تشكيل حكومته التي باتت الرؤية بشانها اكثر وضوحا في عقل الرجل الذي أنفق ايامه العشرة الاولى من الاجال الدستورية في الاستماع إلى الجميع.
بنهاية ساعات يوم امس يكون رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي قد انهى ثلث المهلة الدستورية الممنوحة له لاجراء مشاورات تشكيل الحكومة واستمع إلى جل الاحزاب السياسية والتقى بشخصيات ومنظمات وطنية، رغم تباين اوزانها البرلمانية والانتخابية، وهي المرحلة الاولى من مشاوراته التي ستنطلق خلال اليومين القادمين في مرحلتها الثانية لتنتهى بالمرحلة الثالثة والاخيرة وهي تركيبة الحكومة المزمع عرضها على البرلمان لمنحها الثقة.
الجملي الذي يعرف نفسه بأنه من خارج الاحزاب السياسية انفق ايامه الاولى في الاستماع للجميع وتكوين فكرة عن ما ينتظر منه ومن حكومته٫ اذ التقى بالاحزاب والائتلافات البرلمانية اضافة الى المنظمات الاجتماعية، والاحزاب التي لم تفز في الانتخابات التشريعية الفارطة لتحقيق الهدف اكتساب معرفة بالشان السياسي التونسي والفاعلين فيه.
لقاءات كان جزء منها هاما ولا يمكن اعتباره بشكل مباشر متعلقا بالحكومة القادمة، فالرجل وان اعلن عن نيته توسيع قاعدة المشاركة الا انه يدرك انه امام حتميات اولها ان حكومته سترتكز على اربع كتل في البرلمان هي النهضة وقلب تونس والتيار وائتلاف الكرامة٫ اي ان المعنيين بالحكومة بشكل مباشر هم هذا الرباعي الى التحق بلجنة صياغة برنامج الحكم.
رباعي التقى الجملي بزعمائه في نهاية الاسبوع الفارط وهو في طريقه لعقد لقاءآت اخرى معهم في اطار المرحلة الثانية من المشارات التي المح الى انها ستتعلق بوضع برنامج لاولويات الحكومة واهدافها في المرحلة القادمة، قبل التوجه لتفصيل الهيكلة والتركيبة التي حرص وفق ما يسوق من اللقاءات على تاجيل الخوض فيهما.
تاجيل يريد عبره الجملي فرض نسقه على الاحزاب التي يدرك ان تناقضاتها تضعه في موقف صعب للتاليف بينها وتجعل من هامش تحركه محدودا خاضعا لهيمنة الفاعلين الكبار في المشهد واساسا حركة النهضة، ولضمان تحسين شروط تفاوضه حرص الجملي على اكتساب الوقت باجراء مشاوراته مع الجميع ليصيب عصافير عدة في آن واحد.
هذه المرحلة التي انتهت ستفتح المجال لاخرى سيحاول عبرها الجملي فرض بعض من تصوراته على الرباعي الذي يبحث عن ان يكون عماد حكومته وداعمها في البرلمان بعد قيامه بعمليات اقصاء لكيانات سياسية اخرى لا يرى انها قد تكون في حزامه الداعم او هي رفضت ان تتواجد فيه٫ الجملي وهو يحدد قائمة الشركاء في الحكومة المحتملين وقائمة من هم خارجها سيكون مطالبا بان يضبط قائمة الحكم اكثر وان يجد صياغات تسمح بتواجد متناقضيين فيها.
فهو امام اكراهات تتعلق بمواقف احزاب من بعضها البعض وهنا موقف النهضة وقلب تونس تجاه بعضهما البعض لا يرى فيه الجملي -وان لم يعلن ذلك- اي اشكال او عقبة انما موقف التيار الديمقراطي هو ما يحظى باهتمامه خاصة تجاه تواجد قلب تونس في الحكم.
الجملي الذي يبحث خلال الايام القادمة عن حسم ملفين اولهما من هم في التحالف وباي برنامج، يدرك ان الشوط الثالث والاخير من المشاورات سيكون اصعب إذا يتعلق بتركيبة الحكومة وهيكلتها، وهذا يعنى الذهاب الى وضع تعهده بان لا تكون حكومته حكومة محاصصة محل اختبار في ظل بحث الاحزاب والكتل البرلمانية عن الدفاع عن حظوظها وعن مواقع في الحكومة.
مرحلة الصعب فيها لن يتعلق بتوزيع الحقائب الحكومية بقدر ما يتعلق بتشكيل حكومة متناغمة تضمن الحد الادني من النجاعة وهذا يعني الابتعاد عن مرشحي الاحزاب وهو ما قد يضعه في مواجهة معهم، مواجهة سيعرف هوية المشاركين فيها قبل نهاية الاسبوع الجاري حيث سيتضح بشكل كلي من سيكون معنيا بالحكومة وكيف سيكون تواجده فيها.