «ملامح الحكومة القادمة اقتربت من التشكل وأن الأطراف السياسية الداعمة لها باتت شبه واضحة». وان المفاوضات حول الحقائب الوزارية والكفاءات التي ستكون مرشحة لتولي مناصب في هذه الحكومة ستحدد في الاسبوع القادم. مع التشديد على انه «لا معنى للإسراع باختيار وزراء دون اتفاق على برنامج وعلى طريقة تسيير للحكومة».
ليضيف قائلا «يجب أن نتريث قليلا وان يكون التمشي على أساس البرنامج وإرساء مبادئ الحوكمة الجديدة لرئاسة الحكومة وللوزارات وإحكام اختيار الكفاءات الوطنية اللازمة التي ستتمكن من إخراج البلاد من أزمتها» .
ازمة تستوجب تواجد حكومة يطلق عليها الجملي حكومة ألانجاز ولتحقيق ذلك فقد رسم لها ميثاقا سيكون بمثابة منصة سياسية لها، وهو يتعلق ببرنامجها وكيفية تكوينها، ولكن ايضا بالعلاقة بين اعضاء الحكومة وبعلاقة الحكومة بالأحزاب والبرلمان.
رسائل صريحة ومبطنة اراد من خلالها الحبيب الجملي القول انه ليس ظلا ولا تابعا لاي حزب او «شيخ» وان من يريد الضغط عليه لإجباره على الانصياع لخياراته سيجد ردا مغايرا قد يعقد حسابته، وهذا ما عناه بقوله ان ملامح حكومته والاحزاب المشاركة اتضحت وان هدفه الضغط على المتشاور معهم، وتقليص الضغط المسلط عليه عبر شروط وضعها المتفاوضون.
لكن ما لا يبدو ان الجملي ادركه ان محاولته القول بان الامر بيده والبروز في ثوب القائد ضد فيلق من الاحزاب يتزعمها رئيس النهضة -نفسه- راشد الغنوشي لن يكفيه ليحل معضلاته، فهو يدرك جيدا ان القرار في النهاية لن يكون بيده حتى وان امضى مهلة الشهرين في المشاورات وصياغة تركيبة حكومة لن تنال ثقة البرلمان ناهيك عن ضمان حزام سياسي واسع.
وما هو معلوم للجميع ان التيار وحركة الشعب يشكلان ثاني قوة في البرلمان بكتلة قوامها 41 نائبا وضعا شرطا اساسيا وهو غياب قلب تونس، والاخير وان امضى اسابيع في البحث عن معادلة تقيه جور السنوات الخمس القادمة لا يبدو انه قد يتحمس لمنح حكومة تضم النهضة والتيار والشعب ثقته طالما لم يكن جزءا منها.
البحث عن حل لمعادلة لن يتحقق للجملي بمجرد الخروج والقول انه الرجل القوى، بل هو كمن يصب الزيت على النار، فالهمسات اخترقت جدران الاحزاب وهي تنبئ بان البدائل وضعت على الطاولة وهي محل نظر.